نوال السعداوي وتمزيق الهوية

نوال السعداوي وتمزيق الهوية

سمير عادل

كُتب الكثير عن رحيل المناضلة الجسورة والثورية نوال السعداوي، وهناك المئات من الأصوات إن لم نقل الآلاف دوت لتدافع بضراوة ضد تخرصات الإسلاميين بمختلف مشاربهم، إذ يتصدرهم أساتذة وأسياد الدواعش في العالم وهم الإخوان المسلمون الذين أفردوا ساعات من فضائياتهم الممولة من دولة قطر وتفرش أراضي إسطنبول لتبث منها، مثل فضائية (الشرق) و(مكملين) وغيرها، إلى جانب تجنيد شبكات التواصل الاجتماعي وإطلاق عشرات الفيديوهات لنشر شماتتهم وبهجتهم برحيل من كانت شوكة مستعصية في أفواههم. ان السجل النضالي لنوال السعداوي يُغني الدفاع عنها ويخرس أي صوت ودون أي عناء أو جهد من أن ينال من مكانتها وتاريخها واعتبارها الشخصي وأفكارها التحررية. إلا أننا في هذا المقال لا نذهب إلى ما ذهبت اليها تلك الأصوات من مقالات وخواطر وأشعار وكلمات وتعليقات بصواب بالدفاع عن نوال السعداوي، بل سنسلط الضوء على أكثر الموضوعات أقضتْ مضاجع الإسلاميين في أفكار وكتابات وتصورات السعداوي.

قبل كل شيء لابد من أن نذكر؛ أن زوبعة الفرح والسرور التي أشعلتها الجماعات الإسلامية بمناسبة رحيل نوال السعداوي هي جزء من إعادة إنتاج وجودها السياسي وبعث أفكارها وتجديد هويتها أمام المجتمع، وهذه الزوبعة هي الوجه الآخر لسياستها عندما تقوم بتفجيرات إرهابية في باريس وبروكسل وإسطنبول والقاهرة وبغداد او الهجوم بالسكاكين على المارة الأبرياء في شوارع إحدى المدن الأوربية، مع الاختلاف بالآليات او طريقة التعبير، أي بمعنى آخر إن ما ذهبت إليه الجماعات الإسلامية من الاحتفال برحيل السعداوي وشماتتهم ليس منبعها أخلاقي أو كما يصورها عدد من مخالفيهم بأنهم عديمو الأخلاق، ببساطة من يقتل الأبرياء ويسبي النساء ويفتخر بوحشيته، وعندما يذبح الأسرى أمام الكاميرات ليبثها مصوريهم على وسائل الإعلام المختلفة دون أي حياء، فلا ينتظر منه أن يكون معياره أخلاقي بالمعنى الإنساني. أي إذا وضعنا المعيار الأخلاقي هو نفسه المعيار الإنساني بالنسبة للحكم على الأحداث والمواقف والأشياء، فإننا بهذا قد ظلَّلنا المجتمع تجاه هذه الجماعات.

ولذلك فإن الجماعات الإسلامية تعتبر الموت حق بنفس القدر يعد كونه قصاص عادل على كل من يخالفها. وليس مهما أن السعداوي أو غيرها ماتوا أو رحلوا عن الحياة بسبب خلل فسيولوجي في جسم الإنسان وخاصة أننا نعرف أن من يصل إلى عمر السعداوي وهي بالتسعين عاما، فلابد من حكم الطبيعة أن يصدر وسيكون ساريا على البشر كما هو على الحيوانات والكائنات الحية وبغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية! ففسلجة الجسم البشري بعد سن الأربعين تتسارع عملية الهدم فيها بوتيرة اعلى بينما تتباطأ عملية النمو إلى حد التوقف بشكل نهائي. إلا أن منهجية الإسلاميين لا تبالي لهذه الآلية او الميكانزيم وحتى الأطباء البشريين منهم، طالما أنها تعمل مع أحد مخالفيهم ومنتقديهم، ويتناسون أنهم هم أيضاً، في طريق الزوال. فقبل ثلاثة عقود من رحيل السعداوي وضعت هذه الجماعات التي تترنح من شدة السعادة اسم السعداوي في قائمتها للتصفيات الجسدية. إلا أنهم لم يفلحوا في تلك المرحلة بينما رحلت عن الحياة اليوم، فلا باس للاحتفال برحيلها، بعبارة أخرى أن عقيدة الموت أو الاستحواذ على حياة الآخرين تعد جزء من منهجية الجماعات الإسلامية، لأنها تريد ببساطة الاستفراد بحياة الدنيا دون أية منغصات، فالرقص على معزوفة الموت جزءا لا يتجزأ من منهجيتهم وعقيدتهم.

