الهجوم الصاروخي على أربيل: محاولة جديدة لتعطيل اتفاقية “سنجار”؟

الهجوم الصاروخي على أربيل: محاولة جديدة لتعطيل اتفاقية “سنجار”؟

صلاح حسن بابان

لم يكن في حسبان ح.س، وهو يلاعب أطفاله الثلاثة داخل شقّته في مجمع زكريا السكني في وسط إربيل أن تقلب الصواريخ ليل مدينتهم الهادئ إلى كابوسٍ دامٍ، وتزرع الخوف والقلق في أرجائها: “لم أشعر إلا باهتزاز شديد في أساسات المسكن، كان الأمر أشبه بقيامة الساعة”.

ح.س، الذي فضّل عدم نشر اسمه كاملاً، أصيب بجروح لم تكن بليغة، ولم تستدع دخوله المستشفى. عولج بإسعافات أولية، لكن الصدمة كانت كبيرة، إذ إن احداً لم يكن ليتوقع هجوماً كهذا في منطقة “آمنة” نسبياً، مع أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها أربيل لهجوم صاروخي من الجماعات المسلّحة الخارجة عن القانون.

ففي نهاية عام 2020 تعرّض محيط المطار لهجمة مماثلة، واليوم يتكرر السيناريو مع استهداف المناطق المأهولة في جوار مطار العاصمة الكردية، ليسفر الهجوم عن مقتل متقاعد أميركي، وإصابة 8 أشخاص بينهم أربعة مقاولين أميركيين في المطار، ومواطن كردي إضافة إلى ثلاثة آخرين في المدينة، فضلاً عن إلحاق أضرار مادية بعدد من المنازل والمؤسسات التجارية. بعد ساعات من الحادثة أعلنت مجموعة تطلق على نفسها اسم “سرايا أولياء الدم”، مسؤوليتها عن الهجوم الصاروخي.

في بيانٍ لها، قالت المجموعة إنها نجحت في تنفيذ عملية نوعية ضد “الاحتلال الأميركي” في كردستان العراق عبر اقتراب صواريخها من قاعدة الحرير العسكرية التي تضم قوات أميركية وأخرى للتحالف الدولي بمسافة 7 كيلومترات، ووجهت 24 صاروخاً نحو المدينة و”أصابت أهدافها بدقة بعدما فشلت منظومة CRAM الدفاعية في اعتراضها”، رافعة من سقف تهديداتها: “لن يكون الاحتلال الأميركي بمأمن من ضرباتنا في أي شبر من الوطن حتى في كردستان التي نعدكم بعمليات نوعية أخرى فيها”.

وزارة الداخلية في كردستان أكدت أن الصواريخ التي استهدفت إربيل انطلقت من سيارة من طراز “كيا” بين أربيل وقضاء الكوير أحد أكبر أقضية محافظة نينوى. وقالت إن الهجوم “نُفّد بنفس الآلية والأسلوب والسلوك كما في الهجوم السابق على مطار أربيل الدولي” الذي وقع في نهاية 2020. لتتقاطع هذه المعومات مع ما كانت تنقلها طوال الساعات الماضية منصات ووسائل إعلامية تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، والتي كانت تؤكد انطلاق الصواريخ من مواقع قرب كركوك، وهذا ما يؤكد أن بيان “سرايا أولياء الدم” دقيق لجهة الإشارة الى الإقتراب من “القاعدة الأمريكية” لمسافة اقل من 7 كيلومترات.

توجّه أصابع الإتهام في كلّ حدث مشابه مباشرةً إلى الجهات المرتبطة أو القريبة من إيران، أبرزها “الولائية” إضافة إلى الحشد الشعبي الذي يُسيطر على مناطق سهل نينوى في محافظة نينوى المحاذية لأربيل، ونجحت هذه المرّة مثل المرات السابقة بإرسال رسالتها إلى أربيل كما فعلت مع بغداد والهجوم على السفارة الأميركية سابقاً، لتؤكد سيطرتها على زمام الملف الأمني في العراق: “لن تستطيع حتى الحكومة الاتحادية فرض سيطرتها عليها في العاصمة بغداد وغيرها بعدما تمدّدت هذه الفصائل في المحافظات الشمالية كافة، ومنها نينوى وكركوك وصلاح الدين والأنبار وديالى، وهنا تكمن الخطورة الكبيرة”، يقول الخبير العسكري أعياد الطوفان لـ”درج”.

