توحيدة بن الشيخ المرأة الافريقية العربية.. المفخرة العربية، رائدة الطب و الانسانية

توحيدة بن الشيخ المرأة الافريقية العربية

المفخرة العربية، رائدة الطب و الانسانية

اليوم العالمي للمراة، يوما رمزيا تفتخر به كل نساء العالم، هذا العيد هو رد اعتبار لكل امراة ايا كان مركزها و مكانتها الاسرية و الطبقة الاجتماعية التي تنتمي اليها… و المحيط الذي تعيش فيه…كل الدول لها رائدات تفخر بهن…ونحن في تونس كبقية الدول لنا رائدة نفخر بها كثيرا، إنها المرحومة توحيدة بن الشيخ المرأة الافريقية العربية رائدة الطب و الانسانية، اول طبيبة تونسية، وفي المغرب العربي، افريقية عربية ولدت في 2 جانفي سنة 1909وبعد مرور مائة وواحد (101) سنة توفيت رحمها الله بتونس العاصمة وذلك يوم 6 ديسمبرمن سنة 2010 ، هذه الطبيبة العتية، الفذة المفعمة بالحيوية، و النشاط ، والانسانية،… وبحب الوطن، وبخدمة الصحة العامة للصالح العام دون تمييز بين فقير و غني رغم ثرائها فمن المحزن و المخزي أنها ظلت طي النسيان حتى بعد وفاتها ولم يقع تكريمها البتة لا من طرف وسائل الاعلام السمعية البصرية ولا من طرف رئيس جمهورية ولا ريس حكومة. شاء لها القدر ان تكون من عائلة ميسورة الحال، وهي أصيلة ولاية بنزرت الساحلية التي كافحت كبقية ولايات الجمهورية ضد الاستعمار… وارتوت ارضها بدماء الشهداء وضمت رفات عديد الشهداء… ربما المحيط المعيشي الذي عاشت فيه في ذاك الزمن كان له الدافع، مع انتماءها العائلي حيث كان والدها ميسورا، مالكا عقاريا أصيل بلدة رأس الجبل احدى المدن التابعة لولاية بنزرت أما أمها فهي من عائلة عريقة الا وهي عالة بن عمار إحدى العائلات العريقة والثرية جدا بتونس العاصمة ربما هذا الانتماء العائلي و الظروف الحياتية حفزتها وساعدتها على مواصلة تلقي العلم في زمن كانت فيه المرأة التونسية و الافريقية و العربية مكبلة بقيود الجهل و الاستبداد الذكوري رغم أنها كانت يتيمة الاب، لقد توفي والدها وهي لا زالت غضة طفلة صغيرة وهذا قد يكون حافز آخر لجعلها تدرس الطب وتمتهن هذه المهنة الانسانية السامية، فعاشت صحبة أخويها في كنف والدتها التي حرصت شديد الحرص على تعليمهم. هذا مما اتاح لها مزاولة الطبيبة توحيدة بن الشيخ تعليمها بمدرسة نهج الباشا، حيث حصلت على الشهادة الابتدائية وذلك سنة 1922 وواصلت دراستها الثانوية بمعهد أرمان فاليار (Lycée Armand Fallières) إلى أن أحرزت على شهادة الباكالوريا بامتياز وذلك سنة 1928، وهكذا كانت أول فتاة تونسية مسلمة ، وتلميذة تحصل على مثل هذه الشهادة من معهد فرنسي تونسي وتتجه إلى فرنسا رفقة ليديا بورني، زوجة الدكتور بورني (Dr. Burnet) الطبيب والباحث الفرنسي بمعهد باستور بتونس. وسجلت آنذاك بغاية الحصول على دبلوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا(P.C.B). وهكذا كانت الدكتورة رحمها الله أول امراة عربية وافريقية تحصل على هذه الشهادة، مما سمح لها باللحاق بكلية الطب بباريس، وبعد الاقامة ثلاث سنوات بالسكن في الحي الدولي للطالبات انتقلت لتسكن مع عائلة بورني ممّا مكنها من التعرف على الأوساط الثقافية والعلمية الفرنسية والاختلاط بها. وفي سنة 1936 تخرجت كطبيبة، وفي السنة الموالية ناقشت رسالتها للدكتوراه فكانت أول طبيبة أطفال تونسية وافريقية وعربية. أما الطبيبة الثانية فهي حسيبة غيلب التي درست خلال الخمسينات.