السعداوي والنظام القومي في مصر:

نقطة أخرى يجب الإشارة إليها، هي أن السعداوي لم تكن فقط خصما جسورا للتيارات الإسلامية وتقاليدها المنتمية لمرحلة ما قبل الإنسانية وأعرافها الوحشية، بل كان ينظر إلى أفكارها وتصوراتها ومنهجها التحرري في قضية المرأة كونها معادية للنظام القومي الحاكم سواء كان ناصريا أو ساداتيا أو مباركا أو سيسيا. ومن يتابع سيرتها النضالية يجد أن عداء القوى الإسلامية لسعداوي لا يختلف عن عداء القوميين لها إلا من حيث درجة الشدة. فمن وضع السعداوي في السجن هو نظام السادات، وفي عهد مبارك، كانت هناك مطالبات لإسقاط الجنسية المصرية عليها ورفع دعوى الحسبة عليها لتفريقها عن زوجها . وما بين مبارك والسادات هو نفس النظام العسكري الذي مثله عبد الناصر وختمه عبد الفتاح السيسي. وإن من تجرء على حبس السعداوي ورفع دعوى الحسبة عليها لتفريقها عن زوجها، هو نفس القانون الذي فرق حامد نصر أبو زيد عن زوجته أو من وجه تهمة ازدراء الأديان إلى السعداوي، وكل هذه المعطيات تدلل دون لبس او الغرق في اية اوهام، بان القوميين والإسلاميين وجهان لعفونة واحدة تجاه قضية المرأة، ولكن شماتة القوميين في رحيل السعداوي هي الأقل مقارنة بالإسلاميين، لأنه فرصة لتشديد الهجمة الدعائية والسياسية من قبل القوميين ضد الإسلاميين في خضم صراعهم المفتوح على السلطة.

صحيح أن نوال السعداوي لم تدعُ بشكل صريح إلى تأسيس دولة علمانية في مصر، واستبدلت مقولة العلماني بالمدني حيث طالبت بمجتمع مدني ودعت إلى فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، وهذا ما لم يسر النظام القومي في مصر، فالمعروف عن هذا النظام بأنه عبَّدَ الطريق لتقوية الأفكار الإسلامية ومؤسساتها الدينية مثل الأزهر، وهو الذي فرض الدراسة الإجبارية للدين او التربية الاسلامية في المناهج الدراسية بالإضافة إلى بناء الجوامع والمساجد لتصل إلى عشرة آلاف مبنى في زمن نظام عبد الناصر ــ وقد فعل نظام صدام حسين أيام الحملة الإيمانية في عام ١٩٩٦ذات الفعل ــ وحوّل الأزهر إلى غول في المجتمع المصري عبر تمويله ودعمه المادي والمعنوي، ومثلما هو معروف للقاصي والداني عن مناهج الأزهر، تنظر فكريا وسياسيا واجتماعيا لدونية المرأة وتحقيرها، إلى جانب التنظير للإرهاب، وكلنا نتذكر كيف أن الأزهر رفض إدانة داعش بعد السيطرة على الموصل في حزيران من عام ٢٠١٤ بذريعة انهم من نفس الفصيلة، وأنهم كانوا على صواب في قرارهم. ويجدر بالذكر في الوقت الذي كان فيه السفير الأمريكي في القاهرة يجند شباب مصر ويرسلهم إلى محرقة الحرب لنصرة الإسلام وإلحاق الهزيمة بالكفار والملحدين عند دخول الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في نهاية العقد السابع من القرن المنصرم، كان الأزهر يسطّر تنظيراته الفكرية والدينية لتعبئة الشباب (المسلم) وإعدادهم لدائرة تجنيد السفير الأمريكي، وكانت المؤسسة السياسية الحاكمة في حينها تتمركز في الخندق الأمريكي الذي شرع بمنح مالية تقدر ب ٢ مليار دولار سنويا للطبقة الحاكمة في مصر مالية اسوة بإسرائيل بُعيد اتفاقية كامب ديفيد. وهذا يكشف عن الوحدة القائمة بين الأزهر والنظام العسكري القومي المصري، وانهما مؤسسة واحدة للدفاع عن سلطة قهرية ضد المجتمع الذي كان ضحيتها بالدرجة الأولى المرأة، وفي ظل هذا النظام الاستبدادي والقروسطي، وقفت نوال السعداوي لتجابه هذا الكم من الترهات والخزعبلات الفكرية والاجتماعية مدعومة بمجموعة من القوانين التي سنتها الدولة القومية المصرية، ولذلك حرصت الدولة المصرية كمحاكم وقوانين في دعم رجالات الدين والدعاة الإسلاميين وفتاويهم ضد المرأة سواء كان أزهريا أو خريجا من الأزهر لينظم إلى الإخوان المسلمين والجماعات الإرهابية الأخرى. إن السخرية تكمن بأن رجالات الأزهر أو المحسوبين عليهم عندما يصدرون أية أحكام أو فتاوى معاديا لذلك الكاتب أو الممثل أو المنشور أكان مقال او رواية او كتاب لا يوجد هناك قانون يحاسبهم، بينما نجد عشرات القوانين تحاسب كل من انتقد الأزهر أو الدين الإسلامي.

