إلى الذين يحتفلون بالفشل

أحمد محمد جواد الحكيم*

إن الغاية من الاحتفال بعيد ميلاد أي كائن، سواء كان فرداً أم مجموعة، أو غير ذلك، ينبغي أن تكون مناسبة جيدة لتقييم أعمال هذا الكائن، ومراجعة نقدية موضوعية سنوية، لما قام به من نجاحات، ومن إخفاقات وفشل وانحرافات، واستنباط العبر من ذلك والتعلم من الأخطاء، في سبيل التهيئة والاستعداد لوضع الخطط والبرامج اللازمة للسنة التالية. فضلاً عن ذلك، يتعين محاسبة الأشخاص الذين تسببوا بالفشل والاخفاقات، وإزاحتهم عن مواقهم القيادية، وهي قضية هامة جداً من وجهة نظرنا.

لكن الشيء المؤلم، ما نلاحظه، عند بعض الكيانات السياسية العراقية، أنها تقيم الاحتفالات والمهرجانات وترفع شعارات رائعة، من أجل الابتهاج بمولدها فحسب، لذا نجد أنها تعج بخطابات المديح والثناء والموسيقى والشعر، دون ذكر أي من المعايير أعلاه، وإذا ذكروا الأخطاء، فأنهم يمرون على قسم منها مروراً عابراً. والشيء الآخر المحزن هو أنهم لا ينسبون أسباب سقوط بعض من ضحاياهم وشهداءهم، إلى أخطاء تلك القيادات الفاشلة، وكأن تلك الدماء الطاهرة ذهبت سدىً، لا قيمة لها. أضف إلى ذلك أن الأمر الذي يحز في النفس، أننا نجد تلك القيادات التي تسببت بالفشل والأخطاء، باقية وتظهر في الأعلام بكل وقاحة، وكأنما لم يحدث شيء، وربما يكافئون على قباحتهم، عند ذلك تنطبق عليهم الرواية (التي نشك في صحتها) وهي: ” إذا اجتهد فأصاب فله أجـران، وإن اجتهـد فأخـطأ

————————————————————

*باحث وأكاديمي عراقي

فله أجر”. والغريب في الأمر أن بعض الكيانات السياسية، تكرر الخطأ المرة تلو الأخرى، دون خجل. ويصف ألبرت آينشتاين، هؤلاء بالغباء، فيقول: “الغباء هو أن تفعل ذات الشيء مرة بعد أخرى، وتتوقع نتيجة مختلفة”. والأمر الغريب الآخر في هذا المجال، أن قادة تلك الكيانات يأبون قبول أية حقيقة، مهما كانت واضحة، ويقفون معاندين في وجه كل البيانات والحقائق والتجارب السابقة. فضلاً عن ذلك أنهم لا يكترثون إلى العدد الكبير من الأفراد الذين يتركوهم ويبتعدوا عنهم، ولا يتابع هؤلاء القادة، ما يكتب عنهم من مذكرات وآراء وانتقادات وملاحظات.

إن هؤلاء الذين يدافعون عن الفشل ويختلقون الحجج التي يتذرعون بها لتبرير الأخطاء، ويعتبرون النقد إهانة، والاختلاف خيانة، ولا يسمعون نصيحة ناصح مخلص للأفكار التي يحملوها، هم الذين يتحملون مسؤولية ضعف تلك الكيانات وانحسارها. كما أن هؤلاء لا يتقبلون الكارثة أو الهزيمة أو الفشل كأمر واقع، ولا يحاولون حتى التفكير في أسباب ذلك، ولا يستطيعون الاعتراف بمسؤوليتهم المباشرة فيما حلّ بهم، لذلك فأنهم إما يهربون من الواقع، أو يلقون باللوم على الآخرين، أو يوهمون أنفسهم أن الأمر عابر. وليتذّكروا دائما المقولة الرائعة: “صديقُـك مـَـن ْ صَدَقَكَ، لا من صَدَّقَـكَ”. معنى صدَّقك: الذي يوافقك دائماً ويثني عليك في كل الأحوال. أما صَدَقَكَ، فهو الذي يقومّك عندما تخطيء، وينبهك إلى مواقع الزلل التي قد تقع فيها. وبعكس ذلك، أي إذا كان في آذانهم صمم، وعقولهم آسنة، مصابة بالتحجر والشلل الفكري، وحين يستحوذ على صنع القرار فئة قليلة، وعدم اشراك الآخرين، وحين يرفضون بقيمة أي جهد، لأنهم يظنون أنفسهم في الوضع الأفضل مهما كانت أوضاعهم سيئة، ويتصورون أنفسهم متفوقين في كل شيء، بحيث لا يستوعبون وجود آخرين أكثر منهم قدرة وكفاءة، نقول لهم، كما جاء في القرآن الكريم:

((وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)) الأنعام/ 110، العمى: الضلال. كما نقول لهم من حقكم أن يكون لكم رأي، ومن حقكم أن تدافعوا عنه، ومن حقكم أن تؤمنوا به، لكن ليس من حقكم أن تسمّوه الحقيقة.

أما سياستهم الخارجية، عن الأوضاع الدولية، فهي مرتبكة، غير واضحة لا تميز بين العدو وغير العدو، لا بل، تساوي بينهما. كما أن العدو الرئيسي الذي كان عندهم، وهو “الإمبريالية”، قد اختفى ذكره في نشراتهم وإصداراتهم، وعوضاً عن ذلك يذكرون “السيادة” على استحياء، بصورة مجردة عن التسميات، لأنهم لا يمتلكون الجرأة على ذكر الإمبريالية، وما تقوم به من هيمنة على العالم، ومن حصار أجزاء كثيرة من هذا العالم، بما فيها اليمن وسوريا وإيران وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وغيرها.

وأخيراً، نقول لهم، كما قال أفلاطون: “من يأبى اليوم قبول النصيحة، التي لا تكلفه شيئاً، فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى سعر”. نحن ننتقد، فقط أصدقاءنا، حتى نظهر لهم عيوبهم ليقوموا بتصحيحه. كما أن القرار الصحيح، هو أن يمتنع المرء، أو الكيان، عن اتخاذ القرار الخطأ في المواقف الحاسمة واللحظات الحرجة والمنعطفات. كما أن الأوهام الباطلة التي تظلل قيادات تلك الكيانات، منشأها ميلهم إلى التصديق بصحة الأمور التي تتطابق مع آمالهم أو أهواءهم، أو مخاوفهم، أو رغباتهم. أضف إلى ذلك ينبغي أن تكون هذه القرارات تعبّر عن رأي الأغلبية، سواء التي تنتمي لهذا الكيان أو التي لا تنتمي، أي من أنصاره ومؤيديه.

وفي الختام نعترف أنه ليس هناك قدرة في إحداث تغيير بعقلية هذه القيادات، بخاصة عندما لا يرون هناك أي مشكلة أو خللاً في تصرفاتهم. لكننا نتمنى أن تكون لهم بصيرة ثاقبة للمستقبل، ورؤية ما لا يستطيع الآخرون رؤيته، وليعلموا أن هناك فرقاً بين كيانات تتغنى بمجد بأبطالها وشهداءها فقط ، وأخرى منشغلة بصناعة المجد لأحفادها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here