توحيدة بن الشيخ بعد أن عادت الى تونس فتحت عيادتها بمدينة تونس العاصمة وذلك بشارع باب منارة عدد (42) وفي الفترة الفاصلة بين 1955 و1964 عينت على رأس قسم الولادة بمستشفى شارل نيكول بمدينة تونس، ثم انتقلت بنفس الخطة إلى مستشفى عزيزة عثمانة وظلت في نفس المنصب إلى أن أحيلت على التقاعد في سنة 1977 .

هذه المرأة الفذة و الطبيبة الرائعة لم تركن الى الراحة بل كانت شديدة النشاط فساهمت في الأثناء في تركيز سياسة التنظيم العائلي الذي حدث لاول مرة في تونس…و في العالم العربي و الافريقي.

بعد الاستقلال انخرطت الدكتورة توحيدة بن الشيخ في مشروع بناء الدولة التونسية وتولت عديد المناصب منها إدارة قسم التوليد وطب الرضيع في مستشفى شارل نيكول بالعاصمة من سنة 1955 إلى سنة 1964(رئيسة القسم). كما أنشأت في نفس المستشفى قسما خاصا بالتنظيم العائلي سنة 1963. الذي استمر الى تارخ يومنا هذا…بعدها تولت منصب رئيسة قسم التوليد وطب الرضيع بمستشفى عزيزة عثمانة بتونس العاصمة. وقد تم تعيينها سنة 1970 في منصب مديرة الديوان الوطني للتنظيم العائلي (ديوان الأسرة والعمران البشري) الذي لا زال قائما. كما ساهمت في الحياة الفكرية من خلال كتاباتها وإشرافها على أول مجلة تونسية نسائية ناطقة بالفرنسية تحت عنوان “ليلى” التي صدرت من 1936 إلى سنة 1941. لقد نشطت توحيدة بن الشيخ في عدد من الجمعيات سواء بفرنسا أو بعد عودتها إلى تونس. ومن تلك الجمعيات جمعية طلبة شمال أفريقيا المسلمين بفرنسا، كما دعيت لتلقي كلمة في مؤتمر اتحاد النساء الفرنسيات الملتئم في شهر ماي 1931 . وقد تعرضت آنذاك إلى أوضاع المرأة المسلمة في المستعمرات الفرنسية. أما في تونس فقد نشطت في الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي.

وهو أول منظمة نسائية تونسية عربية و افريقية تأسست سنة 1936، وتقدمت للحصول على تأشيرة العمل القانوني سنة 1938، ولكن لم تحصل عليها إلا سنة 1951. ولم يمنعها ذلك من النشاط على الساحة الوطنية منذ تأسيسها إلى سنة 1956، لتحل محلها منظمة نسائية أخرى هي الاتحاد القومي النسائي التونسي. الذي لا زال ثابتا الى يومنا هذا…بالمناسبة توالت على قيادة الاتحاد النسائي الإسلامي التونسي عدد من نساء الأرستقراطية التونسية، ومن بينهن خاصة بشيرة بن مراد التي ترأست هذه المنظمة منذ نشأتها إلى أن وقع حلها، إلى جانب التي تولت الكتابة العامة الى جانب اختيها، ثلاثتهن بنات شيخ الإسلام محمد الصالح بن مراد، إلى جانب سارة بن الخوجة ابنة الشيخ الزيتوني الحاج علي بن الخوجة، والسيدة نبيهة بن ميلاد زوجة الدكتور أحمد بن ميلاد، وتوحيدة بن الشيخ، أول طبيبة تونسية، وبدرة بن مصطفى، ونعيمة بن صالح، وجليلة بن حميدة مزالي، ومنجية بن عز الدين… كما أسندت الرئاسة الشرفية لهذا الاتحاد للأميرة عائشة.