تسعى هذه الفصائل من خلال قصفها أربيل إلى تعطيل الاتفاقية المبرمة بين كردستان والعراق حول قضاء سنجار والخاصة بتطبيع الأوضاع، بحسب طوفان، فقضاء سنجار يشكّل نقطة استراتيجية مهمّة لإيران لتضمن وصولها من مناطق عدة بنجاح إلى سوريا، في المقابل: “نجاح الاتفاقية يقصم ظهر إيران عسكرياً واقتصادياً”، يضيف الطوفان.

على الفور وبعد وقوع الحادث، سارعت مصادر تابعة ومقرّبة من الحشد الشعبي لنفي مسؤولية الحشد عن هذه الهجمات. المتحدث باسم لواء 30 في “الحشد الشعبي” سعد القدو، ينفي صلة عناصر اللواء بالقصف الذي استهدف أربيل. ويؤكد أن “لواء 30 جهة رسمية مرتبطة بالقيادة العامة للقوات المسلحة، ولا تقوم بمثل هذه التصرفات التي تزعزع استقرار البلد، وهناك مسافة 10 كيلو متر بين مناطق البيشمركة والمناطق التي يتواجد بها الحشد”.

مثل بقية الأحداث المشابهة، تكتفي الرئاسات العراقية الثلاث بإصدار بيانات إدانة وتشكيل لجان تحقيق من دون أن تسجل أي إنجاز على أرض الواقع. فدور الكاظمي اقتصر هذه المرّة أيضاً على تشكيل لجنة مشتركة مع الجهات المختصة في الإقليم لمعرفة الجهة التي تقف وراء الحادث. بينما تشابه بيان رئيس الجمهورية برهم صالح مع بيان رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، إذ اتفقا على اعتبار الهجوم “تصعيداً خطيراً وعملاً إرهابياً إجرامياً يستهدف الجهود الوطنية لحماية أمن البلاد وسلامة المواطنين”.

أما رئيس مجلس الوزراء الأسبق، رئيس ائتلاف “الوطنية” إياد علاوي فوصف استهداف إربيل بأنه يحمل “رسالة سوداء”، تؤكد حجم التدخل الخارجي الذي يعصف بالعراق من جانب، وعجز السلطات عن حسم ملف السلاح المنفلت، ليؤكد عدم جدوى اللجان المشكلة: “نتمنى أن نرى هذه المرّة أفعالاً حقيقية إزاء هذا العمل الإجرامي، لا أن نكتفي بالإعلان عن تشكيل لجان، فقد سئمنا من التصريحات الإعلامية”.

مثل الهجمات الأخرى، أغضبت هذه الصواريخ واشنطن كما يقول وزير خارجيتها بلينكن، متعهداً مثل المرّات السابقة بتقديم الدعم للتحقيقات، لتتبعه ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت بشجب الهجوم قائلة: “مثل هذه الأعمال الشنيعة المتهورة تشكل تهديدات خطيرة للاستقرار”.

يوافق المحلل السياسي أحمد الخضر على أن خلفية الهجوم هو قضاء سنجار: “فالصراع على القضاء هو السبب الرئيس لاستهداف أربيل بالصواريخ”. في حين يُحذر الكاتب والأستاذ الجامعي الكردي عدالت عبدالله من تحوّل الإقليم إلى ساحة صراعات مفتوحة بين القوى العظمى صاحبة النفوذ إقليمياً ودولياً، لأن ذلك ستكون له تبعات كارثية: “يجب أن نتعامل بحكمة مع الحادثة”، يقول لـ”درج”. أما الكاتب والصحافي الكردي هفال زاخوي فيتوقع أن تتبع تحوّلات عميقة الهجوم على العاصمة الكردية : “الهجوم الإرهابي الجبان على أربيل ستتمخّض عنه تحوّلات مهمّة ومفاجآت وأحداث درامتيكية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here