ان الاستدلالات المذكورة تثبت بشكل جازم؛ أن الصراع القائم اليوم بين النظام العسكري القومي المصري وبين الإخوان المسلمين ليس صراعا من أجل تحقيق المساواة والحرية والرفاه، بل صراع بين جناحين من داخل العائلة البرجوازية الواحدة. لبناء نظام رأسمالي يتلاءم مع التغييرات والتحولات الاقتصادية والسياسية العالمية، وإن الدين الذي وقفت نوال السعداوي ضده، لفصله عن الدولة هو الأساس الإيديولوجي لكلا الطرفين، وهذا يفسر سن قانون (ازدراء الأديان) في عهد السيسي للجم التيار التحرري الذي كان العصب الرئيسي في الثورة المصرية والحيلولة دون التفكير بصوت عالي لضرب معاقل التخلف والرجعية والاستبدادية التي يستند عليها النظام القومي العسكري المصري. بينما يتفق الطرفان على تشديد ظروف عمل العامل، فنجد أن نظام السيسي أول من فرض المحاكم العسكرية على العمال في حال أي اعتراض أو احتجاج يوقف دولاب العمل ويؤثر على أرباح المؤسسة العسكرية التي تمسك بكل مفاصل المجتمع وهي الممثلة الرسمية للبرجوازية في مصر، وطبعا إن استعباد المرأة جنسيا واقتصاديا واجتماعيا بقدر ما انه يخدم بقاء الدين الإسلامي والدفاع عنه كايدلوجية لتخدير المجتمع اذا لم نقل تضليله وجزء من سياسة سحب النفوذ الاجتماعي للإسلاميين، فإنه بنفس القدر أيضاً يعتبر التمييز ضدها وإبقاء مكانتها الدونية على جميع الصعد بما يدر ربحا إلى خزينة الدولة البرجوازية، هذه الوحدة بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية هي من وقفت ضدها نوال السعداوي.

السعداوي و الهوية عند الإسلاميين:

إن منهجية استعباد المرأة هي مسالة هوياتية بالنسبة للإسلاميين، ــ وليس مهما من قال إن الإسلام أعطى حق المرأة ولكن هذه الجماعات “المتشددة” شوهوا الإسلام، أو أن الإسلام المحمدي لم يكن هكذا، أو أن الحجاب غريب عن الإسلام وإن محمد لم يدعوا إلى حجاب النساء ولكن خص زوجاته، أو أن الحج تقليد وثني كما تصفه نوال السعداوي في كتاباتها، أو يذهب بعض الكتاب أن تاريخ الإسلام هو مختلق وليس هناك دين اسمه إسلام وكل القصص والروايات عن الإسلام وأبطاله من نسيج الخيال، كل هذا لا ينهي تطاولات الارهاب الاسلامي وادواته ومذاهبه في المجتمع وبغض النظر عن صحته من عدم صحته ــ فالمهم اليوم هناك صراع بين جناح متمدن وإنساني و تقدمي وتحرري وجناح اخر رجعي ووحشي ولا يمت بأية صلة إلى الإنسان والإنسانية، وقضية مساواة المرأة التامة مع الرجل تطرح نفسها بقوة في خضم هذا الصراع في المجتمعات البشرية وخاصة في المجتمعات التي وجدت الجماعات الإسلامية البيئة الخصبة لحضانتها. أي أن ميدان المواجهة اليوم مع تلك الاجنحة الرجعية الاسلامية هو ميدان السياسة وهو الذي يحسم وجود الإسلام السياسي الفكري والاجتماعي في المجتمع، مع التأكيد على اهمية النضال الفكري ضد الايديولوجية الإسلامية لهذه الجماعات.

