المرأة العربية ومعضلة تعدد الزوجات !

المرأة العربية ومعضلة تعدد الزوجات ! (*) د. رضا العطار

ابتلي المجتمع العربي ومنذ العهد الجاهلي بظاهرة تعدد الزوجات، وان كان السبب الخفي من ورائه اقتصاديا، يهدف الزوج في اكثار نسله ليعينه في عمله، خاصة لو كان مزارعا، وعندما جاء الاسلام نظم هذه العلاقة، مما ساعد على ترسيخها اكثر، وعندما كثرت المعارك بين بدو الصحراء واستهلكت قسما من الرجال، زاد عدد الارامل من النساءالذي كان عاملا مساعدا في تشجيع تعدد الزوجات، فنشأ بذلك مجتمع الحريم، وهو ركن من المنزل لا يسمح للغريب الولوج اليه. ولم يشمل الحريم زوجات الرجل فحسب انما يضم أخواته وامه واحيانا بعض اقاربه.

وفي هذا السياق رُوي في كتاب – الروض العاطر في نزهة الخاطر – لمؤلفه محمد النفزاوي ان الخليفة العباسي المأمون سأل بهلول يوما عن حاله مع زوجتيه، فقال:

تزوجتُ اثنتين لفرط جهلي * * * فما اشقاك يا زوج أثنتين
فصرت كنعجة تضحي وتمسي * * * تضرب بين اخبث ذئبتين
لهذه ليلة ولتلك اخرى * * * عتاب دائم في الليلتين
انا ارضّي هذه، فتسخط اخرى * * * وما انجو من احدى السخطتين
فعش فردا، فإن لم تستطعه * * * فواحدة تقوم بعسكرين

لقد بالغن النساء في ايجاد وسائل شتى للتسلية والتفريح. فأوجدن شكليات اضافية لايام الزواج واعراسه واطلن مدتها واكثرن من مراسيمها و تفنن في احتفالياتها تضييعا للوقت . كما بالغن في شكليات الوفاة , فخلقن المأتم الطويلة, بدأ من مناسبة الاسبوع الاول واربعينية الميت و السنة الاولى على الوفاة وخروجهن الى المقابر والشعور بالنزهة بحجة قراءة سورة الفاتحة على روح المتوفي, وما حقيقة هذه الممارسات الاّ طرقا بريئة للهروب من رتابة الحياة المملة، وقل كذلك في زيارة اضرحة الاولياء والصالحين: هذا ما جاء في كتاب حضارة الاسلام لمؤلفه د. حسين مؤنس

اما تأثير العوامل الاقتصادية على مركز المرأة عند العرب قديما فكان تأثيرا سيئا, مثلما كان على مكانتها الاجتماعية خفيضا, بسبب الاحداث الاقتصادية الرديئة التي كانت سائدة في البادية. فقد حاول الاسلام التخفيف من حدتها واعبائها. وقد نجح في هذا المسعى الى مدى كبير. لكن انحطاط مكانة المرأة العربية قبل الاسلام يعزى الى العوامل الاقتصادية, ذلك ان عرب البادية كانوا يمارسون الغزوات فيما بينهم. فكان سبي المرأة يجري في الحروب على نسق اغتنام الغنائم من الابل والخيل والماشية. والمرأة المسبية هي اسيرة حرب تعيش كأمه وتنزل بذلك من مرتبة الحرية الى العبودية
ثم ان الزراعة لم تكن منتظمة, كما ان الريف لم يكن خصبا يمدهم بالخيرات. وهذا هو الدافع المرالذي لا يزال موجودا في الكثير من صحاري وقفار البلدان العربية.
ولهذا نشأت عادة العرب في وأد البنات، اي قتلها. لكن الاسلام نهى عنها طبقا للأية الشريفة ( ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطأ كبيرا )

معنى ذلك ان هذه الجريمة نشأت لآسباب اقتصادية, شحة الغذاء. واذا قلنا انها كانت مقتصرة على البنات فلا بد من ان نجد لها اثرا في مركز المرأة عند العرب بل نجد لها اثرا في الزواج . فقد انتشر عند العرب قبيل ظهور الاسلام ضرب من الزواج يسمى
– الضمد – كانت المرأة تتزوج بمقتضاه بضعة رجال.

