هوية العراق بين العروبة والإسلام السياسي الشيعي

هوية العراق بين العروبة والإسلام السياسي الشيعي

سمير عادل

ما ذهب اليه الكاظمي كأول رئيس للوزراء، ولأول مرة منذ الاحتلال في مقابلة متلفزة مع الفضائية السعودية MBC مصر، “بأن العراق عربي وسيبقى عربي”، وتزامنه مع تصريح نائب وزير الدفاع السعودي بأن العراق امتداد عروبي ولا يتبدل بالنسبة للسعودية، هو مرحلة جديدة تطل برأسها على الساحة السياسية في العراق والمنطقة. وهما: أي كلا التصريحين رسالة واضحة الى الجمهورية الاسلامية في ايران، ومشروعها في العراق بأن عليها لملمة جراحها وتقبل تجرع السم مرة ثانية، فالأولى حين وافق الخميني مرغماً على ايقاف الحرب عام ١٩٨٨، والثانية التي يحاول الكاظمي ومن ورائه التيار الصدري والقوميين العروبيين بزعامة الحلبوسي في العملية السياسية بإرغام ملالي قم-طهران على تجرعه.

الاتفاق الاستراتيجي الذي أُعلن بين السعودية والعراق والذي نتج عن تأسيس صندوق سيادي بقيمة ٣ مليارات دولار بالاستثمار في العراق وربط كهرباء العراق مع دول الخليج بدلا من ايران، والمضي في مشروع صدام حسين القديم ولكن بعنوان آخر وهو المشرق العربي بدل العنوان القديم مجلس التعاون العربي، دون حضور اليمن، بين العراق ومصر والاردن، كل هذه التطورات هي اعلان رسمي بسقوط الهوية الطائفية، او بالأحرى فشلها في حسم الصراع بين القوى الاقليمية، ونقصد بين السعودية وحلفائها وإيران وادواتها، والذي كان العراق اختبارا لانتصار تلك الهوية المزيفة، خلال سنوات الاحتلال. ولعب ملالي العراق الجدد في حزب الدعوة والمجلس الاسلامي الاعلى والتيار الصدري دور المروحة بالنفخ على الجمرات التي اشعلها فقهاء ورجالات الدين في السعودية، واصحاب العمائم السود في إيران. فلم تنتصر في تلك الحرب لا الهوية الشيعية ولا الهوية السنية، بالرغم سوقهم للاف المؤلفة من شباب العراق الابرياء تحت مذابح ومقاصل الهويات الطائفية بعيد مؤامرة تفجيرات سامراء في شباط ٢٠٠٦.

العودة الى الاصل، ولكن ليس الكويت الى العراق، انما العودة الى صراع الهويات الاصلية، الهويات القومية ستكون العناوين الاصلية للمشهد السياسي في العراق. والحق يقال ان هذه العودة لن تكن بشرى خير على المشروع الذي يقوده بازار طهران المعممين.

ولنفصل اكثر، ان اخفاء هوية الهيمنة والتمدد القومي الإيراني بغطاء الاسلام السياسي الشيعي، ستتعرض الى ضربات سياسية لا تقل عن الضربات الاجتماعية التي وجهت لها في شهور انتفاضة اكتوبر. ولكن هذا ليس كل اللوحة. فمن تابع الخطاب السياسي وأدبيات الجمهورية الاسلامية طوال تمددها في العراق وفي المنطقة، فلم ترفع راية الاسلام ولم تتخذ من الايديولوجية الاسلامية اداة للتعبئة السياسية والاجتماعية، على الرغم من نشرها لسياسة التشيع في المنطقة، إنما غلفت نزعتها وطموحاتها القومية بغلاف آخر وهو محور المقاومة او الممانعة، كي يفسح المجال لكل من يعارض المشروع الأمريكي والغربي ان ينضم اليه وبغض النظر عن هويته الايدلوجية، الى جانب رفع العوائق عن حلفائها وأدواتها في المنطقة التي تحول من الانضمام الى هذا المحور، فكان النظام البعثي السوري العربي وحزب الله اللبناني الشيعي وحماس السني وحثالة البرجوازية التي تحكم العراق وجماعة الحوثيين في اليمن. وإذا ما ألقينا نظرة سريعة، فأن القومية الايرانية الملتحفة بالإسلام السياسي الشيعي، توظف استثماراتها السياسية في البلدان الفاشلة، ولا يمكن أن تجد لها نفوذ في مكان تشم منها رائحة مقومات دولة مثل العراق ولبنان واليمن وبغض النظر عن ماهيتها الطبقية.

أي ان جمهورية ملالي القوميين في ايران- حكام بازار طهران ألبسوا هوية صراعهم مع القوى الاقليمية والغربية، هوية سميت بالمقاومة او محور المقاومة من اجل تضليل جماهير الطبقة العاملة والكادحين ومحرومي المنطقة حول هيمنتها السياسية والاقتصادية وبسط نفوذها على بلدان المنطقة. أي بقدر ابعادها الأيدولوجية الإسلامية من هويتها التي أصبحت محل نفور كل جماهير المنطقة بسبب جرائم التفجيرات والقتل على الهوية وبغض النظر عن المتورطين بها سواء كانت عصابات شيعية او سنية، بنفس القدر تم ابعاد الهوية القومية الايرانية او تم طمسها. ولذلك نجد هوية المواجهة مع الغرب وبسط النفوذ والهيمنة هي ليست هي الهوية الاسلامية، انما تم استخدام مقولة اخرى بدل من الإسلام أو الطائفة.

