كلمات متقاطعة ــ قصة قصيرة

كلمات متقاطعة ــ قصة قصيرة

بقلم مهدي قاسم

صاحت الأم على ابنتها بنفاد صبر وبنبرة تنم عن ضيق و امتعاض:

ــ تعالي يا بنتي ساعديني !..

كانت دائما تستعين بابنتها الجامعية في بعض الأمور أو الحالات التي لم تكن تستوعبها أو تبدو لها غامضة ومبهمة ، وبالأخص فيما يتعلق الأمر بلوحة ” كلمات متقاطعة ” التي كانت تهواها وتتسلى بها أحيانا في أوقات الفراغ ..

فجاءت الأبنة مسرعة كعادتها لتلبية طلب أمها لتجدها لابسه نظارتها الطبية وبيدها قلم وهي تبحلق بين بضع سطور وكلمات حيث بدا عليها أثر جهد تفكير و تركيز واضحين فسألتها مبتسمة ..

ــ طيب !.. بماذا أساعدكِ يا أمي ؟

ــ حقيقة أول مرة أشوف هذا النوع من” كلمات متقاطعة ” ، صعبة ومعقدة جدا عليَّ..

نظرت البنت هي الأخرى إلى السطور وقرأت قليلا وإذا بها تضحك فجأة واضعة يدها على فمها لكي تكبت من قوة الضحكة .

فابتسمت أمها هي الأخرى بشكل عفوي ، سائلة عن سبب ضحكتها ، فردت وهي لا زالت تضحك :

ــ هذه ليست كلمات متقاطعة .. انها قصيدة فيسية !..في هذه الأيام أخذوا يكتبون هذا النوع من الشعر ..

فعلقت الأم مبدية عدم رضاها وهي تقول :

ــ لا يا حبيبتي !.. عفوا .. يا شعر يا بعرور !.. هذا استخفاف بعقولنا و ذوقنا أن يقرأ الواحد شيئا دون أن يستطيع أن يعرف هل هي لوحة” كلمات متقاطعة” أو قصيدة فيسية ــ حسب تعبيركِ ..

ردت عليها الأبنة بنبرة توضيح مفصلة :

ــ إنهم يبررون كتابة هذا النوع من الشعر على أن عصر السرعة وكثرة التقنيات المعلوماتية وشبكات التواصل الاجتماعي وقلة الوقت ، فكل هذا يتطلب هذا النوع من الشعر الكثيف والمختزل حسب اعتقادهم ، بل بعضهم يزعم أنه أخذ يجرب الكتابة بأسلوب الطاقة النووية ـــ نلاحظ هنا الأبنة استخدمت كلمة النووية بالخطأ ــ .. والآخر بالأسلوب التفكيكي للمعنى والنص بحيث لا يبقى غير فراغ من بياض ليس إلا ، والثالث بأسلوب ” المايكوي أو مايكو ” المتزهد جدا ، فضلا عن كتابة ” الشعر التبشيعي ” ، الخ الخ ، طبعا ، بهدف التجديد و تفجير بنية اللغة وتثوير الأسلوب وتجديده دائما و أبدا ــ حسب تصوراتهم و مزاعمهم ..

ــ كافي بنتي شكرا ..لا تستمري لكي لا انفّر حتى من الشعر الكلاسيكي !.

ــ والله يا أمي أنا لا أقرأ الشعر إلا ما ندر !.. ولكن عندما اتصفح الفيس في وقت فراغي أجد هذه القصائد العجيبة والغريبة مدسوسة تحت خشمي وبدافع الفضول أسرّح نظراتي بين سطورها ثم سرعان ما أنتقل إلى صفحة أخرى ..

ــ لا يا بنتي حرام أن تبذري وقتكٍ الثمين على مثل هذا الهراء..

ردت الأبنة مبتسمة و بلطف :

ــ من حقكِ أن لا يعجبكِ هذا النوع من” الشعر “ولكن يوجد هناك من يهواه ويعجبه ويعلق صائحا بحماس : أحسنت أيها المبدع ! ..

غير أن الأم بقيت مصرّة على رأيها حيث ختمت كلامها بسخرية مبطنة:

ــ لا أستغرب وجود هذا النوع من المتذوقين للشعر .. و السبب يرجع إلى الفيس الذي أفسد الأذواق الجمالية والفنية عند البعض ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here