العدالة إحترام حقوق الآخرين

العدالة إحترام حقوق الآخرين
د. ماجد احمد احمد الزاملي
العدالة تتبين من خلال إبداء الاحترام لحرية وممتلكات الآخرين. وقد أعرب آدم سميث عن رأيه في هذا الشأن بما يلي: “مجرد العدالة هي، في معظم الحالات، فضيلة سلبية، وإنما هي تعيقنا عن الإضرار بجيراننا”. إننا نتصرف تصرفا عادلا، عندما لا نلحق الأذى بالآخرين. والفشل في احترام حقوق الآخرين،عن طريق ارتكاب أفعال كالعنف أو السطو المسلح، يمكن أن يبرر بشكل مشروع استخدام القوة، مثل السجن أو الغرامات، من قبل الحكومة، من أجل تحقيق العدالة. العدالة الإجرائية تتعلق باحترام القوانين. إنها تتعلق بكيفية إصدار الأحكام، وليس عدالة محتوى تلك القرارات. النتيجة المنصفة هي التي تتأتى عن التقيد بالأنظمة. إن أحد أكبر التهديدات للعدالة تتم عندما ينظر القضاة إليها من وجهات نظرهم، بدلا من الرجوع إلى القوانين المكتوبة في الدساتير والتشريعات، أو إلى قوانين واسعة القبول مستقاة من العدالة الطبيعية. وفي هذه الحالة، يحكم القضاة من خلال النتائج، بدلا من الوسائل التي تم بواسطتها اتخاذها. هنالك قلق من أن القضاة الذين يتبعون هذا المنهج يشكلون تهديدا للعدالة، لأن أسلوبهم هذا ينال من أنظمتها، كما هي مفهومة بشكل عام. إنه ينقص من التنبؤ بشأن الكيفية التي ستحكم بها المحاكم في أي نزاع، لأن القضاة إنما يفرضون قيمهم الخاصة، وأفضلياتهم ونزواتهم، بحيث يسيؤون استخدام سلطتهم ويفتقرون إلى المساءلة. وبذلك، سوف تصاب ثقة الناس بالمحاكم بنكبة كبيرة وخطيرة. العدالة تستخدم، أكثر ما تستخدم، في إطار النظام القانوني المعني بتوزيع العقوبات أو المكافآت نتيجة للأعمال الخاطئة، التي تعتبر خرقا لها، وتخصيص التعويض لقاء ما يحل من إصابات وأضرار. وتعتبر الهيئات القضائية معنية بتنفيذ العدالة. القانون نفسه ليس عادلا بالضرورة. إذ يمكن انتقاد القوانين على أساس أنها غير عادلة، على أنها لا تعامل الناس معاملة منصفة. النظام العدلي معني بتحديد وتطبيق الأنظمة الإجرائية المقبولة على نطاق واسع. هذه الأنظمة تقع في نطاق حكم القانون. إلا إن النظام القضائي يملك السلطة للتعامل مع الناس بطرق تعتبر في ظروف أخرى غير عادلة، وبسبب الأخطار الكامنة في مثل هذه السلطات، فإن العملية نفسها يجب أن تتبع أنظمة صارمة. أحد الأمثلة هو حيادية العدالة، أي أن لا يكون القضاة متحيزين، أو أن يأخذوا جانبا دون الآخر. القدرة على أن يعيش الإنسان حياته الذاتية بحرية وأن ينشد السعادة بطريقته الخاصة . العدالة تتمحور حول القوانين التي توزع العطايا والعقوبات، وهدفها إعطاء كل ذي حق حقه. وهذا يشمل، ليس فقط السلع المادية، ولكن أيضا، أي شيء يمكن توزيعه، مثل الحرية والحقوق. يجب أن لا نخلط بين العدالة، وبين ما هو صحيح أو جيد أخلاقيا، وهو ما يتم كثيرا. قد يسلك إنسان سلوكا قد يعتبره الآخرون غير أخلاقي، ولكنه لن يعتبر سلوكا غير عادل. التحديد الأساسي هو حول القوانين والأنظمة، وكيفية تطبيقها.
