تركة المدن المحررة من الألغام تقيد آمال النازحين بالعودة

قبل اسابيع قليلة قررت عائلة ابو رحمن، العودة الى جلولاء الواقعة في شمال شرقي ديالى، لكن صدمة موت احد اطفال العشيرة بانفجار عبوة من مخلفات داعش في المدينة، اجلت قرار الرجوع الى إشعار آخر.

يعد الأثر السيئ من العبوات والالغام التي تركها تنظيم “داعش” في المدن التي كان يحتلها لنحو 3 سنوات، واحداً من اكثر القضايا تعقيداً، بسبب حاجتها الى اموال وجهود كبيرة للتخلص منها، وعرقلتها بشكل دائم جهود عودة النازحين.

ويقول ابو رحمن (60 عاما) لـ(المدى): “في كل مرة اقرر ترك اربيل والعودة الى جلولاء يحدث انفجار او يهاجم داعش احدى القرى في القضاء.. طالت رحلة النزوح ونريد الرجوع لكن اخشى على عائلتي ان يصيبها مكروه”.

لا توجد في العراق ارقام رسمية لعدد النازحين بسبب تعلق هذا الملف بقضايا سياسية وحقوق الانسان، وعادة ما تتذرع وزارة الهجرة بالحركة المستمرة للنازحين للهروب من اعطاء احصائيات دقيقة عن عدد النازحين.

وفي الغالب لم يعد الفارون من المدن التي كانت تحت سيطرة “داعش” ويسكنون في منازل مستأجرة او لدى اقاربهم، نازحين بحسب اولويات الحكومة، لكن الساكنين في المخيمات هم الهم الاكبر الذي تحاول اغلاق مراكزهم على وجه السرعة.

ويتعلق هذا الملف (غلق المخيمات) بالانتخابات بشكل مباشر، حيث كانت بوصلة الحكومات السابقة والحالية ايضا، تتحرك وفق قرب او بعد موعد الانتخابات في التوجه نحو التخلص من “هم النازحين” المستمر منذ اكثر من 6 سنوات.

وقالت وزيرة الهجرة ايفان جابرو، ان الحكومة اغلقت حتى الآن 140 مخيما للنازحين من اصل 174. واشارت في تصريحات اوردتها الوكالة الرسمية ان “مخيمات النازحين كانت مصدر رزق لبعض القوى السياسية، مؤكدة أن هناك الكثير من الجهات تضررت مصالحها من عملية اغلاق المخيمات”.

لكن ابو رحمن لا يهتم كثيرا لتبريرات الحكومة، واكثر ما يقلقه الان العبوات غير المعالجة في جلولاء. ويضيف: “كنت قد قررت مؤخرا الرجوع الى جلولاء، لكن مقتل طفل من اقاربي بانفجار عبوة من مخلفات داعش جعلني اتراجع عن هذا القرار”.

وكان الطفل الضحية يلعب مع 4 من أقرانه بالقرب من مخلفات التنظيم قبل ان تنفجر عبوة ناسفة وتصيبهم جميعهم وتقتله.

ومن الصعوبة جدا الحصول على رقم ولو تخميني عن عدد العبوات والالغام التي زرعها تنظيم “داعش” في المناطق التي كان يسيطر عليها. فالتنظيم –بحسب مصادر أمنية ومحلية وعناصر من الحشد الشعبي- فخخ كل منطقة سيطر عليها بمعدل عبوة لكل مترين، ولغم كل شيء صار في طريقه: الشوارع، الجدران، البساتين، المنازل والأبنية الحكومية، الاجهزة الكهربائية، ساريات الاعلام، محولات الطاقة، أعمدة الكهرباء، وحتى الأشجار.

وبحسب تقديرات مسؤولين تصل أرقام العبوات التي زرعها التنظيم والمنازل التي تم تفخيخها في تلك المدن الى نحو نصف مليون عبوة، فيما تتضارب الأرقام عن حجم ما تم معالجته، حيث تسببت قلة التخصيصات المالية ورفض بعض الشركات المعنية بإزالة الالغام دخول بعض المناطق المزروعة بالمتفجرات، الى بقاء بعض البلدات مهجورا. وبحسب تقرير صدر في وقت سابق للامم المتحدة، فقد قدّر عدد المقذوفات الحربية الموجودة في العراق بـ 50 مليون مقذوف، من بينها المقذوقات ابان الحروب الثلاثة التي مرت في العراق بالاضافة الى مخلفات “داعش”.

ووفق التقرير، فان مساحة 1200 كيلومتر من الحدود العراقية الإيرانية ملوثة بالألغام والقنابل، فضلاً عن وجود 90 منطقة ملوثة إشعاعياً في جنوبي البلاد بسبب اليورانيوم المنضّب الذي استخدمته قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة إبان حربها على العراق عام 2003.

وفي العام الماضي، اعلنت قيادة العمليات المشتركة، عن رفع الوزارات الأمنية والجهات الساندة لأكثر من 45% من المخلفات الحربية التي تركها داعش في المناطق المحررة، ومخلفات الحروب السابقة في المدن الحدودية.

وتمثل الأمطار والسيول خطورة كبيرة في جرف بعض المخلفات، كالألغام إلى مناطق آمنة ما قد يتسبب بأضرار للمواطنين وممتلكاتهم، ما يتطلب بذل جهود كبيرة من الدوائر الهندسية في الوزارات الأمنية والساندة للكشف عنها وإزالتها، بحسب ماقالته قيادة العمليات.

في حين تختلف كثافة “العبوات المزروعة” طبقا لاهمية المنطقة التي يسيطر عليها التنظيم، وقربها من شوارع رئيسة قد تكون ممرا للهجوم عليه من قبل القوات الامنية، واكثرها في مناطق جنوب بغداد، وشمال تكريت، والموصل. وتختلف انواع “العبوات”، بحسب المصادر الأمنية، التي يزرعها “داعش”، من بسيطة الى مزدوجة وثلاثية الربط، ومصائد مغفلين “للمشاة”، وشرائك باستخدام خيوط صيد الاسماك، واخرى تعمل باللمس، والمعلقة في الهواء على أغصان الاشجار.

وبحسب مصادر امنية، التي اشرفت على عمليات معالجة تلك العبوات، فانه يصعب الكشف عنها بسهولة، لان معظمها مخفي تحت الأرض، كما ان اجهزة الكشف لا يمكن إدخالها في مناطق وعرة او الحقول الكثيفة.

وتقدر تلك المصادر لـ(المدى) ان بعض العبوات يحتاج الى سبع ساعات لتفكيكها، ولذا تقوم القوات الأمنية بتفجيرها احيانا عن بعد بدلا من معالجتها اختصارا للوقت وخوفا من ارتباطها بعبوات اخرى تنفجر عند تحريكها. وكان “داعش” قد استخدم في ديالى، العربة المعروفة بـ”الستوتة” ويضعون فيها مولدة كهربائية واداة حفر كهربائية لتفخيخ الطرق ومعابر السواقي، مستخدمين قناني الغاز والاوكسجين وقذائف الدبابات.

ويفضل ابو رحمن انفاق راتبه التقاعدي كله على البيت المستأجر في اربيل على العودة لمدينة انفجار العبوات فيها كـ”انفجار الالعاب النارية”، بحسب وصفه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here