الحب في جوهره، تأكيد وجودنا في الحياة

– الحب في جوهره، تأكيد وجودنا في الحياة (*) د. رضا العطار

وهنا من يعترض فيقول : (اننا لا نستطيع بالفعل ان نحيا بمفردنا، ولكن ربما كان الاصل في كل مصائبنا اننا لا نستطيع ذلك) ! واصحاب هذه الدعوى مجمعون على القول بان السر في شقاء الفرد هو عجزه عن الحياة بمفرده واحتياجه الدائم الى التواجد مع الاخرين، وهم لا يقتصرون على القول بان (عالم الاخرين هو الجحيم بعينه) وان من شأن (نظرة الغير اليّ ان تسرقني عالمي الخاص) وان (الحب مقضى عليه بالفشل منذ البداية، لانه محكوم بالحاجة الى السيطرة او الخضوع) – – – بل هم يذهبون ايضا الى ان (الذات تريد موت الاخر) وان (حضرة الاخر تجمّد حريتي الشخصية) وان (الحب نفسه هو مجرد عدوى متبادلة).

لقد لاحظ بعض علماء النفس ان (الحب) في نظر بعض المصابين بعقدة الاستعلاء هو مظهر من مظاهر (الضعف) لانه يضطر صاحبه الى الاهتمام بالآخر، ومثل هذا الاهتمام قد يصبح مصدر قلق وازعاج للمحب نفسه ! ومعنى هذا ان من شان (الحب) – في نظر هؤلاء – ان يضعنا تحت امرة الاخرين وكأن وجودنا قد اصبح متوقفا عليهم او كأننا لم نعد نستطيع ان نستغني عنهم – – وهذا هو السبب في ان المصابين بعقدة الاستعلاء يتحامون بانفسهم عن الحب ويخشون في العادة خطر الوقوع في شباكه، لأنهم لا يرون فيه سوى مظهر من مظاهر الضعف – كما يقول الباحث الامريكي الفرد ادلر.

ونحن لا ننكر ان عالم الاخرين ليس بالضرورة فردوسا ارضيا زاخرا بالمباهج والملذات ولكننا نميل الى الظن بانه لا يمكن ان تكون ثمة سعادة لانسان قد انطوى على نفسه واغلق على ذاته الابواب ! ومهما يكن من امر الصراع المقترن بعملية التواصل مع الاخرين فمن المؤكد ان الياس من الاخرين هو يأس من الذات، وان رفض التواصل مع الاخرين هو صورة من صور رفض الحياة !

واذا كان فعل (الحب) هو اقوى من ان يمكن ان يحصله الانسان عن (ذاته) فما ذلك الا لأن (الحب) نفسه هو جوهر وجوده لاسبيل الى دحضه على الاطلاق ! وكأن لسان حال المحب يقول ( انا احب، اذن فالوجود موجود، والحياة تستحق ان تعاش) – – – وقد قيل قديما بان ظهور المحبوب هو الذي يوقظ المحب من سباته. وآية ذلك ان (الاخر) هو الذي ياتي فيقلب عالمي الخاص راسا على عقب وهو الذي يزعزع كل عاداتي القديمة واساليبي السلوكية لكي يكشف لي عن ذاتيتي الحقيقية التي كنت اجهلها حتى ذلك الحين ! فالحب اعتراف صريح من جانب الذات بانها لا تستطيع ان تحيا بمفردها وانها لا يمكن ان تحقق خلاصها الا اذا حققت خلاص الاخرين.

واذا كانت (الكلمة) التي (لاتعني) شيئا الا في نظر صاحبها، هي كلمة (لا معنى لها) لان الاخرين لا يعرفون لها مدلولا، فإن (الحياة) التي لا تعني شيئا الا في نظر صاحبها هي ايضا حياة لا معنى لها : لان الاخرين لا يدركون دلالتها ولا يجدون لها معنى ! و(الحب) هو الذي يخلع على افعالنا ومقاصدنا (معنى) في نظر الاخرين لانه يجعل من حياتنا اهتماما بالاخرين ومشاركة في حياة الاخرين وحرصا على تحقيق ضرب من التوافق مع الاخرين – – – اننا نعلم ان كل ذات تسعى جاهدة في سبيل الوصول الى (المعنى) او (الدلالة) ولكن من المؤكد ان اكبر خطأ يمكن ان يقع فيه الانسان هو ان يتوهم انه قد يستطيع تحقيق خلاصه بمفرده، في حين ان المعنى الحقيقي هو بالضرورة معنى كلّي يتوقف على مدى مشاركة الفرد في تحقيق خلاص الأخرين.
انظر فلسفة الحياة للأستاذ زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here