معذرة من القلب لمملكة الحشرات وأخص الـ”مغزل دادا والفراشات”!!

معذرة من القلب لمملكة الحشرات وأخص الـ”مغزل دادا والفراشات”!!

احمد الحاج

قبل أيام دار حديث شائق في جلسة ماتعة مابعد الغداء عن أسباب إنقراض الفراشات الجميلة اسوة بالزهور الاجمل في عموم مراكز المدن المكتظة وبالأخص العاصمة الحبيبة بغداد، وقد ادلى كل صديق خلال الجلسة بدلوه ، منهم من قال بأن السبب الكامن وراء تناقص الحشرات هو تراجع المساحات الخضراء والتي كانت مرتعا لهذه الحشرات على اختلاف انواعها ..منهم من عزاها الى قلة الحدائق الغناء والمتنزهات العامة والزهور بأنواعها…منهم من ارجعها الى تجريف البساتين وتحويل جنس الاراضي الزراعية الى سكنية ..منهم من علل أسباب تناقص الحشرات بكثرة استخدام المبيدات الحشرية والاسمدة الكيماوية والمعقمات وأنواع المعطرات “جسم -جو” اضافة الى دخان عودام المركبات والمولدات ..منهم من جنح قليلا في عالم الخيال العلمي وارجعها الى كثرة ابراج الاتصالات والنت والجيل الرابع متأثرا بسلسلة افلام ماتريكس وحرب النجوم والحديقة الجوراسية ..وهكذا دواليك والسبب في اثارة الموضوع برمته كان صحفيا بحتا وذلك بعد ان اقترح احد الزملاء الاعزاء استحداث باب ثابت – صفحة جديدة – في مجلة ثقافية منوعة يعنى بالطبيعة وعالم الحيوان لكثرة ما يشاهد من حلقات الناشيونال جيوغرافيك على اليوتيوب وكلها تدور حول المحميات الطبيعية وغابات الامازون ..ولكثرة تردده على حديقة الزوراء لاسيما ” حديقة الحيوان” منها حيث الاسد المسكين – عاثر الحظ – الملقب بملك الغابة نائم منذ جلبه مكبلا كالعبيد بالاصفاد من مجاهل أفريقيا اسوة بالنمر والفهد الى بلاد ما بين- النارين – بليلة ظلماء افتقد فيها البدر ، ينام المسكين لعام كامل لعل الاوضاع تتحسن في بلاد ما بين الحربين ، ثم يصحو من رقدته الطويلة فجأة فيسأل- ها بشروني ، استعدلت اوضاع هذا البلد لو لا …هل اعلنوا عن نتائج التحقيقات في اسباب سقوط الموصل ؟ هل كشفوا المتسبب بحادث جسر الائمة ؟ المتورط بأغتيال هشام الهاشمي ؟ بإختطاف واغتيال النشطاء ؟ عن مصير المفقودين والمختفين والمغيبين قسرا ،عن المتورطين بالمقابر الجماعية ، عن حرائق السايلوات والاسواق التجارية والطوابق المخصصة للعقود حصرا ، عن تجار المخدرات ، تجار الاعضاء البشرية ، تجار السلاح ،تجار الاثار ، تجار البشر ، عن سراق المال العام والخاص ، عن قادة عصابات النشل والتسول ،عن عصابات القمار والتزوير، أم لا ؟ فتقول له حبيبته اللبوة وقد اعتراها الهزال الشديد فصارت اقرب الى – بزونة – مزابل منها الى زوجة ملك الغابة من شدة القهر والضيم والكآبة – نام يا حبيبي ..ناااام – هذا البلد ما تستعدل أموره ولن يكشف النقاب عن نتائج ملفاته التحقيقية المتكدسة ولن يحال فيه الفاسدون والمفسدون في الارض الى القضاء ، حتى لو ان الاسود كلها صارت نباتية وباتت تأكل السبيناغ مع البصل والكرفس والمعدنوس بالخبز اليابس ، بدلا من لحوم الثيران والغزلان والحمر الوحشية كما كانت تفعل في الغابات ايام العز الغابر الم تسمع قول قائلهم مع بعض التحريف للضرورة الزمكانية :
تموت الأسد في – الاقفاص – جوعاً …ولحم الضأن تأكله الكلاب !!