العدالة لا يمكن أن تكون مرتبطة بالنتيجة أو بالتوزيع المبرمج الذي هو هدف في نظريات العدالة الاجتماعية. وهكذا، فإن نظرية العدالة التي تطبق على التوزيع المادي تستند إلى نفس المبادئ التي تحكم العدالة في أحوال أخرى. إنها تتعلق بتطبيق أنظمة منصفة. إنها نظرية إجرائية للعدالة التي تسمح للأفراد بمتابعة متطلباتهم وحاجاتهم كما يفهمونها، شريطة أن يعطوا الاحترام ذاته لحقوق الآخرين. كان الفلاسفة الإغريق على حق عندما اعتقدوا بأن العدالة هي أساس المجتمع الصالح. لذا، فإن من المفهوم أن تسعى مجموعات جميع الفرقاء إلى استخدام لغة العدالة للترويج لرغباتها في أخذ السلطة وتوزيع الثروة. إن المطالب الخاصة بالعدالة الاجتماعية تشكل تهديدا خطيرا للعدالة الحقيقية وللمجتمع الحر، ويجب أن تقاوم بشدة. والالتزام بالعدالة يتطلب رفضاً لهذه النظرية. تختلف أهداف الفرد الخاصة بحرية باستخدام معلوماته ومهاراته الذاتية عن أهداف الآخرين. أكثر محاولات تطبيق قواعد العدالة بالنسبة لتوزيع الدخل والثروة صرامة وضعت في كتاب ألفه أستاذ الفلسفة في جامعة هارفارد روبرت نوزيك، وعنوانه “الدولة واليوتوبيا.” فقد كتب انتقادا لاذعا لنظريات العدالة الاجتماعية. وقد قدم في كتابه صيغة حديثة للنظريات التقليدية أسماها “نظرية الاستحقاق في العدالة”، وأوضح أن توزيع الملكية يكون عادلا إذا نشأ من امتلاك عادل، وتوزيع عادل للملكية، خاليين من القسر أو التزوير. فإذا لم تنكر أي حقوق، تكون العدالة قد تحققت. لذا ليس هنالك من مبرر أخلاقي لإعادة توزيع الثروة الدخل على نطاق واسع، شريطة أن يكون التملك قد تم أصلا بطرق صحيحة وعادلة. إنك تستحق تملك ما تنتجه أو تحوز عليه طوعيا. المجتمع الـ”عادل” بالمعنى الصحيح يمكن أن يضم أشكالا عديدة من توزيع الثروة، لأن السؤال المهم هو: كيف نشأ التوزيع، وهل احترمت الحقوق أم لم تحترم. إنها نظرية إجرائية، تستند إلى مفهومنا التاريخي للعدالة. العدالة الاجتماعية هي الآن شعار رابح في السياسة لأنه يعطي السلطة للدولة وإلى أولئك الذين يمسكون بزمامها، لتقرير من يأخذ ماذا. والمبادئ البديلة التي يبنى على أساسها التوزيع نادرا ما يعبر عنها بجلاء. إن العدالة الاجتماعية هي أكثر ما تكون شعارا لزيادة عدم الرضا والاستيلاء على السلطة، مما هي تقييم حول كيفية إمكانية تحقيقها. النظم الاجتماعية المعقدة تحتاج إلى حرية العمل لأن المعلومات والمعرفة التي تجعلها فاعلة لا يمكن جمعها من قبل سلطة مركزية. الحرية أساسية في عملية تحقيق نظام تلقائي في المجتمع، لأننا لا نعرف مسبقا ما هي القوانين التي سوف تكون ملائمة، لأن الحرية أساسية في عملية التجربة والخطأ لمعرفة ما هو الناجع وما هو غير الناجع، ولأن القوة الخلاقة للإنسان لا يمكن أن تتحقق إلا في مجتمع تكون فيه السلطة والمعرفة موزعتين توزيعا واسعا. عنصر أساسي لتقدم أي مجتمع تقدما منتظما هو توزيع السلطة بين المواطنين، بدلا من تركيزها في أيدي الدولة. هذا يسمح للمجتمع بالتجارب فيما يتعلق بالأنظمة والقيم التي تحكم سلوكه. وبينما يحد هذا النظام من التجربة والخطأ من تأثير الهفوات، إلا على فئة صغيرة من المجتمع، فإنه يسمح للقوانين التي ترعي العدالة بأن تراعى وأن تقلد، وإذا نجحت، بأن تصبح جزءا من النسيج الاجتماعي للمجتمع الحر. المغامرة وكسر القانون هما مستحيلان فعليا في مجتمعات ريفية صغيرة متماسكة، ومع ذلك فإنهما أساسيان لحفظ الناس في المجتمعات الضخمة