ماذا تفعل القوات الأمريكية الآن (( في العراق )) ؟

ماذا تفعل القوات الأمريكية الآن
(( في العراق )) ؟
د . خالد القره غولي ..
على الرغم من أن الرئيس الأمريكي الاسبق باراك أوباما أمر بانسحاب معظم القوات الأمريكية بعد عام ( 2011 ) لكنهم عادوا مرة أخرى إلى العراق بذريعة محاربة تنظيم داعش على شكل تحالف أمريكي ضد تنظيم داعش ,
إن أهم الذرائع التي تتذرع بها الولايات المتحدة لوجودها العسكري في العراق، والتي تم على أساسها إبرام الاتفاق الأمني مع بغداد ، تتلخص في ثلاثة محاور هي : أولاً ، التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية , ثانياً : تدريب القوات العراقية , ثالثاً : يؤدي فراغ الوجود الأمريكي في الساحة العراقية إلى استئناف الأزمات الطائفية في العراق ! قبل ثمانية عشرة سنة عندما أرسلت الولايات المتحدة قواتها لغزو العراق ، لم يكن هذا البلد يواجه خطر حرب أهلية ، ولا يتواجد على أرضه تنظيم القاعدة ، ولا داعش , ولا مليشيات خارجه عن القانون , ولا أسلحة دمار شامل , العراق كان يخضع لحصار ظالم ، وتقسيم فعلي على الأرض ، من خلال مناطق الحظر الجوي في الشمال والجنوب ، وهو التقسيم الذي مهد للحرب الأهلية الطائفية التي يدعي الجميع الحرص علي عدم وقوعها ,
( 18 ) عاماً من الاحتلال البغيض لم تجلب للعراق غير مجموعة سرقوا ثرواته ، ودمروا تراثه ، وشوهوا صورته ، وفككوا عري التلاحم بين أبنائه ، وأشعلوا نيران الفتنة الطائفية ، ومزقوا هويته الوطنية ، وحولوه من قوة إقليمية عظمي مرهوبة الجانب ، إلى جثة هامدة تنهشها الضباع والكلاب الضالة ,
إن العراق يعيـــش الحـــرب الأهلية فعلا ، في البداية قالوا أنهم غزوا العراق بحثا عن أسلحة الدمار الشامل ، وعندما لم يجدوها ادعوا أنهم يحتلونه من اجل الديمقراطية وإنقاذ أبناء الشعب العراقي من القبور الجماعية ، وجاءت النتائج فوضي دموية عارمة ، وانهيارا كاملا لمقومات الدولة ومؤسساتها ، وحفر العشرات من القبور الجماعية لكي تستوعب ملايين الضحايا حتى الآن أقدموا على حل الجيش العراقي ، لأول مرة ومنذ سبعة آلاف عام ، لم يعد هناك إنسان عراقي ، بل هناك سني ، شيعي ، كردي ، عربي ، تركماني ، آشوري ، كلداني ، صابئي ، إلى آخر التقسيمات العرقية والطائفية التي باتت عنوان الهويات في العراق الجديد , العراق بات أفضل حالا فعلاً ، ولكن بالنسبة إلى حفنة قليلة جدا من البعض الذين جاءوا مع قوات الاحتلال ، ونهبوا ثروات البلاد ، واحتلوا الوظائف والمناصب ، وتاجروا بدماء العراقيين ، وتنعموا بأموال العمولات والصفقات الأمريكية ، إما الغالبية الساحقة من أبناء الرافدين فيتضورون جوعاً ، ويعيشون الرعب يومياً ، ويغلقون أبوابهم في السادسة مساء ، ويتوقعون إن لا يروا أضواء شمس اليوم التالي ، ويعتبرون كل يوم يعيشونه انجازا , العراق الذي يجري في أرضه نهران يعاني أهله من العطش ، ارض السواد التي كانت تطعم سكان الإمبراطورية الإسلامية وجوارها ، باتت غير قادرة على إطعام اهلها , هذا العراق الذي كان يستوعب خمسة ملايين من العمال الأجانب ، باتت نسبة البطالة بين أبنائه تفوق الثمانين في المائة , وباب الرزق الوحيد هو ميليشيات الموت .
يتباهون بمجموعة من الأوراق الصفراء تتراكم على الأرصفة ، وبعض القنوات الطائفية الهزيلة البائسة ، ويقولون إن عراق اليوم يتمتع بالحريات وأصبح المواطن فيه يعبر عن رأيه بحرية ، ونسوا إن معظم هؤلاء الذين يتمتعون بحرية التعبير هذه كانوا من الطابور الخامس الذي عمل مع أجهزة الاحتلال الأمنية ، ووظفوا أقلامهم في خدمة مشروعها في احتلال بلادهم ، إما العراقيون الشرفاء الذين يجرؤون علي رفع صوتهم اعتراضا فليس لهم غير رصاصة في مؤخرة الرأس ، والقذف بجثثهم إلى اسماك النهر ، وأسالوا الزميلة الاعلامية أطوار بهجت وزملاءها , لم نكن يوما مع الديكتاتورية ، ولن نكون ، لم نكن يوما مع منتهكي حقوق الإنسان ولن نكون، ولكننا كنا وما زلنا مع عراق موحد متآلف متعايش مستقر ديمقراطي ، وقوة إقليمية عظمي تستند على أرضية وطنية صلبة في مواجهة كل الإطماع الخارجية المعادية للعروبة والإسلام ، وتحقق التوازن الاستراتيجي في المنطقة , عراق الأمس كان أفضل بكل سيئاته لأنه حفظ الحد الأدنى من كرامة العراق ووحدته ، وحقق لأهله الأمن والطمأنينة ، وارسي نهضة علمية ، وساوي بين أبنائه , نعم حدثت تجاوزات ، وتمت إعدامات ، ووقعت عمليات تعذيب للمعارضين الطامحين للإطاحة بالنظام ، وهوجمت مدن وقري تمرد أهلها ، ولكن ماذا تفعل القوات الأمريكية الآن في العراق ، وماذا فعلت قبلها في مدن العراق كافة ، قالوا لنا ، نجد لزاما علينا إن نقول الحقيقة دون خوف أو جزع ، فلم نكن أبدا من زوار بغداد ، ولم نعرف شكل كوبونات النفط ، نقولها الآن لا نريد إن يعود العراق إلى الديكتاتورية ، ولكننا نريده إن يعود لنفسه ، الى ماضيه المجيد ليصيغ مستقبلا طاهراً واعداً مشرفاً مختلفاً ، يلفظ كل هذا الغثاء الذي أتاه من الخارج ليمسخ هويته ، ويفتت وحدته الوطنية ويقذف به إلى أتون الحرب الأهلية الطائفية لا سامح الله ..
ولله .. الآمر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here