وصل الدور اليَّ لأدلي بدلوي فتداعت الى ذهني صور تلكم الحشرات الجميلة التي كنا في فترة المراهقة المتهورة نطاردها – ولا ادري لماذا -بما يعرف بلعبة صيد الفراشات في فصل الربيع ومن ثم العمل على – تحنيطها – او تصبيرها كما يعرف علميا ، في البوم خاص معد لهذا الغرض شبيه بألبوم الطوابع البريدية حتى يقال عن واحدنا – لك دير بالك منه تره هذا مثقفففف ..هذا عنده البوم طوابع بريدية + البوم فراشات + البوم صور + سلسلة من مجلة سمير ومجلتي والمزمار والمعرفة وريدرز دايجست – المختار – والعربي + بندقية صجم – هذا شبيه أنديانا جونز وخليفة توماس اديسون، لك هذا يسمع البيتلز وآبا والبيجيز وديميس روسوس ، وخوليو ، وبوني ام ، وبالاخص اغنية دادي كووووول – واشد ما كان يحزنني الى يومنا هو فقدان تلكم الفراشات الجميلة لحراشفها ولألوان اجنحتها الزاهية ومن دون ذنب جنته بما كان يفقدها جمالها الرباني بعيد القاء القبض عليها بتأثير الشائعات والدعايات المغرضة ودعاوى مؤلفات علماء الاحياء والفلك الكيدية لاسيما اولئك المؤمنين منهم بنظرية الانفجار الكوني الكبير ، وبنظريتي التطور والنشوء والارتقاء ممن يعشقون ارجاع اصل الانسان الى قرد – في عصر الديناصورات التي ابادها النيزك المرتطم بالارض فهلك وأنقرض الاقوى وظل الاصلح ..انقرض الـ تيرانوصور ، وظل الصرصور!
وتداعت الى ذاكرتي كذلك صور اليعاسيب – مغزل دادا – وكيف كنا نصيدها ونأسرها لمجرد النظر الى اجنحتها واعينها الملونة الكبيرة الساحرة ، لإثبات رجولتنا – امام بنات الثانوية – ساعة انتهاء الدوام،واحدنا يغني ” فاتت جنبنا ..فاتت جنبنا ” ، فكانت اليعاسيب المسكينة تموت بين ايدينا في الاسر وهي تردد ” اني اتنفس تحت الماء ، وبسبب الغباء ..اني اغرق ،اغرق ،اغرق ” لأنها وعلى النقيض منا ،تعشق الحرية وتأبى العبودية !
كان الزنبور الاحمر او الاصفر واذا ما تجرأ ولسع احد اصدقاء المنطقة عن طريق الخطأ – أو لأن صاحبنا المشاكس جدا – الي ما يكعد راحة ابدا – قد ترك كل شيء امامه ووضع دراجته الهوائية جانبا ثم راح يعبث بكورة الزنابير، فهذا يعني تشكيل وحدات بشرية وتوزيع المهام بين افرادها لمطاردة اي زنبور يمر في اجواء المنطقة كلها ولو مستطرقا في ذلك اليوم – هو المعتدي ، مو هو المعتدي ، ماالنه علاقة بأدوات الحلاقة -اذ لابد من الثأر لصاحبنا المغدور الذي يجلس في البيت بعد تورم المنطقة التي تعرض فيها للسعات وعلاجها بالنفط او الثوم – على طريقة عجائزنا – وكل واحد من – مشاكسي المنطقة – كان يتفاخر بعديد الزنابير التي قتلها بـ – نعاله الصيني ابو الاصبع الذي يلبسه مع البيجاما البازة المقلمة كالحمار الوحشي لزوم الاناقة – انتقاما لصديقه الراقد في الفراش فيما امه تتحدث مع نساء المنطقة كلها وهن يأكلن الكعك المغمس بشاي العصاري المهيل ، عن خبث الزنابير ووجوب التخلص منها للحيلولة من دون تكرار الجريمة النكراء مستقبلا ..هي ما دكول ابني وكح وخبيث ويتعارك ويه ذبان وجهه !