إن الحفاظ على دونية المرأة جزء من الهوية الأيديولوجية والسياسية للقوى الإسلامية بمختلف تصنيفاتها سواء كانت سنية أو شيعية، متشددة أو معتدلة، متطرفة أو مهادنة، من هنا علينا البحث في ثنايا أفكار نوال السعداوي التي اختلفت عن كل الذين هدرت دمائهم من الكتاب والأقلام وحتى الممثلين أو أصدرت عليهم أحكام قاسية من قبل، سواء كجماعات إرهابية أو مؤسسات مثل الأزهر او الدولة المصرية بدءا من علي عبد الرازق وطه حسين ونجيب محفوظ وحامد نصر أبو زيد وفرج فودة والسيد القمني ووحيد حامد وعادل أمام والعشرات غيرهم. إن ما ميز السعداوي عن بقية الكتاب والأقلام المعروفة، انها ذهبت أبعد من مسالة حرية الرأي والفكر والعقيدة والحرية السياسية وتجديد الإسلام، ولذلك نجد شدة غضب المؤسسة الدينية والسياسية والتي تنتج كل لحظة ودقيقة وساعة وبشكل يومي، ثقافة اجتماعية وسياسية معادية للمرأة والإنسان عموما والحط من قيمته عبر وسائل إعلامها واقلامها المأجورة من رجال الدين والكتاب والقوانين الرادعة، نقول شدة ذلك الغضب على نوال السعداوي أكبر من غضبها على بقية الكتاب الآخرين.

ان السعداوي وضعت علامة استفهام عظيمة على انسانية المجتمع برمته، قضية طرحت فيها سؤال واضح وكبير عن مصادر حقانية المجتمع الذكوري والاسس التي تستند اليها؟ وضعت كل الفلسفة والفقه والتاريخ والفكر الاسلامي الذي يبرر استعباد المرأة واستلاب انسانيتها، في محل شك سلبي، وقلبت كل المعادلات الذكورية في المجتمع على راسها. ان السر يكمن في تلك الهجمة على السعداوي، هي انها حاولت تمزيق هوية الاسلاميين، هوية الاستعباد الجنسي للمرأة، وقد نجحت في مساعيها تلك. وأنها لم تقف عند هذا الحد، بل راحت تتحدث بصوت عالي وجريء بأن للمرأة الحق بالمتعة الجنسية كما هو للرجل، وراحت تكشف بشكل علمي في كتبها (الرجل والجنس، المرأة والجنس، الأنثى هي الأصل، الوجه العاري للمرأة العربية) التي كانت مقدمة لهيجان القوى القومية والإسلامية والمحافظة ضد نوال السعداوي، بأن بقدر ما الرجل بحاجة إلى الجنس بنفس القدر أن المرأة بحاجة إلى جنس. وليس هذا فحسب بل ذهبت لتهدم بالمعاول الفكرية والعلمية والاجتماعية الجدار التاريخي المُسلم به للحقوق الاحتكارية للرجل والمجتمع الذكوري، وراحت تعرض تلك الحقانية المزيفة التي انتزعها المجتمع الطبقي إلى هتك واسع. تلك الحقوق متمثلة في قوامة الرجل على المرأة وتعدد الزوجات وغشاء البكارة والختان. فإذا كان للرجل الحق بالمتعة الجنسية المطلقة بتعدد الزوجات، فالسعداوي أثبتت وفي كتبها العلمية أن حاجة المرأة الجنسية متساوية مع الرجل إذا لم نقل هي الأعلى منه، وإن جسد المرأة فسلجيا لا يختلف عن جسد الرجل، وباستدراج منطقي إذا قبل الرجل بتعدد الزوجات فيجب على المجتمع بقبول تعدد الأزواج. إلا أن السعداوي لم تقل ذلك لكن حرضت المجتمع وهزت كل أركانه ووضعت الهوية الإسلامية الذكورية والقائمة على الاستعباد الجنسي للمرأة في مهب الريح.

لقد مسكت السعداوي بمكمن ضعف الإسلاميين، إذ قامت بغزو ملكوتهم الدنيوي ومسكت لا من أيديهم التي توجعهم بل قامت بتوجيه ضربات تحت الحزام، فبدأوا يتلوون من الوجع. وكم من أولئك الإرهابيين كانوا قد غلفوا “عوراتهم” أحسن تغليف عشية قيامهم بعمليات انتحارية للحفاظ عليها واستخدامها في العالم الآخر مع الحوريات ذات غشاء البكارة الرقمي (Digital) التي تلتئم أوتوماتيكيا بعد كل عملية جنسية (انظر الميثولوجيا الجنسية في الإسلام-الحوار المتمدن).