كما أسست الطبيبة توحيدة بن الشيخ غداة الحرب العالمية الثانية جمعية الإسعاف الاجتماعي وتولت رئاستها. لقد كانت هذه الجمعية وراء مشروع إقامة دار الأيتام (1950) التي ظلت الى الآن الا ان اسمها أصبح ” قرية أطفال بورقيبة ” SOS” ودار المرأة. وفي سنة 1950 أسست جمعية القماطة التونسية للعناية بالرضع من أبناء العائلات المعوزة. كما ساهمت في تأسيس لجنة الإسعاف الوطني. وفي سنة 1958 أصبحت عضوا في عمادة الأطباء التونسيين. احتفت النخبة التونسية بالسيدة توحيدة بن الشيخ تقديرا لإسهاماتها الطبية والفكرية وتم تناول مسيرتها في شريط وثائقي بعنوان ” نضال حكيمة” كما أصدر البريد التونسي طوابع بريدية تحمل اسمها وصورتها وأسس عدد من الأطباء جمعية طبية تحمل اسمها ” جمعية توحيدة بن الشيخ للسند الطبي” اعترافا بمكانتها وإسهاماتها التي تواصلت إلى تاريخ وفاتها سنة 2010. كما ساهمت توحيدة بن الشيخ في الصحافة إذ كتبت وهي طالبة في النشرة السنوية لجمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين كما ساهمت سنة 1936 بالكتابة في مجلة ليلى الأسبوعية الناطقة بالفرنسية والتي تعتبر أول مجلة نسائية تونسية.

من المؤسف و المحزن ان مثل هذه القامة النسائية ذات الوزن الثقيل في الميدان الصحي لم يقع تكريمها حضوريا في وسائل الاعلام السمعية البصرية ولا لثانية في حياتها حتى تكون للمشاهد التونسي و العربي قدوة مثلى، وسيدة يحتذا بها ولكن كما يقول المثل الشعبي السائد “كان حي شاهي تمرة كيف مات علقولوا عرجون من التمر ” نعم وقع تكريمها حديثا بعد وفاتها بعشر سنوات بعد ان طرح البنك المركزي التونسي للتداول، ابتداء من يوم الجمعة 27 مارس 2020 ورقة نقدية جديدة من فئة 10 دنانير واختيرت الدكتورة توحيدة بن الشيخ كشخصية رئيسية لهذه الورقة النقدية الجديدة.

بحث بقلم الاديبة والكاتبة المسرحية والناقدة والشاعرة فوزية بن حورية

المراجع:

“سيمنار الذاكرة الوطنية: شهادة الحكيمة توحيدة بن الشيخ”، في دور المرأة المغاربية في حركة التحرير وبناء الدولة الوطنية، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، تونس 2007، ص 237-246

عادل بن يوسف، “توحيدة بن الشيخ: مسيرة أول طبيبة تونسية”، في دور المرأة المغاربية… ، نفس المرجع،، ص 73-90.

محمد ضيف الله، “معالم الحركة النسائية في تونس (1936-1956): مساهمة في التأريخ للحياة الجمعياتية”، روافد، ع 1، تونس 1995، ص 108-138

1.المكتبة الوطنيَّة الفرنسيَّة (BnF) — باسم: Tawhida Ben Cheikh — المؤلف: المكتبة الوطنية الفرنسية — العنوان : اوپن ڈی-;-ٹا پلی-;-ٹ فارم — الرخصة: رخصة حرة

— المحرر: Emmanuel K. Akyeampong و هنري لويس غيتس — العنوان : Dictionary on African Biography — الناشر: دار نشر جامعة أكسفورد — ISBN 978-0-19-538207-5

2. موقع مجلة الأحوال الشخصية نسخة محفوظة 11 جانفي 2020 على موقع واي باك مشين.

3. توحيدة بن الشيخ: أول طبيبة تونسية وعربية, جريدة الجمهوريّة, الثلاثاء 20 أوت 2013 نسخة محفوظة 16 يناير 2014 على موقع واي باك مشين.

4. “La Banque Centrale de Tunisie”. (باللغة الفرنسية). مؤرشف من الأصل في 27 مارس 2020. اطلع عليه بتاريخ 27 مارس 2020.

5. “تكريم أول طبيبة تونسية بطبع صورها على العملة النقدية”. مؤرشف من الأصل في 24 أفريل 2020. اطلع عليه بتاريخ 24 أفريل 2020.

بحث بقلم الاديبة و الكتابة المسرحية و الناقدة و الشاعرة فوزية بن حورية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here