عن معركة كي الوعي الثوري للجماهير.. مسار التطور الإعلامي، والحاجة الى إعلام ثوري بديل

عن معركة كي الوعي الثوري للجماهير
مسار التطور الإعلامي، والحاجة الى إعلام ثوري بديل

جهاد سليمان \ عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

شكلت الشبكة العنكبوتية (الانترنت) منذ انتشارها على نطاق الإستخدام العام (الشعبي)، ثورة كبيرة على صعيد عملية صناعة “المعلومة” وتناقلها، من خلال ربط العالم بأسره بمجموعة من محطات البث العالمية، المملوكة من أصحاب رأس المال العالمي، والمرتبطة إرتباطا مباشرا بمراكز صنع القرار في الدول الامبريالية، خاصة الامبريالية الأمريكية، وأجهزتها الاستخبارية والأمنية، وذلك بعد سلسلة من التجارب، في مختبرات الدوائر الأمنية المغلقة، داخل هذه الدول، بهدف ابتداع حرب من نوع جديد، تخدم مصالح الرأسمالية العالمية، عبر الاستعمار الغير مباشر، وإحكام السيطرة على دول الرأسمالية المعاصرة في أطرافها، ووضعها تحت مجهر المراقبة الدورية، والتأثير المباشر عليها، بضخ المعلومات بطرق خبيثة وذكية تتسم بالسهولة والانتشار الواسع والوفرة بين العموم، وعلى وجه الخصوص الطبقات الشعبية، وبأسلوب يمتاز بالتكرار الممنهج، المسلط على أدمغة الملايين، من شابكي حواسيبهم الثابتة، التي ترجمت حرفيا، مفهوم “العولمة” بأدق تفاصيلها، أي جعل العالم بأسره فضاء مفتوح، على مراكز متخصصة في صنع المعلومات، وتبادلها بمجرد ملامسة أصابع اليد، لوحة المفاتيح المصنعة بعناية لهذا الغرض الاستعماري.
منذ إنتهاء الحرب العالمية الأولى، صعًدت الإمبريالية العالمية، ودول تقاسم النفوذ والهيمنة في العالم، عملية صناعة المعلومات، في اطار ما كان يعرف “بالغزو الغير دموي”،  أو الدعاية الإعلامية(PROPAGNDA)، وجند لهذه الغاية، فرق من المتخصصين، في مجال صناعة المعلومات وتطويرها، وتطوير أشكال تناقلها، لإدراك القوى المتصارعة، لأهمية الأثر المركزي، لآلية صناعة المعلومات، ومنهجة ترويجها وأساليب تناقلها، وإكسائها الدعاية المناسبة، إن كان على الصعيد الدولتي او خارج حدود الدولة، لأوسع شعاع ممكن أن تصل اليه هذه المعلومات، بطريقة ممنهجة. وهذا ما شهدته سنوات ما قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وخلالها وما بعدها، اذ برع مهندسو الدعايات الحربية، خاصة على صعيد الولايات المتحدة الامريكية، وبريطانيا، وألمانيا، بعنوانها المباشر وزير الدعاية الهتلرية بول غوبلز، في إدارة معارك الدعاية والدعاية المضادة، من ناحية صناعة المعلومات والترويج لها، وإبتكار أساليب التأثير الداخلية، ومجابهة الدعاية المضادة، من خلال الابداع في صناعة المركبات التي تحمل هذه المعلومات، أو الكبسولات المعلوماتية، التي توصف للجماهير الشعبية، داخل حدود البلد الواحد أو خارجها.
وقد كان للجريدة والمقال الصحفي التأثير الأبرز، اذ لعبت الجريدة وخاصة الحزبية، بالإضافة الى جميع أشكال المنشورات الورقية، دورا رئيسيا  في تجنيد الجماهير الشعبية، لصالح فكرة معنية، بالإعتماد على تكرار صناعة المعلومات وضخها مرارا. كما كان لرقعة انتشار الجريدة، في داخل البلد الواحد وخارجه، الدور الأبرز في ترجيح كفة المعلومة التي تحملها، على تلك المصنوعة،  في مختبرات مروجي الجرائد المضادة، وهذا ما إعتمدت بشكل مركز على القدرة الإنتاجية للمعلومة وتكرارها بمنهجية تتسم بالتجديد الدائم، وبالأشكال المختلفة، ومن جهة أخرى للأعداد المطبوعة للجرائد، والإمكانية على توسيع رقعة انتشارها داخليا وخارجيا، وهنا كان للجانب الاقتصادي (التمويلي)، الدور الأساسي في استنساخ المعلومات، ورقعة انتشارها، خاصة على صعيد ألأحزاب الثورية، التي وجدت نفسها مرغمة، على الصمود أمام آلة عملاقة من الإنتاج والاستنساخ المعلوماتي، والقدرة العالية على ضخ المعلومات ونقلها في الداخل والخارج.