وإذا ما دققنا في موضوعة المرأة والجنس عند كل الجماعات الإسلامية بمختلف مذاهبها، فان إباحة المرأة جنسيا، مسالة محورية في عقائدهم، ولذلك تفرعت منها اجتهادات وتنظيرات لتبرير اشكال من الإباحية الجنسية لصالح الرجل، لصالح المجتمع الذكوري وتحت أسماء مختلفة وهي تعدد الزوجات، الزواج العرفي، زواج المسيار، زواج المتعة.

لقد خاطبت السعداوي بكل صراحة وجرأة المجتمع الذكوري الذي تحرسه المؤسسة الدينية والسياسية، لتقول لهم إن ذكوريتكم لا تؤهل لأن يكون لكم حرمكم، أو حريم السلطان. وان المتعة الجنسية والحاجة الجنسية هي متساوية عند الرجل بنفس القدر عند المرأة. لقد نسفت ملكوتهم الذكورية، بل وحتى بددت أحلام المخدوعين بالحصول على حساب مفتوح من الحوريات في العالم الآخر. فذلك العالم صورتها المؤسسة الدينية، إن المسلم الذي يضحي بنفسه يذهب إليه ولا يعمل ويعيش بعطالة، وان وظيفته الأساسية التي تتحول إلى متعة أبدية هو ممارسة الجنس مع الحوريات بشكل مفتوح (نفس المصدر السابق). لقد هتكت السعداوي بشكل علمي الهالة المقدسة المزيفة على غشاء البكارة، عبر هتكها للفكر الذكوري الذي خلَّد ذلك الغشاء ووضعت طقوس مرعبة عليها بالنسبة للمرأة، فقد قوضت كل شخصية المرأة وكينونتها وكرامتها وحصرتها به. وهكذا تستمر السعداوي بالدفاع عن حق المرأة بالمتعة الجنسية لتشعل حربا أخرى ضد ختان النساء، وهي من الأوائل أعلنت على المجتمع إن الختان مضر بصحة المرأة الجنسية التي ستؤثر بالتالي على صحتها النفسية، كما هو مضر بالرجل أيضا. فليتخيل العالم الذكوري إن المتعة الجنسية أصبح حق النساء وليس حكرا عليه، وهذه ضربة أخرى للمجتمع الذكوري الذي تستر بشكل مباشر وغير مباشر بعباءة الايدلوجية الدينية أو بعباءة التقاليد والأعراف الاجتماعية على حرمان المرأة من حق بالمتعة الجنسية.

إن جسارة نوال السعداوي كامرأة في مجتمع وفي ظل نظام قومي ــ ديني استبدادي قل نظيرها. فهي أول امرأة مسكت بالمعول لتهديم كل التابوهات التي تحط من قيمة المرأة، وهي من مهدت الطريق كي تتحول قضية المرأة في مصر ومنطقتنا إلى قضية عالمية، وتكون مصدر إلهام لنضال الملايين من النساء يدا بيد مع الرجال التحرريين في المنطقة من أجل المساواة الكاملة للمرأة مع الرجل، إنها من مسكت أول معول لتحفز اليوم الملايين من الاحرار لتحمل المعاول كي تهدم كل الأفكار والتصورات والأحكام القروسطية وتعيد بحَمَلَتها إلى كهوف عصور ما قبل التاريخ.

لقد كان جيلنا من المحظوظين، الذي قرأ وتعرف على كتابات نوال السعداوي وعاش عصرها، ونحن مدينون لها لأنها ابصرتنا على قذارة الذكورية للتخلص منها، وكشفت لنا حقيقة مرة وهي بشاعة أن تعتاش على استعباد انسان وتحط من قدره دون اي وجه حق لا يقل باي شيء عقلا وفكرا وعطاءا وانسانية عن الرجل، وهي من سهلت لنا الطريق نحو المضي في طريق النضال من أجل تحقيق الحرية والمساواة ليس للمرأة فحسب بل لجميع أقسام المجتمع.

وعندما يجد اولئك الذين تقمصوا شكل وجلد الانسان، ومن شمتوا برحيل نوال السعداوي، بأن الملايين من مشاعل الحرية والمساواة ترتفع، عندها يدركون أن لحظات النشوة والغبطة التي تمتعوا بها لم تكن أكثر من شهقة الموت؛ موتهم الفكري والسياسي والاجتماعي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here