تمثل شريان حياة في العاصمة العراقية ولم تشهد توجهاً حقيقياً لتطوير واقع الحياة فيها
على الرغم من محاولات القادة العراقيين تحسين واقع سكانها منذ خمسينات القرن الماضي عبر سلسلة من المشاريع والتوسع السكاني، الا أن مدينة الصدر في شرق العاصمة، التي حملت اسم رئيس النظام السابق صدام حسين و”الثورة” من قبل زعيم انقلاب 1958 عبد الكريم قاسم والرافدين من قبل حكومة عبد السلام عارف، لم تشهد سوى تراجعاً مستمراً في جميع مجالات الحياة.
فالمدينة التي تعددت تسميتها مع تغيير الأنظمة والانقلابات العسكرية في العراق ويبلغ سكانها حالياً نحو أربع ملايين نسمة تُمثل شريان حياة في العاصمة بغداد، لم تشهد توجهاً حقيقياً لتطوير واقع الحياة فيها منذ تأسيسها عقب انقلاب يوليو (تموز) في 1958 من سكان “الصرائف” (بيوت من طين) في عدد من مناطق العاصمة والذين أغلبهم من الفلاحين الفقراء الذين هربوا من تراجع مستوى الحياة في مدن الجنوب العراقي قبل سقوط النظام الملكي.
وإثر انشغال العراق في حروبه ومشاكله الداخلية لم تتم أي تنمية حقيقية في المدينة التي تُمثل تأثيراً سياسياً واقتصادياً مهماً في العاصمة وعدد آخر من المدن العراقية ذات الغالبية الشيعية، فهي رغم كونها منبعاً للمثقفين والشعراء والفنانين الا أنها تُعد قاعدة مهمة لرفد القوات العراقية بعناصره وأيضاً المليشيات بأفرادها الذين يحاربون داخل وخارج العراق.
إفشال “10 في 10”
وحاولت الحكومات العراقية بعد عام 2003، إيجاد خطة واضحة لتطوير وتأهيل المدينة من خلال مشروع “10 في 10” في عام 2008 الذي يتضمن إنشاء أحياء سكنية جديدة على جانبي قناة الجيش شرقي العاصمة بهدف هدم بعض أحياء المدينة وتطويرها تدريجاً الا أن المشروع أُفشل من قبل القوى السياسية الشيعية والعشائر لاعتبارات انتخابية وقبائلية، إذ أُعتبر تهديداً لوحدة المنطقة دينياً وعشائرياً من قبل هذه الجهات مما يقلل من نفوذها بشكل كبير.
90 ألف وحدة سكنية خلال سنوات
وأعلنت الحكومة العراقية عن خطة طموحة لتطوير مدينة الصدر وتحسين واقعها الخدمي من خلال إنشاء 90 الف وحدة سكنية على مدى ست سنوات وفتح طرق جديدة محيطة بها لتوسيعها باتجاهات مختلفة تضمن فك الاختناقات الحاصلة فيها من جراء التوسع السكاني الهائل فيها والتجاوزات الكبيرة والتي أبتلعت أراضي الدولة بشكل كامل في المنطقة وبلغت حتى الاستيلاء على أراضي الاستكشافات النفطية في محيط المدينة من دون تحرك حكومي جاد.
خطة حالمة
ويمكن القول أن الخطة الحكومية قد تكون حالمة لكُون المنطقة تعد مركزاً لنفوذ المافيات والعصابات والمليشيات المسلحة التي ترفض أي تغيير في شكلها الحالي لأسباب سياسية وانتخابية واجتماعية.
يشير الخبير الاقتصادي صالح الهماشي إلى أن مجموعة من المشاكل قد تعرقل بناء المشروع منها توفير الخدمات والمياه والاراضي، فضلاً عن نفوذ المافيات والعصابات في المنطقة، مرجحاً وجود أهداف انتخابية خلف إعلان المشروع.
ويضيف الهماشي أن “العراق يعاني من مشكلة الخدمات والسكن والحكومات تناغم الشعب في هذين القطاعين لاستغلاله انتخابياً، لا سيما وأن المدينة الأكثر ضرراً في تلك القطاعات وهي تركز في دعايتها على هذه المناطق”، لافتاً أنه قبل الانتخابات نسمع بمثل هذه الوعود من قبل الجهات الحكومية والأحزاب للتركيز في دعايتها الانتخابية.