لم تكن الجرائد الرسمية او الحزبية، الأداة الوحيدة، الحاملة للمعلومة والمنوط بها مهمة نشرها وتعميمها على أوسع نطاق ممكن، بل كان لبعض الوسائل الأخرى دورا كبيرا في هذا المجال، طورت وأستحدث من اجل الهدف عينه، وهو الإجابة على السؤال الجوهري، في كيفية البحث عن أساليب تطوير عملية صناعة المعلومات، وتطوير طرق انتقالها وانتشارها وجعلها مؤثرة، وهنا دخل المذياع، حلبة المبارزة في نشر الدعاية، اذ شكل محطة نشر معلوماتي رئيسي ومؤثر، خاصة بعد أن دخل المذياع كل منزل وأصبح من أساسيات المقتنيات التي تقوم عليها إحتياجات العائلة.
ولعل تجربة “المذياع الشعبي”، الذي أبتكره وزير الدعاية النازية للرايخ الثالث “يوزيف جوبلز” (29 أكتوبر 1897 -1 مايو 1945)، الأكثر نجاحا وتأثيرا في مجال صناعة الدعاية والبروباغندا الاعلامية، اذ لعب المذياع المصنع لغرض الإستخدام الشعبي الواسع، ذو التكلفة الزهيدة، دورا أساسيا في صعود زعيم الحزب النازية”أدولف هيتلر” (20 أبريل 1889 – 30 أبريل 1945)، الى منصب مستشار ألمانيا  من عام 1933 حتى عام 1945، وذلك من خلال الحنكة في الترويج الإعلامي للأفكار النازية وزعيمها، وإدخالها الى نمط الحياة اليومي، لما يقارب ال80 مليون مواطن ألماني،  وجدوا بخطابات “هتلر” المؤثرة وأفكاره العنصرية، المجبولة بخليط العواطف والعصبوية القومية، رفيقا لهم في جميع جلساتهم. فعلى امتداد ما يقارب 11 ساعة متواصلة، عملت غرف صناعة الدعاية النازية، بتوجيه دقيق لطبيعة إخراج المعلومة وصناعتها، على البث المتواصل والمتكرر، على قاعدة (إن كان للقائد ما يقوله، فيجب أن يكون للناس القدرة على سماعه)، وهذا ما ضمن سد الفراغ للكثير من المواطنين، الغير مهتمين في إرتياد دور السينما والمسارح وصالات العرض، والغير مهتمين في قراءة الجرائد والصحف اليومية.
أحدث المذياع نقلة في نوعية الترويج المعلوماتي، من ناحية البساطة والسهولة، وفك عقدة الأمية والمتعلم، التي واجهتها الجرائد والصحف، وهنا أصبح للمعلومة لسان يحاكي جميع المتعلمين والغير المتعلمين، وأصبح المذياع أداة تفاعل بين جميع من يتلقى الموجات، (قطار المعلومات الجديد)، كما أضاف خاصية التجمهر في تلقي المعلومة، اذ أصبح المذياع مركز جذب مجموعات بشرية، يتجمهروا حوله، للشعور بالدفء المعلوماتي، تماما كما شكلت الموقدة (النار)، لفترة طويلة جدا من الزمن، مركز تجمهر وتجمع المجموعات البشرية، التي صاغت معلومات بدائية وتناقلتها، (الحكايات)، وتطور مسارها (الحكواتي)، في سياق عمليات التبادل التجارية، اذ شكلت ساحات تبادل البضائع، والأسواق المفتوحة، مراكز تبادل المعلومات وتناقلها وصناعة الدعايات وتضخيمها، خاصة اذا ما دعمت بحركة ترجمة.
