المكالمة الثانية.. قصة اغتصاب فتاة عراقية فيلية اثناء تهجيرها

نشر “صوت العراق” الجزء الاول من قصة اغتصاب فتاة عراقية فيلية اثناء تهجيرها مع عائلتها الى ايران.. وفي هذه الحلقة (الثانية) يواصل “صوت العراق” نشر قصة هذه الفتاة حسبما جاء في كتاب صدر اخيرا في العراق بعنوان “.. بين الحب والكراهية” لموْلفه علي مصطفى طالب.

الحلقة الثانية

بقلم: علي مصطفى طالب

المكالمة الثانية..

في اليوم التالي اتصلت بي تلك الفتاة او الامرأة، لعله من الافضل ان اسميها الام، وكانت اكثر صراحة فكشفت بشئ من الغموض عن جانب او لنقل عن السبب في ان تكره ابنتها..اذ ان ما فهمته من تلك المكالمة الهاتفية بانها برفقة ابيها وامها واخيها الصغير تعرضوا الى التهجير القسري الى ايران المجاورة للعراق بذريعة كونهم غيرعراقيين وذلك ضمن موجات تهجيرجماعية تعرض لها عراقيون ينتمون الى الطائفة الشيعية جلهم من الكرد الفيليين. وان جنود صدام حسين وشرطته نقلت هذه المجموعة من المهجرين الى منطقة قريبة من خط الحدود مع ايران وقالت لهم :”انزلوا وسيروا بهذا الاتجاه لمدة ساعة وستجدون ايران هناك وهي ستكون ارضا لكم ..”. وكانت تلك هي الطريقة المتبعة من قبل تلك السلطات في التعامل مع عراقيين لم يرغب نظام صدام حسين في وجودهم في العراق. والى جانب المخاطر والاهوال التي تعرض لها هؤلاء المساكين من طرق وعرة واحتمال انفجار الغام برية ومهاجمة ذئاب ووحوش برية فان هذه العائلة تعرضت الى هجوم من ذئاب بشرية اسفر عن اغتصاب هذه الفتاة. كانت هي آنذاك في ربيعها السابع عشر.. وانطلاقا من حديثي معها في المكالمة الاولى ثم الثانية فانني رسمتها في مخيلتي كوردة قطعها من جذورها شخص غاصب، يمكن اطلاق كل النعوت السلبية عليه، والذي تحول عنوة الى اب لابنة هذه الأم المنكوبة.

سألتها عن مدى رغبتها في نشر قصتها هذه على صفحات مطبوعتنا.. فجاء ردها سريعا بكلمة :”كلا.. ابدا”. فعرفت انها تخشى شيئا ما او لعلها لاتريد ان يعلم احد بهذا المصير الذي حل بها. ان هذه الفتاة واهلها ولربما جُل او كل من كانوا معهم في تلك المحنة ينتمون الى الطائفة الشيعية وفي الوقت ذاته هم من الاكراد ايضا.. وان بعضهم كان يمتلك منزلا فاخرا فتح شهية احد المتسلطين او انه كان من اصحاب تجارة مربحة اراد هذا المتسلط اوذاك الاستحواذ عليها .. لااعرف على وجه التحديد السبب الذي ادى الى تهجير اسرة هذه الفتاة ولكني ارى بالتأكيد : انها قصة تستحق السرد.

بعد مرور ايام وانا في مكتبي بالجريدة، رفعت سماعة الهاتف لاجيب على الحاح رنينه، بلغني من الطرف الآخر صوتها، صوت حزين كالمرة الاولى على ما اذكر، صوت كأنه يحمل كل الهموم، وبما انه كان صوتا نسائيا سأضيف الى ذلك “هموم كل نساء العراق”.

بدأ هذا الصوت حديثه بعبارة اعتذار:

– اعذرني يا أخي على ازعاجك مرة اخرى.

– لاداعي للاعتذار، لقد كنت اتوقع هذه المكالمة..