في الحياة العصرية. تلك النشاطات لا يمكن أن تتم إلا إذا كانت السلطة موزعة بين السكان، وليست مركزة في أيدي حكومة مركزية. في المجتمع الحر، تكون حياة الناس خاضعة لحد أدنى من الإكراه من قبل الدولة، ولكنها ليست فوضوية متسيبة. وفي الحقيقة، فإن الحياة في المجتمع الحر يمكن أن تكون قاسية، لأنها ترغم الأفراد على التأقلم مع احتياجات الآخرين. المجتمع الحر يعمل بنجاح لأنه ينسق بين تلك الرغبات المتعارضة عن طريق خلق دوافع للناس، لتلبية رغباتهم الذاتية، عن طريق تلبية رغبات الآخرين. هذا هو عكس المجتمع الفوضوي الذي لا يحقق فيه الفرد طموحاته إلا على حساب الآخرين. وكما قال آدم سميث، فإننا مدفوعون لخدمة حاجات الآخرين، في الوقت الذي نتابع فيه خدمة أهدافنا الذاتية، وكأن ذلك يتم بيد خفية. هذا النظام المعقد الذي يوفق وينسق بين الرغبات المتضاربة للناس، الذين يختلف بعضهم عن بعض، يمكن أن يكون في بادئ الأمر مدعاة للغموض والالتباس. إن أمن البشر ورخاءهم يعتمد على بعضهم بعضا، وفي المجتمعات الحرة يتجاوز التقدم بمراحل تلك الأمم حيث الصراعات تبرز الخلافات في العقائد. تلك الخلافات تحل سلميا ولفائدة الجميع وتصبح جزءا من الإطار الأخلاقي المتوارث. إن غياب هذه الآلية لنقل القيم الأخلاقية في المجتمعات غير الحرة هو أحد الأسباب التي تؤدي إلى النزاعات الدينية والاجتماعية والتي تتسم بها المجتمعات التي لم تعرف الحرية أبدا.
ينبغي أن يتمكن الإنسان من أن يعيش حياته وفق ما يختار، شريطة أن يحترم حقوق الآخرين. وقد جاء في الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان عام 1789 ما يلي: “الحرية السياسية هي القدرة على عمل المرء ما يريد دون إلحاق الأذى بغيره.” إن التمتع بالحقوق الطبيعية لكل إنسان ليس له أي قيد، ما عدا ما هو ضروري لتأمين أن كل شخص آخر يمكنه التمتع بنفس الحرية في ممارسة الحق ذاته. وبما أن الحرية تعني عمل ما يريده أي إنسان، شريطة التقيد بحرية الآخرين، فإن من المستحيل تعداد كل حق في الوجود. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يحدد بعضا مما يعتبره مهما منها، مثل حرية تنقل الناس، داخل وخارج بلدهم , الحق في الزواج وإنشاء عائلة , وحق حرية التفكير، والضمير والدين , وحق حرية التعبير والرأي , وحق التجمع السلمي وتأليف الجمعيات. إن التمتع بالحقوق الطبيعية لكل إنسان ليس له أي قيد، ما عدا ما هو ضروري لتأمين أن كل شخص آخر يمكنه التمتع بنفس الحرية في ممارسة الحق ذاته. وبما أن الحرية تعني عمل ما يريده أي إنسان، شريطة التقيد بحرية الآخرين، فإن من المستحيل تعداد كل حق في الوجود. بدأ ذكر حقوق الجماعات في ميثاق الأمم المتحدة في المادة الأولى التي جاء فيها: “لجميع الشعوب الحق بتقرير المصير.” وتقول المادة (25) “حقوق جميع الشعوب في الموارد الطبيعية والثروات.” وقد انعكس ذلك في ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية حول حقوق الإنسان والشعوب في عام 1981، والذي جاء فيه “جميع الشعوب لها حق في المساواة.” وأعلنت منظمة اليونيسكو “حق جميع الشعوب في الاحتفاظ بثقافاتها.” وأعلن ميثاق الأمم المتحدة لعام 1957، حول حقوق القبائل والسكان الأصليين، أن “إجراءات خاصة يجب أن تتخذ لحماية مؤسسات وأشخاص وممتلكات وعمالة تلك الشعوب.” ولا ريب أن مؤتمرات الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان مليئة عادة بالتأكيد على حقوق الجماعات تلك.