في عالم اليوم اصبحت الحاجة لتلقي المعلومة والبحث عنها، واحدة من أهم الحاجات الأساسية للإنسان، من ناحية تطوير المجتمعات البشرية وتقدمها، وتشكيل المعارف المختلفة، التي تسعى البشرية لتسخيرها في مسار التطور الاجتماعي،  وهو ما جعل من عملية البحث عن المعلومة وصناعتها، مسألة من أساسيات السلوك البشري اليومي، أو بتعبير أدق (نمط الحياة اليومي)، مما جعل من مهمة الولوج الى هذا النمط، والتحكم به، وإدارته بطريقة ممنهجة، واحدة من أبرز مهام (مصانع) المعلومات العالمية، التابعة لسلطة سياسية هنا أو حزب هناك، بحيث شكلت الجريدة الصباحية، ولفترة طويلة من الزمن، عادة روتينية، لدى الملايين من البشر حول العالم، اذ لا تكتمل الطقوس الصباحية دونها، بإعتبارها المصدر الأساسي للمعلومات في تلك الحقبة، وفي ظل عدم توفر أي وسائل أخرى متاحة، وكذلك الأمر بالنسبة للمذياع، ولاحقا التلفاز، الذي نقل عالم صناعة المعلومات وترويجها، الى مستوى أعلى من الاحترافية في التوجيه، خاصة بعد انتشار الفضائيات العالمية، وصعود نجم (الستالايت)، حيث إحتدمت معركة الدعاية والدعاية المضادة، في سباق التأثير والتحكم، مع وجود أشخاص يتحدثون ويتحركون عبر شاشة، وفق برنامج زمني ممنهج، ربط نمط الحياة اليومي للملايين من العائلات بتوقيت البرامج الصباحية والمسائية ونشرات الأخبار، وصولا الى عالم صناعة الأفلام والمسلسلات، كتطور نوعي في أشكال نقل المعلومة وانتشارها، بأساليب أكثر مرونة وسلاسة وشعبوية، مما جعل من (هوليوود)، واحدة من أخطر أدوات التأثير والتحكم وغسل الادمغة، للإمبريالية الأمريكية حتى الآن.
بالعودة الى مسار التطور في صناعة المعلومات وانتشارها، شهد القرن الواحد والعشرين  نقلة نوعية، ربما شكلت الخطوة الأكثر تأثيرا في مسار التطور الإعلامي، ومجال صناعة المعلومات وتناقلها، تمثل بإختراع ما يعرف اليوم بالهاتف الذكي (Smart phone)، الذي أصبح أحد أبرز أساسيات  الحياة اليومية لدى الملايين من البشر، لسبب جوهري وأساسي، جعل من الهاتف الذكي، ليس مجرد قطعة إلكترونية، تحتوي على خاصية الاتصال وتلقي الاتصالات، من قبل عدد محدود من جهات الاتصال المخزنة مسبقا،  بل عالم بلا حدود، وبلا قيود، وفضاء مفتوح على ما لا نهاية، لتلقي المعلومات وتبادلها وبثها، مما صعد بالهاتف الذكي، وبسرعة البرق الى أعلى درجات عالم تلقي وصناعة المعلومات، وأكثرها تأثيرا على الإطلاق في مسيرة التطور المعلوماتي وتكنولوجيا، الاتصالات ووسائل الاعلام التي عرفها العالم حتى الان.
