الدعوة للحوار الوطني وجدواها

جاسم الحلفي

يبقى الفكر السياسي السلطوي على الدوام حبيس مصطلحات “الاستهلاك المحلي” كما تسميها الذاكرة الشعبية. لم ينتج يوما، وهو المأزوم، مفتاحا للحل. ويظل المتنفذون يدورون في دوامة الطرق الفاشلة والإطروحات التي عفى عليها الزمن، حتى ليصح عليهم مثل التاجر المفلس الذي يقلب دفاتر حساباته بين الحين والآخر، عسى أن يجد ما ينقذه من مأزق الإفلاس.
لا جديد في إطروحة الحوار الوطني اليوم، فقد سبق طرحها من اطراف عدة، لكنها لم ترَ النور بسبب الاقتصار في الطرح على الشكليات وعدم تجاوز “تبويس اللحى”، في خطاب عاطفي لا يجسد صدقية الدوافع، وقد سئم العراقيون من تكراره. ولا يخرج الامر في جوهره عن كونه إعادةً لاصطفاف المتنفذين، وترتيب أدوارهم، ومراجعة تنظيم مصالحهم، وترسيخ وجودهم وتثبيت مواقعهم في السلطة.
والمتنفذون ليسوا بحاجة الى لقاء وطني يجمع صفوفهم، فإجتماعاتهم متواصلة وإتفاقاتهم قائمة. ومنهج المحاصصة هو ملتقاهم الدائم الذي يؤمن وحدتهم، وما من خلافات جوهرية تفرقهم. أما الخلافات التي تظهر بينهم بين الفينة والأخرى، فهي ثانوية تتراجع حال تقاسمهم المناصب. وتراهم يتوحدون فور شعورهم بتهديد لمواقعهم في السلطة. وهكذا كان إجماعهم على تشكيل هذه الحكومة التي ضمنت لكل طرف منهم حصته، ولم يتمكن رئيس الوزراء من تمرير وزير واحد من دون موافقتهم. ونتذكر جيدا كيف لم يفلح في تمرير مرشحين لوزارة الثقافة، لم ينالا موافقة المتنفذين.
أستبعد ان يكون القصد من الدعوات الى الحوار ان يجري بين طرفي: طغمة الحكم والمنتفضين. فقد كانت لغة الرصاص الحي والقنابل الدخانية هي الوسيلة التي استخدمها المتنفذون، وهي جوابهم على شعار “نريد وطن” حينما لخصت الانتفاضة هدفها في التغيير وإزاحة طغمة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة، والإقتصاص القانوني من القتلة والمجرمين، وتطبيق العدالة الاجتماعية بما يؤمن العيش الكريم، وإرساء الامن وتحقيق السلام والبدء بالإعمار والتنمية المستدامة.
الحوار الوطني لا يردم فجوة عدم الثقة الهائلة، التي تتسع كل يوم بين طغمة حكم إستأثرت بالسلطة، وبين ملايين الشبان المتطلعين الى حياة كريمة. وخطاب “الإخوانيات” لا يعالج الهوة الكارثية بين أصحاب المليارات وبين من لا قوت في بيته!
ان محاكمة حيتان الفساد هي ما يؤشر صدقية الحكومة، ويجدر ان ترافقها محاكمة قتلة المنتفضين، التي هي المدخل الصحيح لمواساة الأمهات المفجوعات بفقدان فلذات الأكباد، فلا حوار بين السارق والمسروق، ولا مجلس يجمع “النهيبية” مع المنهوبين.
وتبقى الذاكرة الشعبية تستحضر مع كل اجتماع يعقده المتنفذون، حقيقة انهم “إذا إختلفوا قتلونا.. وإذا إتفقوا سرقونا).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الخميس 11/ 3/ 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here