هنالك مشاكل عدة فيما يتعلق بمستوى الاحتياجات. أولا، الحقيقة هي أن الاحتياجات يعاد تحديدها باستمرار، لذا فإن من غير الممكن أبدا تحقيق تلبيتها. إنها، أي الاحتياجات، تتجاهل الإطار التاريخي. ما يعتبر حاجة يختلف اختلافا واسعا ضمن المجتمعات، وبين المجتمعات في أطر تاريخية مختلفة. إن وجود الاحتياج لا يعني بحد ذاته خلق التزام على الآخرين لتلبية ذلك الاحتياج.
كان أفلاطون وأرسطو الاكثر اهتماما، بموضوع العدالة، الذي اعتبراه أساسيا لبقاء المجتمع الصالح. أفلاطون وصف العدالة بقوله: “إعطاء كل ذي حق حقه.” بالنسبة لهما، كانت العدالة مرتبطة بقيمة الإنسان. وليس غريبا أن مفكرا مثل أفلاطون كان يعتقد بأن القيمة مرتبطة بالعقل، وهو ما قاده إلى الدعوة بأن يكون الحكم للحكماء. ومنذ ذلك الحين، كان اعتراض المفكرين بأنهم لا يلقوا الاحترام والسلطة اللتين يستحقونها. النشاط القضائي هو واحد فقط من الظواهر المعاصرة للإدعاء بأن العقل يوفر أفضل الأسس للحكم على ما هو عادل. أن تكون الأنظمة والقوانين جوهر العدالة، قد تجسد في رفض سقراط السماح بالاقتراع في منتدى أثينا حول إعدام جنرالات، فشلوا في إنقاذ ضحايا سفن غارقة. كانت وجهة نظره أنه لا يجوز الحكم على أي إنسان دون محاكمة عادلة. فقط، بعد تقديم الحجج الدفاعية عن المتهم، وبعد إعطائه فرصة للدفاع عن نفسه، يمكن فرض الأحكام. وفي القرون الوسطى، كان ينظر إلى العدالة بأنها أعظم الفضائل السياسية، حيث أن المجتمعات تتمتع بالسلم والرخاء، إذا كان حكامها عادلين. وقد ركز عصر النهضة الإسكتلندي على اكتشاف وبلورة قوانين العدالة، على أنها احترام حقوق الإنسان. أدى ذلك إلى وجوب وضع أنظمة واضحة ومحترمة، يخضع لها الجميع لأنهم يشعرون بأنها عادلة.
هنالك قوانين محددة للعدالة الطبيعية، يتوجب على واضعي القوانين اتباعها. إنها تشمل التأكيد والاستقراء واستبعاد التطبيق الرجعي والوضوح والاستقرار وعدم وجود قوانين تتطلب المستحيل وافتراض البراءة حتى يثبت العكس. اليقين أو التأكد يسمح لنا بتنظيم حياتنا بمعرفة أنه إن لم تحترم حقوقنا من قبل الآخرين، فإننا نستطيع اللجوء إلى القانون، والسعي لتحقيق العدالة. قانون الشركات، مثلا، يعلمنا ماذا يتوجب علينا عمله لإقامة الشركات وتشغليها. فإذا كان أحد مدينا بمال للشركة، أو إذا خالفت الشركة عقدا، فإن أمام الفرقاء اللجوء إلى القانون لأنها تملك صفة قانونية ويملك مدراؤها حقوقا ومسؤوليات قانونية. إذا كان للأفراد أن يتخذوا قرارات على أساس القانون، يتوجب عليهم التنبؤ بالأفعال التي تعتبر مخالفة للقانون. فإذا كانت القوانين في مثل هذه الدرجة من عدم الوضوح، أو أنها تكون خاضعة لدرجة عالية من الاجتهاد، لن يكونوا قادرين على التصرف، واثقين بأنهم في أفعالهم تلك لا يخالفوا القانون. واجبات القضاء هو تنفيذ القوانين ضد الحكومة. لذا، يتوجب أن يكون القضاة مستقلين عن الحكام. وهذا يعود إلى نظرية فصل السلطات: أن تكون هيئات مختلفة مسؤولة عن صياغة القوانين (الهيئة التشريعية)، وتنفيذ التشريعات (الهيئة التنفيذية)، والحكم حول القوانين (الهيئة القضائية). إن استقلال القضاء بفعل العملية التي يتم بموجبها تعيين القضاة، وتثبيت نظام مدة الخدمة، يجعل من الصعب على الحكام إخراجهم من مناصبهم. وتوضع القيود على النشاطات السياسية للقضاة للحيلولة دون وقوعهم تحت تأثير الآخرين، أو تأثير النفوذ السياسي. يجب أن يقوم القضاة بأعمالهم على أساس مبدأ الحياد، وأن لا يكون لآرائهم السياسية أو مصالحهم أي تأثير على سلوكهم المهني كقضاة. بهذا المعنى يجب أن يكون القانون بمنأى عن السياسة.