لم تقف التطورات في عالم وسائل التواصل الاجتماعي عند هذا النحو، بل أخذت بالتسارع بشكل ملحوظ ومؤثر وصولا الى إنشاء التطبيقات، التي تحتوي اليوم على ما  يعرف بالحسابات الشخصية، التي حطمت وبشكل نهائي الحياة الخاصة والشخصية لملايين المستخدمين، ونقلتها إلى العالم الافتراضي المفتوح، على تسونامي المعلومات وتبادلها وبثها وتناقلها، خاصة وأن هذه التطبيقات، أتاحت مميزات للمستخدمين، تحولت الى نوع من المخدرات الرقمية (Digital Drugs)، من جهة تغلغلها وتأثيرها في  دماغ المستخدم، وانعكاساتها على حواسه، وافرازاته الهرمونية، المعلقة بالتوتر والفرح والحزن والكآبة، نظرا لما تحولت له هذه الحسابات الشخصية، من مرآة رقمية، تعكس كل ما يميز شخص عن آخر، وتعكسه الى عالم التفاعل الإفتراضي، وهذا ما دفع بالملايين من الحسابات الشخصية، التي تحتوي على (صور، فيديوهات، آراء، رسائل، مقاطع موسيقية، تعليقات، أرقام هواتف، دردشات، بريد الكتروني الخ…) بتكوين  دقيق للهوية الشخصية التي تعرف وتميز كل فرد  عن الآخر، من بين ملايين المستخدمين الذين إنزلقوا الى مستنفع العالم الافتراضي
وربما واحد من أشهر هذه التطبيقات، المستخدمة على وسائل التواصل الاجتماعي، والرائج عالميا وفق الخصاص الآنفة الذكر، هو تطبيق “فيسبوك”، دون التقليل من تأثير التطبيقات الأخرى، التي تتشارك بمجملها في خاصية رئيسية وجوهرية، وهي (وضع المستخدم أمام سيل من المعلومات الممنهجة والمصنوعة في مختبرات صناعة المعلومات، للقوى النافذة عالميا، المالكة والمتحكمة بهذه التطبيقات، وإخضاع المستخدم لمعايير النشر المسبقة، ضمن ما يسمى “معايير المجتمع”  وكشف المعلومات الشخصية وتحويلها الى بيانات مخزنة على الشبكة العنكبوتية، تقع تحت تصرف أجهزة الاستخبارات العالمية).
لم يعد “فيسبوك”، مجرد تطبيق لهواة مراهقين، يبحثوا عن مصدر تسلية، ومنصة تعارف على مستخدمين آخرين، من جميع أقطار العالم، بل تحول بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إلى كرة أرضية إفتراضية، يتم خلالها ممارسة أساليب حياة يومية، ومساحة لايجاد فرص العمل أو تطويرها، والترويج الدعائي، والأهم من ذلك فضاء الإعلام البديل، الذي وضع كل ما سبقها من وسائل إعلام تقليدية، على رفوف الاستخدام الاحتياطي، وفي أفضل الأحوال الداعم الرئيسي، والناهض الأساسي لوسائل الاعلام تلك، لما أتاحه “الفيسبوك” والعديد من التطبيقات الأخرى، من خاصية لإنشاء ما تسمى بصفحة الفيسبوك (Facebook Page)، في جميع الاختصاصات ومجالات العمل بدءا من الصفحات التجارية، والعلمية، والثقافية، والتراثية، والفنية، والسياحية، والأكاديمية، وصولا الى الصفحات الإعلامية والسياسية والحزبية والديبلوماسية، وغيرها من مختلف مجالات العمل، وعلى كافة الأصعدة، مما نقل المستخدم من عملية تبادل (معلومات شخصية)، مع ملايين من المستخدمين الآخرين، الى مستهلك لكميات هائلة من المعلومات، ذات المصادر المجهولة، التي دخلت الى تفاصيل حياته الشخصية والعملية وتأثر عليها بشكل مباشر، إن كان على صعيد أفراد أم جماعات، وهذا كله متاح ومتوفر، من خلال جهاز محمول ذكي، مشبوك على الشبكة العنكبوتية، يرافق الانسان في حله وترحاله، ويضع الملايين بملامسة بسيطة لشاشة ذكية، على مسافة صفر، من عالم إفتراضي، تتطاير في فضائه المعلومات، وتتناقل بعشوائية رهيبة،  كقفير نحل هائج، بعد ان أوقد العشب اليابس تحت خليته المتدلية، من على شجرة حور منفردة في سهل مفتوح الأفق والمساحة.
