غسل الآثام والتعمية والاستثمار في زيارة البابا

غسل الآثام والتعمية والاستثمار في زيارة البابا

سمير عادل

ما هذه الضجة المفتعلة والمدفوعة الأجر إعلاميا ودعائيا وسياسيا حول زيارة البابا الى العراق؟ الشوارع الرئيسية التي أهملت لأكثر من سبعة عشر عاما في المدن التي يحل فيها البابا، عبدت واصبحت سالكة، ويذكرنا بحملة(تبا للمستحيل) لنظام صدام حسين لاعادة اعمار العراق بعد تدمير البنية التحتية من قبل التحالف الدولي اثر احتلال الكويت،ورفع مؤقتا عدد من الجدران الإسمنتية في طريق موكب البابا او يصادفها، الزبالة أزيلت من الشوارع المحيطة بعدد من الكنائس، كما أزيلت كابلات الكهرباء بين البيوت والمولدات في عدد من مناطق المدن التي تتواجد فيها كنائس، مثل منطقة الكنيسة وسط بغداد، بعد ان كذبت عليهم الجهات المسؤولة بتزويدهم بالكهرباء (الوطنية)، والنتيجة لا كهرباء وطنية ولا مولدات. فأهم شيء الحفاظ على المظهر الخارجي لمناطق في مدينة بغداد، بينما تستعد جميع القوى السياسية، الطائفية والقومية، ومليشياتها لأستقبال البابا الذي وصل توا الى مطار بغداد ونحن نكتب هذا المقال.

يصور الاعلام العراقي الرسمي وغير الرسمي زيارة البابا بأنها ستفتح خزائن الأرض، وسيعم الامن والسلام، وستمطر سماء العراق الرفاه الحرية على سكانه.

البابا كما يقول المثل العراقي (لا يحل ولا يربط) وان زيارة ممثل الفاتيكان كانت مرتقبة منذ عام ٢٠٠٠ في زمن النظام البعثي حسب تصريحاتهم، الا ان الحظ لم يحالف صدام حسين كي يدق الطبول والدفوف لها خاصة اذ كانت ستحصل في ظل العزلة الدولية لذلك النظام والحصار الاقتصادي الدولي والسياسي عليه، مثلما حالف ويحالف سياسي الغفلة اليوم من القوى المتورطة بدماء جماهير العراق وبسرقتها ونهبها، وتحاول الاستثمار في زيارة البابا.

ان البابا الذي يمثل الكنيسة الرسمية، قد اخرج من الخدمة منذ الثورة الفرنسية عام 1789، وحينها قررت أوربا بإقصاء الدين عن المجتمع، وتنحيته خارج نطاق الدولة، ومنحت مساحة معينة للكنيسة في إيطاليا التي تسمى اليوم بالفاتيكان كي تمارس سلطتها المعنوية التي لن تقدم ولا تأخر في تقرير سياسة الدول، وتم إنهاء حكمها منذ القرن الثامن عشر الذي لم يختلف عن حكم ولاية الفقيه وسلطة الأحزاب الاسلامية الفاسدة في العراق. وعليه أن زيارة البابا الى العراق لن تقلب المعادلة السياسية، ولن تظفر الجماهير في العراق سوى بصلوات البابا التي لا تعرف كم هي النسبة منها التي تباركها وهي تأن تحت وطأة الأحزاب الإسلامية وسلطتها المليشياتية الفاسدة، لكنها أي صلوات البابا ستبارك المالكي والخزعلي والعامري والفياض والصدر والكعبي وبرهم صالح والحلبوسي وكل الفاسدين على ارض العراق.

إن أولئك الفاسدين المذكورة أسمائهم سينعمون بصلوات البابا التي ستقوي رصيدهم الإيماني في الآخرة كي ياهلهم للانضمام بالمبشرين بالجنة السماوية بعد أن استحوذوا على الجنة الارضية، وكل هذا التطبيل والتزمير الاعلامي والسياسي لزيارة البابا هو من أجل غسل آثام داعش. إن أولئك الفاسدين ممثلي القوى الطائفية الذين أسسوا لسلطة طائفية في العراق وبالقوة الجهنمية للماكنة العسكرية للاحتلال، وهم من عبدوا الطريق لظهور داعش على الصعيد السياسي والاجتماعي وعبر ممارسة كل أشكال الظلم الطائفي في المناطق التي صنفت بالمعارضة لسلطة الإسلام السياسي الشيعي، نقول يحاولون تطهير انفسهم امام البابا وكي يتم تعميدهم بالتالي ليصب بالنتيجة التنصل من مسؤوليتهم من الابادة الجماعية والتطهير الديني والمذهبي التي حدثت بحق الايزيديين والمسيحيين والصابئة. إن هؤلاء الجماعات الفاسدة وعبر مليشياتها فرغت الموصل والبصرة وبغداد والعمارة والناصرية وكركوك من من لا يؤمن بعقيدتها ودينها الإسلامي منذ الايام الاولى للاحتلال، فرغت تلك المدن من مسيحييها وصابئيها. وسلمت ثلث مساحة العراق في عام ٢٠١٤ بقيادة المالكي لعصابات داعش لتكمل مسيرتها بالتطهير الديني والطائفي.