– لقد فكرت مليا فوجدت ان نشر قصة تهجيرنا وما حل بنا من ويلات امر جيد ليعرف العالم ما ألم بنا من مصائب الا ان ما ارجوه منك هو عدم التطرق الى ما لقيته انا من ويلات او بالاحرى ما حل بي ًشخصيا من مصير،اذ اريد لهذا الامر ان يبقى طي الكتمان وان لا يطلع عليه احد. كما اريد ان اقول لك ان سرد جانب من الحكاية عليك في المكالمة الاولى والثانية ازاح عن كاهلي ثقلا كبيرا وبدد جانبا من غم كان معشعشا في صدري.

تذكرت على عجل ما أتت على ذكره هذه المرأة او الفتاة: (انها كانت بصحبة اخيها الصغير وامها وابيها في تلك الرحلة الاجبارية من وطنها العراق الى ايران وكان عمرها 17 سنة حينذاك)

– هل مازلت معي على الخط؟

– نعم يا اختي .. لكني سرحت لبرهة من الوقت مع بعض تفاصيل قصتك التي سمعتها سابقا.. ترى كم من الوقت مشيتم على الاقدام بعد ان نزلتم من الشاحنات عند خط الحدود؟

– مشينا وقتا طويلا فالمسافة كانت طويلة زد على ذلك اننا مشينا ببطء نظرا لوعورة الطرقات وثانيا لوجود مهجرين مسنين كان بعضهم يستخدم العكازات بل ان نساءا كن يتمتعن بحيوية ونشاط اضطرن لحمل بعض اولئك الشيوخ للتعجيل بالوصول الى اقرب قرية او بلدة ايرانية يسعفنا اهاليها قبل حلول الظلام. ومع ذلك فان الليل ادركنا ولم نكن قد وصلنا الى اية منطقة آهلة بالناسفاضطررنا للمبيت في العراء. لكننا تعرضنا لمداهمة عصابة استولى افرادها على ما تبقى لدينا من حاجيات وارتكب احد افرادها جريمته بحقي..

هذه الحكاية كانت ستبقى قصة شبيهة بآلاف غيرها: ضحاياها عراقيون من كورد وعرب واقليات اخرى تعرضوا ابان حكم النظام السابق الى ممارسات وحشية، فكم من فتيات أنتزعن من احضان عوائلهن وتم قطع صلتهن بجذورهن او صدرت اوامر بقتلهن .. وان ما تعرضت له هذه الفتاة كانت ستبقى كذلك لولا ان اغتصابها نجم عنه جنين تعيس الحظ..

بعد وصول الشاحنات المحملة بالعراقيين المُراد تهجيرهم ،كان مايقوم به جنود النظام السابق وشرطته،هو اصدار التعليمات بل الاوامر لهؤلاء البائسين بالتوجه سيرا على الاقدام الى افق

بين الارض والسماء اسماه الجلادون ايران قائلين: “ان ايران هناك وان عليهم السير الى الامام دون التفكير بالعودة الى الوراء..”.

– هل مازلت معي؟

– نعم يااختي ولكنني سرحت في ما قلتيه اثناء المكالمة الاولى..هل تتذكرين شيئا عن وقائع الجريمة التي اُرتكبت بحقك؟

(كانت حقا جريمة بشعة او بالاحرى واحدة من سلسلة جرائم ارتكبها ازلام الحكم الديكتاتوري.لقد انتزعوا هذه الشابة من احضان والديها وقطعوها من جذورها وسلبوا عذريتها وامروا بقتلها.)

اجابتني بقولها:

– في الصباح رأيتهم مجتمعين وكأنهم يتشاورون في امر ما دون سماع ما يقولونه ويبدو انهم كانوا يبحثون في مصيري..تقدم مني ذلك الوغد بعد ان تلقى تعليمات من رفاقه، جرني من يدي الى حيث بناية خربة من المرجح ان تكون من مخلفات الحرب العراقية-الايرانية. وخلف جدران تلك البناية قال لي بصوت خافت:”لن اقتلك فلربما ستحملين في احشائك ما يذكرك بي ما دُمت على قيد الحياة.. ابق هنا خلف هذه الجدران في هذا المكان حتى نغيب عن الانظار، ثم توجهي الى حيث ذلك المرتفع وستجدين خلفه قرية ايرانية سكانها يتكلمون الكردية”. وقبل ان ينطلق الى حيث الاوغاد الآخرين الذين كانوا بانتظاره ودعني هذا الوغد برصاصة اطلقها صوب الارض، واراد بها ان يقول شيئا ما لرفاقه. سمعت بعد ذلك وقع اقدامهم وهم يبتعدون عن المكان.