ولأن عالم وسائل التواصل الاجتماعي، واسع ومتشعب ومتشابك بشكل هستيري، فيهمنا في هذا السرد الموجز، التركيز على ما قد بدأناه، حول معركة صناعة الدعاية، ونشر المعلومات وتبادلها، أي على الإعلام البديل، وتأثيره في عالمنا الحاضر، وكيفية إستخدامه من طرف الأحزاب الثورية، التي تخوض صراعا مع قوى الاستعمار والاحتلال والهيمنة، على كافة الأصعدة، وبشكل خاص على صعيد كسب معركة المعلومات، ومجابهتها بالدعاية الثورية، على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيفية جذب أكبر عدد ممكن من المتابعين، والتأثير على تفكيرهم، بل وبالدخول الى تفاصيل حياتهم اليومية، بطريقة إيجابية، هدفها تحطيم القيود التي وضعت بأيديهم، من قبل مراكز صنع الدعاية الإستعمارية، وكشف الغطاء عن عيونهم، التي أعميت ببريق الملايين من المذنبات المشتعلة بالمعلومات المضللة، التي باتت تسبح في هذا الفضاء الرقمي، دون قيد أو تحكم، ولأن الواقعية والقراءة العملية، تفرض علينا كأحزاب ثورية تتبنى المنهج العلمي في قراءة تطور المجتمعات ومسارها، يتوجب علينا التشخيص الدقيق، لما وصلت اليه اليوم وسائل التواصل الاجتماعي، كإعلام بديل، وكأحد أهم أساليب السيطرة والتحكم بصناعة المعلومات وتناقلها، ومحاولة مجاراة هذا التطور بالخصائص التقدمية الثورية، التي تمكنا من فتح هذه المعركة، ومجابهة مفتعليها بأدواتهم، خاصة وأن أدوات العمل التقليدي، أصبحت بالية وغير مؤثرة، وهذا ما أثبتته، الأحداث التي شهدها العالم في السنوات العشر الماضية، في إدارة الجماهير من قبل مختبرات صناعة المعلومات، وحرف نضالاتها وثوراتها، والانقلاب على منجزاتها، وإدخال حالة اليأس والاستسلام، الى دماغ الملايين، من ضحايا هذا الاجرام الرقمي، وبشكل خاص منذ إندلاع ما عرف “بالربيع العربي”، الذي أطلقت شرارته الأولى على وسائل التواصل الاجتماعي،  والمسار المدمر الذي سلكته الجماهير الشعبية، في أكثر من بلد عربي، ومازالت انعكاساته وآثاره السلبية، مستمرة حتى يومنا هذا.
إن الأحزاب الثورية، تقف اليوم أمام مفترق طرق، يفرض عليها التفكير بشكل علمي وعميق، حول الخيارات الثورية المتاحة، مع هذه التغيرات الجوهرية، في السلوك اليومي للبشرية جمعاء، وفي مصدر المعلومات الحديث، وتأثيره المباشر على أدمغة الملايين من الجماهير الشعبية، التي وجدت نفسها تائهة وسط محيط من المعلومات والاخبار والبث الممنهج، والعمل على تطوير أساليب الاعلام الكلاسيكية التي فقدت تأثيرها المباشر، وخرجت من سلوكيات الحياة اليومية للإنسان، مما جعل من الدعاية الثورية، حبيسة قمقم في صندوق خشبي أثري، يحتاج لنفض الغبار المتراكم  عليه منذ عقود طويلة، وإخراج ذاك المارد الإعلامي، الذي صعد بالعديد من الثورات الشعبية المنظمة، الى مصافي الحكم، بل وكان العامل الجوهري، في ظفر الطبقة العاملة ولأول مرة في التاريخ بالسلطة والحكم في روسيا من خلال الثورة البلشفية العظيمة، ولاحقا قيام الاتحاد السوفييتي،  وبعدها لعب الاعلام الثوري، الذي أدرك انطلاقا من دراسة علمية، وبالاستناد على نظريته الثورية، كيف يكون الاعلام الثوري مؤثرا ورافعا لنضال الملايين من المضطهدين والمعذبين والمستغلين، الذين ضللت بهم الروايات الميتافيزيقية، وأسرت عقولهم، ورمتهم في دوامة المثالية، الهادفة فقط الى احكام السيطرة على أي عملية ثورية أو تغيير، واليوم تلعب وسائل التواصل الاجتماعي، المحكومة من طرف ذات الأعداء للجماهير الشعبية، ذات الدور التضليلي، في صناعة عالم المثاليات للملايين، المبهورين بخداع معلوماتي يخفي حقيقة المآسي والويلات التي يذهب العالم بأسره في اتجاهها سيرا على أقدامه، مما يفرض حاجة ضرورية لقرع الجرس والتيقظ والتوجه نحو اعلام ثوري بديل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here