اليوم يستثمرون في زيارة البابا لطمس جرائمهم وليس للتكفير عنها، يحاولون أن يظهروا بشكل منافق، ان العراق بلد “التعايش السلمي”، وفيه تصنيفات طائفية وقومية بعد تجريده جلدها الانساني، وسمتها في ادبياتها السياسية بالمكونات على شكل رموز كيميائية؛ الشيعي، السني، المسيحي، الصابئي، الايزيدي، الكردي والعربي والتركماني…وليس على شكل بشر له هوية واحدة وهي هوية المواطنة. يحاولون الاثبات للعالم عبر الاستثمار في زيارة البابا بأن داعش هبط من السماء وانه خارج كوكب الأرض وليس وليد سياسة طائفية وظلم طائفي وديني تمارسه سلطة الاحزاب الاسلامية الحاكمة. إنهم يحاولون وعبر الاستثمار ايضا في زيارة البابا بطمس كل جرائمهم بكل أشكال التطهير الطائفي الذي قامت به مليشياتها في المناطق التي تصنف بالسنية.

أما الكاظمي الذي يرافق البابا على انغام فلكورية تعكس مكونات العراق الكيميائية، يحاول هو الآخر على غرار إخوته الذين نصبوه رئيسا للوزراء، الاستثمار في زيارة البابا، فيريد أن يسجل سابقة تاريخية له ولحكومته واستغلال فرصة فريدة لم تسنح لسابقيه بهذه الزيارة الميمونة، التي ستدر عليه رصيدا سياسيا وسيتم تسويقه عالميا دوليا، ولعله يخدم سجله في الانتخابات المقبلة. ومن جهة اخرى يحاول الكاظمي محي اخفاقاته الامنية وسجله الفاشل في كل شيء، وتورطه بالتنسيق والتغاضي عن جرائم المليشيات وحليفه مقتدى الصدر سيد المقاومة كما يصفه بحق المتظاهرين، او على الاقل الظهور بمظهر الرجل القوي امام البعثات الاجنبية عندما يوفر الامن لزيارة البابا، وهو الذي فشل في تأمين محيط السفارة الأمريكية والقواعد العسكرية الأمريكية.

ولا ننسى في خضم هذا القصف الاعلامي المدوي على ادمغة الاحياء من جماهير العراق وحتى في المنطقة، ان نضيف ان تعويم الدين ورجل الدين هو جزء من استراتيجية التيارات البرجوازية لتخدير الجماهير ولتخليد سلطتها الى اطول فترة ممكنة، وهي أي البرجوازية هي من أقصت الكنيسة من حياة المواطن وارست أول دستور نص على فصل الدين عن الدولة، عندما وقف الدين ورجاله حجرة عثرة في تطور نموها الاقتصادي والمالي. إن البرجوازية التي تحكم اليوم في كل مكان هي من تشعل الحروب، وهي من تنشر الدمار والخراب في المجتمعات الانسانية وتحت عناوين مختلفة؛ تارة عبر الدفاع عن الوطن، واخرى عن الدين أو الهوية الطائفية، وتارة الحرب على الارهاب، ومرة حماية العرض والمقدسات، واخرى تحت عنوان حماية الشرعية الدولية والقانون الدولي، واخرى عن حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية… وكي تقفل حلقة خداع الجماهير بعد صياغة تلك العناوين الكاذبة تسوق عبر إعلامها بأن رجل الدين وحوار الأديان من يصنع السلام.

وهذا ما يبغي من زيارة البابا بتسليط الضوء على لقائه مع السيستاني المرجع الشيعي الاعلى، وهي بالتأكيد ما يقض مضاجع منافسيه في الجمهورية الاسلامية في ايران المتمثلة بولاية الفقيه وملالي قم. وبهذه العملية الدعائية لزيارة البابا ولقائه في النجف سيكون هناك استثمار سياسي تستفيد منه سلطة الاحزاب الاسلامية والمرجعية التي تقف خلفها كسند سياسي ومعنوي لادامة شرعيتها بالتسلط على رقاب جماهير العراق.

وعليه نقول ان الامن والسلام والحرية والرفاه لم ولن يجلبه رجال الدين ولا الحوار بين الاديان والتي ارتكبت تحت عناوينها الأهوال بحق الانسانية. إن تسويق حوار الأديان ووضع التباريك على رجال الدين هي كذبة سوقتها البرجوازية سواء في الغرب او في الشرق لخداع البشرية والتعمية على اساس الظلم والحروب التي تشعلها. ولدينا اليوم في العراق من أكثر البلدان خبرة وتجربة بمعنى الدين ورجال الدين واحزاب الدين، والتي رفعت الجماهير شعار (باسم الدين باكونا الحرامية) بوجه فسقها وفجورها بحق البشرية.

ان الطريق نحو السلام في العراق والمنطقة، لن يكون عبر رجال الدين الذين أسسوا ويؤسسون للإرهاب في المجتمع والانحطاط لكل القيم الانسانية، مثل الازهر المصري وولاية الفقيه الايراني، والوهابي السعودي،

بل مثلما فعلت أوربا عام ١٧٨٩ عبر اقصائهم ودينهم عن المجتمع والدولة والتربية والتعليم. وهذا يحدث فقط بالنضال الثوري لتكاتف كل القوى التحررية التي تؤمن لا عقيدة ولا دين ولا قومية ولا طائفة لها قيمة فوق او اعلى من الإنسان.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here