– ( ولازالت هذه التقاليد الغريبة تمارس من قبل قبائل تقطن في جزيرة تروبرياند في المحيط الهادي شمال استراليا, التي تعيش على النظام الآموي الى الان، فالسكان ينتسبون الى الام, فليس من الضروري ان يعرف المولود اباه ) .
– فلنقف هنا قليلا لكي نعترف بأن الصفات : العفة والحشمة والعرض والناموس وما اليها من فضائل انما هي عادات نتواضع عليها، ويكون اساسها الاحوال الاقتصادية التي تعيش فيها الامة، فان قلة الطعام عند العرب عرضت مقام المرأة الى مهانة الضمد.

كانت العادة في زمن الجاهلية ان يتزوج الرجل عدة نساء، حتى كان العدد يصل عند بعضهم الى احدى عشرة زوجة او اكثر ولهذا عندما ظهر الاسلام، انزل سقف العدد الى اربعة فقط، فكان عمله هذا يعد في وقته خطوة تطورية مقبولة.
اما من الناحية الاقتصادية فقد استقبل الفقراء الدين الجديد فرحين، معتقدين انه سينقذهم من حالتهم المعاشية المزرية, بل يكاد يشعر القارئ انهم كانوا ساخطين على الاغنياء. وان معركة بدر كانت هي الاولى التي اصطدمت فيها الديموقراطية الاسلامية بالآرستقراطية الوثنية. فهنا نرى العامل الاقتصادي الذي جعل الفقراء وهم غالبية العرب ينضمون الى جيش المسلمين لمحاربة اغنياء قريش. وقد جاء القرأن بالزكاة لمعالجة هذه المشكلة. وكانت الزكاة مكروهة من قبل الاغنياء من قريش حتى ان الردة عقب وفاة النبي كان سببها الاساسي هذه الزكاة نفسها التي رفض الاغنياء دفعها.

يجب ان لا نغفل العوامل الاقتصادية في فتوحات المسلمين العرب بعد وفاة الرسول (ص) فأغلب الظن ان العرب لم يخرجوا من جزيرتهم بجموعهم الغفيرة, ولم يتدفقوا على مصر وفارس وسوريا الا لوجود القحط المزمن في صحاريهم التي دفعتهم بهذا الانفجار . مع اننا لا نغفل قيمة الجهاد الديني لكننا نحب الاّ نغفل العوامل الاقتصادية كذلك . فهذا المؤرخ الطبري يقول مثلا عن فتح العرب لبلاد فارس , ان قائدهم رستم خاطب رسول العرب محمد (ص) قبل معركة القادسية يقول له ما نصه : ( وقد اعلم ان الذي حملكم الينا يا معشر العرب هو القحط الذي اصابكم. فأرجعوا عنا عامكم هذا ونحن نوفر لكم ركائبكم قمحا وتمرا ونأمر لكم بكسوة ).
ان دل هذا الكلام على شئ انما يدل على ان الفرس كانوا على علم بما يعاني الاعراب في جزيرتهم من شحة في الغذاء وعوزا في اللباس.

وخلاصة القول انه يجب علينا الا نغفل العوامل الاقتصادية في احوال العرب وبالتالي على مكانة المرأة العربية عموما والباحث لا بد انه وجد ادلة كثيرة على صحة اعتقاده وخصوصا في تلك الخروقات الكبيرة التي ظهرت طيلة حكم الامويين والعباسيين ,
كان ظاهرها الدعوة الدينية لكن باطنها الرغبة في السلطان والاستحواذ على بيت المال.

* مقتبس من ( المحاولات ) لمؤلفه سلامه موسى مع التصرف.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here