ألف دينٍ وكرسي!!

ألف دينٍ وكرسي!!
الأديان موجودة في المجتمعات البشرية منذ الأزل وباقية ومتنامية إلى الأبد , وفي الدنيا عشرات المئات من الأديان والآلاف من المعتقدات والطوائف والمذاهب والتصورات التي ينتمي إليها مجاميع من البشر , وبين آونة وأخرى يظهر شخص ويتبعه آلاف الأشخاص وفي كافة المجتمعات المعاصرة والغابرة.
فالأديان كثيرة متعددة متنوعة ومتنامية , والمعتقدون بها يتفاوتون بأعدادهم , ولكل دين أتباعه المنضوين تحت لوائه والمؤمنين به , ودرجات الإيمان لا تختلف ما بين الأديان , وآلياتها الشكلية والطقوسية تتنوع , لكنها ذات غاية واحدة وهدف مشترك.
ولو نظرت في الأديان لوجدتها تدعو إلى ما هو مثالي وسامي وطيب ونافع للحياة وتكاد تتشابه بهذه المنطلقات , لكن الواقع البشري يشير إلى تفاعلات متفاقمة سلبية الطباع ما بينها.
هكذا هي الأديان وغاياتها وتوجهاتها , برغم كثرتها لا نجد سلطات سياسية وأحزاب تعبّر عنها , وما أمسكت الحكم إلا نسبة قليلة منها , وهذا يعني أن الدين دين والسلطة سلطة , ولا يمكن القول بأن الدين يمكنه أن يجلس على كرسي الحكم , ويتسنم السلطة المدنية خصوصا في هذا الزمان.
وإلا لماذا لم تصل مئات الأديان الأخرى للحكم؟
إن ضخ أي دين بمنطلقات سياسية ونوازع سلطوية سلوك مناهض للدين ومدمر له , ووسيلة لمحاصرته وإظهاره على غير حقيقته , فالأديان التي تسلطت تركت بصمات قاسية ومروعة في مسيرتها يندى لها جبين دينها وجوهر ما فيه.
ذلك أن السلطة حالة قائمة بذاتها , ولا يمكن مزجها أو تلوينها بأي معتقد ديني أو حزبي , السلطة ذات قوانين غابية صرفة وإن أطرتها بما يحلو لها من التزويقات والأكاذيب والإدعاءات الباطلة , التي تهدف من ورائها التعبير الفائق عن الغابية المنفلتة فيها.
فالأحزاب المؤدينة تدمر الدين , وإن حكمت فأنها تمحق الدين , والأحزاب العقائدية بأنواعها ما أن تتسلط حتى تدوس على لب عقائدها وشعاراتها ومنطلقاتها التي كافحت من أجلها , لأن السلطة تفرض عليها قوانينها وأجنداتها وتكشر لها عن أنياب الغابية , والإفتراسية والعدوانية وما يتصل بالفتك والقتل والإستحواذ على مصير الآخرين.
وعليه فأن من الصائب أن يحقق الدين فحواه في ميادينه الإجتماعية , الكفيلة بتأكيد القيم الأخلاقية الكامنة فيه , وينأى عن تطعيم ذاته وموضوعه بالتطلعات السياسية والسلطوية , ويتناسى قوته الأخلاقية ودوره في تأهيل المجتمع لحياة طيبة ونافعة للجميع.
فالدين قوة أخلاقية وسلوكية وقيمية فوق جميع السلطات , وبهذه القوة الناعمة يمكن للدين أن يتحكم بالحياة ويقودها نحو الآفاق السامية , والتطلعات المتآلفة القادرة على البناء والتقدم والرقاء.
ومن الغريب أن تغفل الأديان دورها الحقيقي في بناء الإنسان وتنزلق وراء السلطة , وتحسب أنها من خلالها يمكنها أن تعبّر عن الدين , وهذا مفهوم عدواني على الدين ترافق مع تأسيس الأحزاب اللازمة لتأمين مفاهيم الحروب بالوكالة خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية , التي تعلمت الدول القوية أن عليها أن لا تتحارب على أراضيها , لأن في ذلك تدمير رهيب لكينوناتها الحضارية.
فهل أدركنا أن الدين قيم وأخلاق والسلطة شريعة غاب وإحتراب؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here