إسكان عدد ضخم جداً
ويشير إلى أن بناء 100 ألف وحدة سكنية يحتاج إلى الكثير من الخدمات من ضمنها بناء بنى تحتية من صرف صحي ومنظومة مياه، إضافة إلى بناء مدراس وأسواق، مبيناً أن هذه المناطق تعاني من مشاكل في هذه القطاعات، لاسيما وأن بناء هذا الكم الكبير من المساكن سيعني إسكان 500 ألف شخص في أقل تقدير وهو عدد ضخم جداً على خدمات المنطقة.
ويشير إلى إمكانية نجاح المشروع لو كانت هناك نية صادقة فإن هذه التجربة قام بها النظام السابق من خلال البناء العمودي في مناطق قريبة من مدينة الصدر مثل مجمع الحبيبية والطالبية وقد شهدت إقبال من قبل أهل المدينة.
ويبين الهماشي أن الأحياء الفقيرة تتركز فيها العصابات والمافيات وبعض الجهات المسلحة التي ستلعب دور كبير جداً في التأثير على مثل هذه المشاريع، لافتاً “حتى لو كان هناك جدية لبناء المشروع فإن العصابات والمافيات ستقف بوجهه لإفشاله”.
مشروع تخديري
من جانبه يرى الكاتب والصحافي علي بيدر أن هذا المشروع يندرج ضمن البرامج “التخديرية” التي تطرح بعد الأزمات، مشيراً إلى أن هذه المشاريع ستكون باهظة الكُلفة وغير مجدية.
ويضيف البيدر أن “مثل هذا المشروع من الصعوبة تنفيذه خصوصاً أنه يصطدم مع واقع التخطيط العمراني ولو أرادت الحكومة أن تنفذ مشاريع خدمية عليها ببناء مشاريع جديدة بعيدة عن الأماكن المكتظة بالسكان وستكون أقل كُلفة وأكثر نفعاً”، مرجحاً أن يشوب هذا المشروع لو نفذ الكثير من الفساد.
ويدعو البيدر إلى ضرورة إنشاء مشاريع ناجحة كما هو الحال بمشروع “بسماية” (أحد المشاريع السكنية الكبيرة في أطراف بغداد الشرقية)، وبعض المشاريع الأخرى في كردستان مع تقليل تكلفته، موكداً أن العراق بيئة غير آمنة على المستوى الاستثماري وهناك ضغوط سياسية ومسلحة تُلقي بظلالها على الجانب الاقتصادي وتعرقل البيئة الاستثمارية.
ويرجح أن لا تأتي الشركات العالمية للعراق لبناء مثل هذه المشاريع وإذا أرادت القدوم ستنفذها بطريقة الإحالة والمقاول الثانوي، وهي بدورها لا تملك المؤهلات لتنفيذ هكذا مشروع وسيكون للسلاح بصمة في تبديده وفشله.
ضرب من الخيال
مواطنون من أهالي المدينة، التي تعاني من خدمات في بنيتها التحتية وواقعها المعيشي السيء للغالبية العظمى من سكانها، يرون المشروع أنه ضرباً من الخيال ومادة للاستهلاك الإعلامي.
يقول هادي عبد الحسن من سكان المنطقة (40 سنة) إنه سمع عن هذه المشاريع كثيراً الا أن جميعها لم تأخذ طريقها للتطبيق وأن القائمين عليها اكتفوا بالمؤتمرات والندوات وجمع ممثلين عن سكان المنطقة”، مضيفاً “كان الأجدر أن ينظفوا المدينة ويعيدوا بنيتها التحتية بدل بناء مساكن جديدة لن تطبق”.
ويشير قبل عشر سنوات “جاءنا عدد من المسؤولين يشرحوا لنا مشروعاً قالوا إنهم سينفذوه ويتلخص بإعادة بناء مدينة الصدر خلال عشر سنوات بطراز معماري جديد إلا أنه لم ينفذ المشروع على أرض الواقع وسيكون مصير هذا المشروع كسابقه”.
وتبلغ مساحة مدينة الصدر نحو 13 كم وتتقسم على 79 قطاع سكني وأغلب منازلها لا يتجاوز مساحتها الـ 144 متراً، ويسكن كل منزل حالياً عدة أسر وقسم الكثير منها ليصبح بعضها أصغر من 60 متراً.