لم يختلف الحال مع الدعسوقة الجميلة والبريئة ذات اللون الاحمر المنقط بالاسود …عن المصيادات وبنادق الصجم التي تستهدف العصافير الجميلة والطيور البريئة للتباهي بقدرتنا على اصابة الاهداف من اول مرة ورمية ..حدث ولاحرج …!
نحن بنو البشر من ابدنا كل ممالك الحشرات والطيور والعصافير والمغزل دادا والفراشات الساحرة الجميلة ..نحن من ابدنا الحدائق التي كانت تسرح وتمرح فيها وحولناها من زراعي الى سكني لننام في جحورها التي لاتتجاوز الـ 50 مترا بإنتظار تشغيل المولدة بعد انطفاء الوطنية وبإنتظار زيادة كمية العدس ضمن ما تبقى من مفردات الحصة التموينية ..نحن الذين احرقنا البساتين والحقول وجرفناها عمدا لاسهوا …نحن من قطفنا الورود والازهار التي كانت تعتاش على رحيقها واقتلعناها اسوة بتأريخنا وحضارتنا ومعالمنا وتراثنا الخالد وامجادنا التليدة من جذورها ومحوناها من الوجود عن بكرة ابيها لنلجأ بعدها الى الثقافات والايدولوجيات والاعراف والتقاليد وووالورود الصناعية المستوردة من الخارج فصرنا نتبادلها فيما بيننا بعيد الام ، عيد المرأة ، عيد المعلم ، عيد الحب ، عيد احميدة ام اللبن ، وعيد ..الشجرة !! فصار حبنا وعشقنا وتراحمنا ومذ قتلنا الفراشات واليعاسيب والدعاسيق وحنطناها كأعيادنا ، كأزهارنا ، كمشاعرنا ،كضمائرنا ،كأفكارنا ، كأخلاقنا ، كواقعنا ، كانتخاباتنا وثقافتنا جلها صناعية ومزيفة ومستوردة …ومصطنعة !
يا ممالك الطيور والازهار والعصافير والحشرات الانيقة الساحرة واخص منها الدعاسيق والمغزل دادا والفراشات ..انا آسف !
الحقيقة لم اكن ارغب بكتابة ما كتبته هاهنا برغم اني قد وعدت رفاق الصينية تحديدا بكتابة مقال اقدم فيه اعتذاري للحشرات لاسيما للمغزل دادا والفراشات ، الا انني -ولا اكتمكم سرا قد استسخفت الفكرة لوهلة صباح اليوم برغم حماسي الشديد لها بالامس ظهرا ، ولكنني وبينما كنت اكتب مقالا لاعلاقة له بالفراشات لامن بعيد ولا من قريب في تمام الـ 11 من ظهيرة اليوم واذا بـ ” مغزل دادا ” يتسلل الى غرفة عملي ويقف على حافة اللابتوب خاصتي لثوان معدودة وهو يحرك اجنحته ولأول مرة في حياتي المهنية كلها ، واظنها الاخيرة ، ثم حلق عاليا وكأنه يقول لي بلسان الحال لا المقال ” وين الوعد وين ..وين الاعتذار وين ..وين الاسف وين ..وين العهد الذي قطعته على نفسك الى رفاقك بالامس وين ..انا والفراشات وكل مملكة الحشرات ننتظر اعتذارك بفارغ الصبر وننتظر منك تقديم اسفك علانية ، لا بصفتك الشخصية فحسب ، وانما بصفتك الاعتبارية كونك تمثل جيلا كاملا كان قد ادمن تشويه الجمال بذريعة المراهقة ، جيل توارث ما قام به من جيل كامل سبقه ، ليورث القبح الى جيل كامل أعقبه..اجيال تلو اجيال كلها اسهمت بإنقراض الحب وتشويه الجمال واقتلاع الزهور وقتل الفراشات فيما لم يتقرب اي منهم لاقتلاع الاشواك ابدا !!
قلت حسبك ” وصلت الرسالة ولا ادري ما الغاية المتوخاة منها كلها وحتى كتابة العبارة المعتادة التي سأكتبها الان ” …اودعناكم اغاتي ” .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here