كي نستعيد زخم الانتفاضة وألقها

كي نستعيد زخم الانتفاضة وألقها

محمد عبد الرحمن

انتفاضة تشرين كانت من الشمول بحيث يصعب حصر اعداد المشاركين فيها. فلم يقتصر الامر على من تواجد في خيم الاعتصام وشارك في المسيرات الاحتجاجية ولزم ساحات الاحتجاج لأيام وأشهر. فهي أوسع من هذا بكثير، حيث تعاطف معها ومع شعاراتها الملايين من العراقيين. وربما لا نجانب الحقيقة اذا قلنا انها كانت صوت غالبية العراقيين المتطلعين الى تغيير واقع الحال، والى القطيعة مع المنهج الفاشل ومنظومة الفساد اللذين سببت كل هذه الماسي والنكبات، ودفعا بلادنا من سيء الى أسوأ على مختلف الصعد.
هنا أيضا تتوجب الإشارة الى ان هناك من سايرها في بدايات انطلاقتها الكبرى وفِي اوج زخمها، ثم تبين لاحقا ان همه الأول هو تسخيرها لخدمة توجهاته الخاصة. على ان هناك من وقف ضدها منذ البداية ، وان لم يصرح بذلك علنا في البداية، لكنه جاهر به وتمادى بعد فتور زخمها وتضاؤل اعداد المشاركين فيها ورفع الخيم، الذي تبين انه جرى بالتوافق بين جهات حكومية رسمية وأخرى ضاقت ذرعا بالإصرار والتحدي اللذين ميزا المنتفضين وشجاعتهم الفائقة حد الاستشهاد.
ومعلوم أيضا ان الانتفاضة، وقبلها الحركة الاحتجاجية عموما منذ 25 شباط في 2011، تعرضتا الى صنوف الملاحقة والقتل العمد والتغييب القسري والاغتيال وملاحقة النشطاء واخذ التعهدات سيئة الصيت، الشبيهة بتلك التي كان يفرضها النظام الملكي والأنظمة الدكتاتورية القمعية اللاحقة. كذلك الدس وزرع المندسين والتشويه وإشاعة حالة الياس والقنوط، وشراء الذمم واغداق الأموال والوعود بالمناصب، وتفريق الصفوف وشق وحدة المنتفضين وشيطنة بعضهم عن عمد وقصد، وغير ذلك.
نعم، البعض المحدود جدا لم يستطع مقاومة الاغراءات الكبيرة فرضخ لها، والبعض الاخر تناغم مع اجندات سياسية فراح يدعو الى “الهدوء” وإتاحة الفرص، بعد ان كان من دعاة التطرّف وإخراج الانتفاضة عن سلميتها التي تمسكت بها الأغلبية ولحد اللحظة.
البعض ولدوافع مختلفة ظل يدفع باتجاه ادامة حالة الحذر والترقب وتأجيج المشاعر تجاه الأحزاب الوطنية التي شاركت في الانتفاضة ودعمتها، والحؤول دون توحيد الصفوف والتعاون والتنسيق وتنمية المشتركات وتشكيل لجان التنسيق، خاصة الميدانية التي يفترض انها تتسع لكل المساهمين على اختلاف تلاوينهم ومنحدراتهم وتوجهاتهم الفكرية والسياسية، وبالتالي تشكيل قيادات للانتفاضة في بغداد والمحافظات.
وأثبتت التجربة خطأ بعض الشعارات والاندفاعات غير المبررة، لاسيما ما يخص الموقف من الأحزاب والتنظيم عموما، وهو ما تداركه في وقت متأخر عدد من النشطاء الذين توجهوا الى تشكيل كيانات واطر سياسية. الامر الذي يؤشر حالة نضج اذا رافقه الوفاء لقيم الانتفاضة وأهدافها والتمسك بها، وان لا تتحول الى واجهات لاجندات سياسية معينة او امتدادات سياسية، خاصة تلك التي وقفت موقفا معاديا وما زالت تجاه المنتفضين وعموم الحركة الاحتجاجية.
نكتب هذه السطور للتذكير، وعسى ان تحفز على الإفادة من دروس ما حصل، خصوصا ونحن نشهد ارهاصات نهوض شعبي احتجاجي متجدد في بغداد وعدد من المحافظات. ولكي يأخذ هذا الحراك بعده الشعبي الواسع، يتوجب ان لا يُقزّم اهداف الانتفاضة ويهبط بها الى عناوين فرعية لا تنسجم مع شعار “نريد وطن” الكبير، والخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والضغط من اجل التغيير المنشود.
بهذا الطريق سنحافظ جميعا على ألق الانتفاضة، وعلى توسع صفوفها وانضمام جماهير عريضة اليها، ممن يعانون الامرّين على أيدي الفاشلين والمرتشين والفاسدين، ومن يقف معهم ويساندهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الثلاثاء 9/ 3/ 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here