الانسان والاخلاق !

الانسان والاخلاق ! (*) د. رضا العطار

عندما قال المصلحون: لا تخلقوا ابنائكم بأخلاقكم فأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم … كانوا يقصدون التحولات الأجتماعية التي تظهر في المجتمع و ليست الأداب العامة والأخلاق المرعية، فهذا الركن الرصين لأخلاق الفرد ثابت يلتزم به حيثما و اينما وجد، ومن هنا نستعلم ضرورة تطبيق منظومة اخلاقية مقبولة في قيادة المجتمع تتناسب وطبيعته الأنسانية كما جاء في سورة القصص ( وابتغ فيما اتاك الله الدار الأخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا واحسن كما احسن الله اليك ولا تبغ الفساد في الأرض ان الله لا يحب المفسدين )

ان حكمة هذه الأية القرانية تتجلى في نقاط ثلاثة : الأولى في الجانب الروحي – وابتغ فيما اتاك الله الدار الأخرة – والثانية الجانب المادي – ولا تنسى نصيبك في الدنيا –والثالثة في الجانب الأخلاقي – واحسن كما احسن الله اليك.
اعتقد ان اول صراع اخلاقي فلسفي حدث في التاريخ البشري كان ذلك الذي حدث بين هابيل واخيه قابيل وهذه الظاهرة هي بدابة الصراع في الوجود الأنساني , ففي الوقت الذي قبل هابيل ان يكون مستخلفا على الأرض بما يملك من قيم روحية وفضائل اخلاقية كانت وجهة نظر قابيل على عكسه، انه اراد ان يفرض ارادته على اخيه بالعنف والقوة … ان العنف الذي مارسه قابيل على هابيل هو الرفض المطلق. بينما قابيل كان صلفا عنيدا قاتلا .

فلو شأنا ان نقتحم عالم الأخلاق الرحب، تحدثنا عن العلاقة بين الشرق والغرب ونقصد بالشرق ذالك الجزء من العالم الذي يعتنق الدين الأسلامي بينما نقصد بالغرب المدنية الغربية لا الدين المسيحي . فالشرق الاسلامي وما تعرض اليه من غزوات عسكرية اصبح في النتيجة اسير ظروف اجنبية دخيلة حالت دون امكانية المواظبة على تطبيق النهج الأسلامي بشكله الأول, ونحن اذ نتكلم عن الغرب لا نقصد الغرب المسيحي لأن المسيحية دين سماوي سامي يقوم على اعلاء شأن الأنسان ويقدس انسانيته, بينما المدنية الغربية ابتعدت عن روح المسيحية السمحاء حتى اصبحت معبودة المادة تلهث ورائها جاعلة منها هدفها الأسمى في الحياة.

الأسلام يدعونا الى البحث عن القداسة المشتركة بيننا وبين الأديان السماوية الأخرى , جاهدا ان يجد جسر اللقاء الحضاري مع الغرب الذي تكاد مدنيته الحاضرة ان تكتسح حضارته الأنسانية. ان ظروف الحياة المادية المتطورة في الغرب ادت ببعض الاسر الغربية الى الهروب من عالمها الواقعي الى عالم الأهواء والشهوات، متغافلة التزاماتها الأخلاقية والقانونية تجاه اسرها, وفي مثل هذه الظروف يصبح طفلهم ضحيتهم الأولى عندما يفتقد الدفئ الحميم للحياة الأسرية مما يؤثر سلبا على سلوكه في المستقبل وقد يغدو رجلا ذو نفسية غير سوية فلا غرابة ان كثرت في مجتمعاتهم، شباب وشابات ذات سلوكيات منحرفة.

يمتاز احدنا احيانا بصفة متميزة، كسعة الخيال مثلا وعدم معرفتنا الحد الفاصل بين الخيال والحقيقة، ذلك لان ذهننا المتفتح يكسب خبرات ومهارات ومعلومات بسرعة.
الى جانب ذلك قد نجد اناسا يحتفظون ببعض خصائص الطفولة، من ميل الى اللعب بالاشياء ومحاولة معرفة ما بداخلها او ما يحركها وقد يتطور ذلك الميل عندهم بفضل الدرس الهادف والتنقيب الحثيث والبحث عن المجهول. فتنمو عندهم ملكة التخيل الواسع في حقل معين. حتى يصلوا الى اختراع ما هو جديد لخير البشرية مثلما حدث لأديسون في اكتشافه للكهرباء. ومنهم من يتجه ذهنه الى تصور عالم افضل ومحاولة تحقيقه، وهؤلاء هم الانبياء والمصلحون. اما الاخرون فهم الادباء والشعراء والموسيقيون واصحاب اهل الفن عامة، واذا كان هؤلاء جميعا هم الذين يسيرون بعجلة التقدم الى الامام، فأنهم يندرجون تحت ما نسميهم بالعباقرة، يمتاز معظمهم صفة الجرأة في الاقدام واللامبالات للمخاطر ولا بالتضحيات الجسدية والروحية في سبيل تحقيق اهدافهم الذين يأمنون بها.

هؤلاء الرجال يشكلون الطليعة التي تقود ركب الحضارة الانسانية. وقد ينحرف الطريق ببعضهم، حتى يتجاوزون الطموح، ويخرجون عن المألوف فيصبحون عباقرة مخربين. ولنا منهم في التاريخ امثال جنكيزخان وهولاكو وتيمور لنك. ومهما يقال عما اقترف هؤلاء من جرائم قتل الشعوب والقضاء على حضاراتهم، لكن كان لهم هدف، يرمون الى تحقيقه، هذا الهدف يبغي القضاء على واقع حضاري قائم، حتى يُنشر مكانه شيئا آخر يتصورون انه الاحسن.

وعلى ايديهم يجب ان يتغير شكل الاشياء، مهما كان ويكون – فإن اعمالهم اللااخلاقية الفادحة لا تخلوا من موضع للنفع. ( حسب فلسفتهم ) والجدير بالذكر ان زعيم الاتحاد السوفيتي السابق لينين قال يوما : ( لولا المسكين نيتشاييف، لما عرفت طريقي ) ونيتشاييف هذا كان روسيا ثائرا، يدعو الى الهدم وعدم الابقاء على شئ، طبقا للفلسفة
– النيهيلية – وهي كلمة لاتينية تعني العدم . فهو كان يرى ذلك ضرورة لازمة للبشر لبناء عالم افضل. وقد مات هذا في السجن مخلفا ارائه التدميرية لغيره.

* مقتبس من كتاب افكار ومواقف للامام عبد الفتاح امام القاهرة 1996

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here