الكورد و حوار الذات …3

د. اكرم هواس

الكورد و حوار الذات …3

في المقالة السابقة ذكرت مصطلح “حلقات الرقص و القتال” و لعل ما يود الكثيرون ان يطلقوا عليها “ملحمة كوباني” تحمل الكثير منعناصر الاسطورة و الواقع و كذا الرموز و التحول الذي كان ينشده الكورد و الدعم الدولي (ساعود الى هذه النقطة)… لكن “حوار الكورد معالذات” يحمل الكثير من التساؤلات: هل كانت حرب داعش خطيئة الكورد..؟؟.. او بشكلٍ اعمق : هل وقوف الكورد بوجه مشروع داعش يعتبرانتصارا لحق الحياة كما يتصور الكثيرون ام خطيئة في رقاب الكورد تضاف الى تراث ثوراتهم الكثيرة و رفضهم التخلي عن هويتهم الثقافيةو الاثنية منذ قيام الدولة الوطنية او القومية في الشرق الأوسط..؟؟..

السؤال قد يبدو غريبا امام منطق الدماء و الاغتصاب و الدمار الذي صنعته داعش في دول المنطقة و خاصة العراق و سوريا… لكن ذاكرةالشعوب و ذهنية التعالي القومي و الاثني قد تبلور تصورات اخرى غريبة و متناقضة مع الواقع في اللحظة التاريخية التي يحصل فيهاتغيير ولو بسيط او حتى تبسيطي في الواقع على الارض او في تصورات مركبة على عجل عن الواقع…

لا بئس ان نبدأ بطرح بعض العناصر الرئيسية في اشكالية اليوم حيث تبدو الأمور و كأن هناك تبلور جديد لصراع عربي-كوردي يتجاوزمحطة ظهور داعش و دور الكورد في اخماد ثورتها… ربما علينا ان ندرس عناصر تبدو و كأنها تشكل قوة دفع لاعادة رسم المسار العام : الاولى ..عولمة الكورد… الثانية … الهجوم على أربيل بدلا من دخول بغداد(يمكن مراجعة مقالتي المتعددة عن عولمة الكورد و الهجوم على اربيل).. ثالثا… رؤية الغرب حول الحليف المقاتل (مقاربة مع صراع الاتحاد السوفيتي و القوى الغربية و جدار برلين )و ليس الحليف الحضاري(اسرائيل)… رابعا.. ارتباك صورة الكوردي عن ذاته… خامسا… الحدود المشوشة بين العربي و العروبي و الاسلامي و الداعشي..

كل من هذه الملاحظات تحتاج الى مناقشات مستفيضة و دراسات كثيرة حتى نصل الى استنتاج ما… لكن في هذه المقالة ربما نستطيع اننرسم مسارات للتلاقي و التقاطع بين هذه العناصر و بالتالي استحصال مفهوم متعدد الأبعاد عن اشكالية دور الكورد في شرق اوسطتتراكم فيه إعداد الطامحين الجدد و المدعين بالحفاظ على قداسة “الوطن” و “الأمة”…

اعتقد اننا يمكن ان نبدأ من النقطة الاخيرة … “تشوش الحدود بين العربي و العروبي و الاسلامي و الداعية” سيوفر لنا فرصة كبيرة لتفكيكشبكة الترابطات المختلفة و علاقتها بظهور الكورد على الساحة السياسية و تنامي دورهم و بالتالي ايضا توالد التصورات حول ارتباكهمالذاتي و اشتباكهم مع عدو لا يملك “حدودا” واضحة مما ترك الباب واسعا امام دخول القوى الدولية و تحويل الصراع التاريخي الى قوةدفع من اليات العولمة…

الدولة العربية الحديثة كان من المؤمل منها ان تكون دولة مواطن على نهج النماذج التي القادمة من “المصدر” في اوروبا … لكن هذه الدولةلم تتجاوز التاريخ .. فالسيادة ظلت للعرب (الفرس و الترك في ايران و تركيا)… و بدا واضحا ان هذه السيادة العربية هي امتداد لآلياتالتعريب التي صاحبت الفتح الاسلامي حيث كان العرب أهم عنصر في المجتمع الجديد و لغتهم و ثقافتهم ازالت الثقافات المحلية للبلدانالتي تم “فتحها” او “استعمارها” او اي وصف اخر يمكن ان نطلق عليه!!…

هيمنة “العربية” ثقافة و منهاجا و سلوكاً خلقت تناقضات مع فكرة المواطن في مفهوم الدولة الحديثة و خلقت صراعات مع المجموعات البشريةغير العربية و منها الكورد… للتهرب من هذه الاشكالية طرحت فكرة العروبية في محاولة لخلق دوافع ذاتية عند غير العرب لقبول هيمنة العربمع هامش بسيط للاحتفاظ بالهوية الذاتية … لكن “مشروع العروبية” فشلت تماما في خلق انسيابية مجتمعية في مفهوم المواطن و الوطن.. كما لم يستطع الإسلاميون تجاوز قوقعة تجربة الخلافة فالدولة بالنسبة لهم هي ولاية في خلافة واسعة لكن ليس لها وجود .. و صورة المواطنمشوشة بين قوالب المسلم/ الذمي… العربي/ الأعجمي … القاسم المشترك هو العربي… سيد القبيلة… او الريس القائد… او الخليفةالمطلق… بينما الاخرون تابعون سياسيا و فكريا… و هذا ما انتج حالة “التشوش الثقافي و الانشطار الذاتي” عند غير العرب و منهمالكورد..

بكلام اخر …هذه القوالب الصلدة تركت آثاراً كثيرة عند غير العرب لكن اهم اثر هو خلق ارتباك في بلورة مفهوم تطوري عن الذات و هويتها… و هكذا ظهرت حركات و احزاب سياسية و افكار ثقافية مختلفة أعاقت بلورة مشروع ثقافي و رؤى حول حدود الانتماء و التلاقي عند الكورد…

في المقالة التالية سنناقش محصلة دور الكورد مع تجربة داعش…حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here