ولما توقفت الفتاة برهة عن الكلام ٍسألتها:

– وهل صدر عنهم شئ يشير الى هوياتهم؟

– نعم، لقد سمعت احدهم يقول للآخرين “ان الرفيق فالح سيكون راضيا عن هذه العملية مع اننا لم نحصل على غنائم كثيرة.. لقد اتممنا المهمة بنجاح ورسمنا في مخيلة هؤلاء “الايرانيين” ما يوحي باننا من المقاتلين البيشمركة الاكراد. ويبدو ان هذه الحيلة انطلت عليهم جميعا باستثناء تلك الكلبة هناك. وكان يقصدني بذلك. ثم اشار الى الشخص الذي اغتصبني قائلا “لولا اصرارك على افراغ شهوتك في هذه الفتاة لكنا في غنى عنها ايضا ولكنك تدبرت امرها اليس كذلك؟ والجواب كان “نعم سيدي”.

– لقد سمعت هذا الكلام وانا مستلقية غير قادرة على الأتيان باية حركة بعد ان سلبني ذلك السافل اعز ما املك.

– وماذا بعد ذلك؟

– بعد ان تأكدت من انصراف الاوغاد توجهت الى تلك القرية الايرانية خلف المرتفع ويبدو ان اهاليها اعتادوا على استقبال اشخاص من مثل مصيري.. فقد كانت دهشتهم اقل مما توقعت..

وعلى الرغم من حالتهم المادية الفقيرة الا انهم وفروا لي الطعام والمبيت ولم املك ما يمكنني به من تسديد ولو جزء من تلك المصروفات. لاحظ المضيفون الموقف الحرج الذي كنت اعاني منه فظلوا طيلة فترة مكوثي هناك يحاولون تلطيف هذا الجو الكئيب حتى تم نقلي الى مخيم للاجئين في اطراف العاصمة الايرانية. في ذلك المخيم كانت قصتي وقصص مماثلة على لسان المهجرين يتناولونها بكل أسى وحزن، اما انا فلم اكشف عن هويتي لانني كنت من عداد الموتى بموجب تلك القصص. وبعد سماع تفاصيل قصة اختطافي على يد تلك العصابة ومن ثم “اطلاق النار عليُ” علمت بان امي توفيت بسكتة قلبية في نفس تلك الليلة.

وبعد ان علمت بوفاة والدتها فانها قررت السعي للهجرة الى اوروبا اذ كانت على علم برد فعل الاب والاخ على ما تعرضت له من اثم لم يتم برغبة منها ابدا.فاضافت:

– بعد ذلك وجدت سبيلي الى اوروبا وفيها بدأت حياتي الجديدة وانا حامل من ذلك الوغد. انجبت طفلتي وكونت منزلي الذي كان سيكون فارغا تماما لولا هذه الطفلة البريئة والضحية.. اني أعطف عليها كثيرا ولكنني اقولها بصراحة ” اشعر في كثير من الاحيان بالكراهية نحوها كما اشعر احيانا بالكراهية نحوي انا شخصيا..”

– ألهذا السبب هاتفتيني؟

– نعم.. اذ ان حياتي كالجحيم فهذا السر في حياتي لم يكن يعلم به احد وها انا كشفته لك لعل ذلك يضفي على نفسي بعض الهدوء والطمأنينة..

ثم واصلت القول:

– اكيد ان هناك قصصا مماثلة لربما تعكس قدرا اكبر من المآسي الا انه ليس بمقدوري دفن هذه المأساة داخل نفسي طيلة حياتي.. ولعل سردها والكشف عما حدث لي سيخفف عني هذا الحمل والعبء ولربما ستخفف هذه القصة عن آلام اشخاص آخرين عانوا مثل ما عانيته انا.. الا ان ما اخشاه هو وصول هذه القصة الى مسامع ابي او اخي اللذين لااعرف اين هما الآن وماذا حل بهما وهل انهما مازالا على قيد الحياة!

ثم اختتمت المكالمة بهذه العبارة:

– اريد منك النصيحة :كيف اتعامل مع ابنتي هذه وانا اكن لها الكراهية في وقت اعلم فيه انها بريئة مثلي؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here