تبني المافيات المليشياتية لهوية “محور المقاومة” في العراق جاء متأخرا، وكان الملاذ الاخير لها بعد الكشف عن وجهها الإجرامي في انتفاضة أكتوبر وأصبحت هناك علامة استفهام كبيرة على وجودها وخاصة بعد الانتهاء من سيناريو داعش.

ان فشل حثالة البرجوازية الجدد في العراق والمتمثلة بالإسلام السياسي الشيعي بحسم الصراع على السلطة وبالتالي بحسم هوية الدولة التي تعني حسم مكانة العراق وأفقه السياسي لصالح المشروع الايراني طوال هذه السنوات من ارتكاب المذابح الطائفية والتطهير الديموغرافي والطائفي، ومساعي حثيثة لطمر ماضي العراق العروبي الذي بناه البعث ونظام صدام حسين طوال اربعة عقود، كل هذا الفشل يمكن أن نراه في الغليان والغضب الذي يجتاح افئدة “محور المقاومة” يكاد يصل الى اعلى درجاته، حيث تعبر عنها ما سمي بمليشيات ربع الله وهو الاسم الآخر الذي يختبئ ورائه جماعات الخزعلي العامري والمالكي وابو فدك والفياض، بالمشاهد المسرحية، بالدوس على صور الكاظمي وإطلاق التهديدات البهلوانية ورفع مطالب مظللة مثل اعادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار التي تضررت مصادر تمويلها اكثر مما تضررت بها عموم جماهير العراق، او رفع شعارات اكل عليها الدهر وشرب مثل إطلاق مقولة الاستعمار والاستعمار الجديد على استثمار الصحراء العراقية برأس مال سعودي. ان الهستيريا التي تجتاح ذلك المحور مصدره أن هوية “العروبة” بدأت تمسك بزمام المبادرة وهي الأكثر خطرا على هوية محور “المقاومة والممانعة” التي تهرئت، وتعبر عن مأزقها الهوياتي والسياسي وبالتالي الاجتماعي. أن الرعب من عودة هذه الهوية التي تصالحت اليوم مع اسرائيل وتقف في الخندق الامريكي تهدد كل كيانها ووجودها الفعلي على الساحة السياسية، وخاصة ان هوية “العروبة” ستضخ الاموال والاستثمارات على العراق، في حين هوية محور الممانعة يعاني مصادر تمويلها من الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية، وحتى مصادر سرقتها ونهبها يناقش من قبل محور العروبة في كيفية تجفيفها.

أما وأين نقف نحن من صراع تلك الهويات او بالأحرى صراع هذين المحورين؟

عندما كانت هوية العراق عروبية فلم تجني جماهير العراق غير الحروب. وان ثمن الدفاع عن عروبة العراق، كان رمي أكثر من مليون انسان، جيل كامل، في محرقة الحرب دامت ثمان سنوات، كي لا ينتزع العراق من حضن “الامة العربية”. فإذا كانت سورية البعث تسمي جغرافيتها وجيشها بالأراضي العربية سورية والجيش العربي السوري لفظا او قولا، فان النظام البعث بزعامة صدام حسين قام بالأفعال للحيلولة دون انتزاع هوية العروبة من العراق، بدءا من الحرب العراقية-الايرانية ومرورا بحملة التطهير القومي الذي قام به في عمليات الانفال حيث اخفى من الوجود اكثر من ١٨٢ الف انسان لانهم ناطقين بلغة غير العربية، وانتهاءً بإعادة الفرع للأصل وهو احتلال الكويت ليكون عنوانا لإطلاق صورايخ العباس والحسين على إسرائيل لتحرير فلسطين الذي هو طريق لتحرير وتوحيد الأمة العربية ايام حربة الخليج الثانية.

اما هوية الطرف الاخر الذي بلغت جرائمه الى الحد انسيت جرائم نظام البعث، فكانت لدينا تجربة أقل ما توصف بالمريرة في الاقتتال على الهوية، ورأينا كيف أن العصابات تشكلت وبعناوين مختلفة مثل جيش عمر والقاعدة وجيش المهدي لتقتل البشر على اساس الهوية، وكيف تشكلت مليشيات اخرى مثل اهل الحق وبدر وسرايا الخرساني وحزب الله بالتطهير الديموغرافي واختطاف الاهالي من مناطقهم واخفاء جثثهم او محو وجودهم تحت يافطة محاربة الوحش الجديد داعش، هذا ناهيك على تفننهم بالسرقة والنهب.

ان صراع هاتين الهويتين من شأنه وضع جماهير العراق في مهب الريح وغياب المجهول، وعلينا وعي هذه الحقيقة والاستعداد بعدم السقوط من جديد في أوهام قومية، أوهام العروبة لجرنا في حربها. فالعروبة والدين، العروبة ومحور المقاومة والممانعة، العروبة وراية الاسلام، العروبة والطائفة، هما وجهان لاستثمار البشر من قبل البرجوازية الحاكمة وسوقهم على مذابح مصالحها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here