الأحكام التي تضبط الحكومة يمكن إيجادها في أماكن عدة. يجب أن يتمتع القضاة بسلطات المراجعة القضائية، أن يتفحصوا إجراءات الحكومة، وأن توضع التشريعات لضمان مطابقتها لمستويات حكم القانون. يستطيع القضاة أن ينظروا إلى ثلاثة مراجع لتقييم تلك الأفعال: أحد المصادر هو الدستور المدّون والمصنّف، لذا فإن دعاة حكم القانون هم عادة دعاة الدساتير المكتوبة. الهدف من حكم القانون هو حماية الفرد. ليس من شيء يميز المجتمع الحر من المجتمع غير الحر أكثر من حكم القانون. الفرق بين حكم القانون والسلطة العشوائية هو كبير، كالفرق بين لوحة تدلنا على أي طريق نسلك للوصول إلى هدفنا المنشود، وبين مرسوم حكومي يحدّ من حرية تنقّلنا بإبلاغنا أين يجب أن نذهب ومتى يجب أن نسافر. النظام كان دائما الشغل الشاغل المركزي للمفكرين السياسيين والفلاسفة على مر العصور. إنه يفهم على نطاق واسع اليوم على أنه حالة من الانسجام بين الناس، أو ما يسمى بالسلم الاجتماعي. في فترة ما قبل العصر الحديث، كان مفهوم النظرية هو الحفاظ على نظام مستقر هيكلي. النظام يمكن النظر إليه كوجود للتنظيم والتتابع ومعرفة العواقب في الشؤون الإنسانية، وغياب الفوضى. ومع أنه لم يعد مرتبطا بمجتمع جامد يتسم بالسلطة والامتيازات الطبقية، فإن فكرة النظام ما زالت تثمن تثمينا عاليا. ذلك لأنه يسمح للناس ذوي المصالح المختلفة والقيم المختلفة من العيش معا في مجتمع، دون اللجوء إلى الانشقاق والنزاع أو الحرب الأهلية. هذا هو المفهوم الحديث للنظام التلقائي. ان تطور المؤسسات البشرية قد أتاح للأفراد خدمة الآخرين على الرغم من أن دوافعهم كانت المصلحة الذاتية، كانت في صلب عصر التنوير الاسكتلندي الذي نما حول مفكرين من أمثال آدم سميث وديفيد هيوم وآدم فيرجسون. وقد سعوا لتطبيق هذه النظرية على مجموعة عريضة من المؤسسات البشرية، بما في ذلك التجارة والقانون واللغة والأخلاق البشرية، وحتى القيم والعادات.
القوانين يجب أن تكون عامة ومطلقة، وموجهة للجميع، ولا يمكن أن تكون موجهة لأشخاص بعينهم أو لجماعات. يجب أن تكون عالمية التطبيق بالتساوي، ودون تحيز بين الأفراد والجماعات. يجب أن تستجيب لثلاثة شروط: التطابق بين القضايا المتشابهة؛ الحياد، أي أن تطبق على الذات مثلما تطبق على الآخرين؛ والحياد الأخلاقي، أي أنها لا تميز بين النظريات المختلفة فيما يتعلق بالحياة الجيدة. وكتب هايك يقول: “إذا كان كل ما الحكومي يتطلب أن يطبق على الناس والممتلكات في أماكن معينة، وبأوقات معينة. ففي المجتمعات الخاضعة للتخطيط، يتوجب على الحكومة تحديد وإصدار الأوامر إلى أناس أو جماعات معينة. بينما يتطلب المجتمع الحر القانون لتنفيذ العقود وحماية حرية الأفراد. لذا، فإن الأسواق الحرة تتطلب إطارا قانونيا للعمل. ففي غياب مثل هذا الإطار يكون متاحا أمام جماعات قوية مثل المافيا المجال لاستغلال الآخرين.
إن من الأمور الأسهل تدميرا المقومات الأخلاقية للمجتمع، من بنائها بعناية وتوريثها جيلا بعد جيل. وليس هنالك أي شك بأن الحرية لن تدوم، ما لم يتم البدء في ذلك. هذا يعني أنه يجب أن يكون الناس أحرارا في شؤونهم الاقتصادية، وفي نشاطاتهم الدينية، وفي حياتهم العائلية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here