لجنة حكومية تسلمت 10 آلاف شكوى عن مغيبين ولم تعقد اجتماعات جدية

بغداد/ حسين حاتم

تقول مفوضية حقوق الإنسان إنها تسلمت نحو 8 آلاف شكوى وتبليغ عن مغيبين منذ نهاية العام 2017 غالبيتهم من المحافظات المحررة. وتتضارب الارقام المتداولة عن عدد المغيبين بين عشرات آلاف وبضع مئات، فيما يواجه المعنيون بمتابعة حقوق الانسان مضايقات كبيرة من السلطة ومن الجهات الامنية التي تحجب المعلومات.

ينقسم المختفون في العراق الى مجموعتين بحسب الحوادث التي مرت في البلاد، المجموعة الاولى، هم الذي اختفوا في اعقاب احتلال داعش وعمليات التحرير التي تلتها بين اعوام 2014 الى 2017، والمجموعة الثانية هم المتظاهرون والناشطون الذين اختفوا اثناء احتجاجات تشرين. واثيرت قضية المختفين في المناطق المحررة، شمال بغداد، لأول مرة عام 2016، حيث كشف عادل المحلاوي النائب عن الانبار لـ(المدى) حينها، عن اجراء جولة مفاوضات “صعبة” خاضتها اطراف من المحافظة، تخللتها وساطات، نجحت اخيرا بإطلاق سراح نحو 80 محتجزا من اصل 1200، وهو عدد تصاعد بعد ذلك التاريخ. لم يذكر النائب حينها هوية الجهات التي تم التفاوض معها بعدما اختطفتهم عند نقطة تفتيش في منطقة الرزازة بين الانبار وكربلاء، لكنه اكد وقتها ان التفاهمات امتدت لـ3 اشهر، واطلق سراحهم على وجبات. ويقول عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي في حديث لـ(المدى) أمس، إن “ملف المغيبين يشمل المفقودين الذين قد اختطفوا من قبل جهات اجرامية وارهابية او اشخاص مقتولين دون علم ذويهم، أو يكون مغيبا ومخفيا قسرا وهذا النوع يكون ذو ملف خاص وحده”.

ويضيف البياتي أن “التغييب القسري موجود في الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها العراق وهذا يتمثل باستخدام الخطف تحت مظلة الدولة”. ويشير عضو مفوضية حقوق الانسان الى أن “العراق رغم الاتفاقيات والمصادقات، الا انه يفتقر للقانون الذي يفسر هذه العمليات”، لافتا الى أن “القضاء لا يستطيع التعامل مع عمليات الاخفاء القسري، إذ ان المتهم يكون من ضمن الجهاز الحامي”. ويرى البياتي أن “الاشكالية الاساسية هي عدم وجود تشريع، والافتقار الى امكانية التحقق من الوصول الى الجاني ومحاسبته”. ويؤكد عضو مفوضية حقوق الانسان أن “مفوضية حقوق الانسان عملت جاهدة على ملف المغيبين وانضمت الى لجنة الامر الديواني 46 لسنة 2017 التي شكلت في حكومة حيدر العبادي بعد عمليات التحرير”. ويبين البياتي أن “المفوضية تسلمت شكاوى وتبليغات منذ نهاية العام 2017 بما يقارب (8 آلاف) مفقود غالبيتها من المحافظات المحررة من سيطرة داعش”، مستدركا: “سجلنا بياناتهم وفترة التغييب والمكان بالإضافة الى الجهة التي يشك فيها ذوو المفقود، لكن لم يتم التحقيق في هذه الشكاوى”. ومضى عضو المفوضية بالقول إن “لجنة الامر الديواني تسلمت الشكاوى من مكاتب المحافظين في المناطق المحررة بما يقارب 10 آلاف شكوى”، مبينا انه “لم يتم التحقيق فيها بالكامل بسبب توقف اللجنة بعد عدة اجتماعات غير جدية”. ويتابع البياتي: “تضم السجون ما يقارب 40 الف سجين، نصفهم متهمون بالارهاب، ولا نعرف كم من المعتبرين مغيبين موجودين في هذه السجون”.

وأفاد عضو المفوضية، بأنه “من خلال التحقيق واستجابة الجهات الامنية كشفنا عن 250 شخصا محكومين بقضايا جنائية وارهابية”، مشيرا الى أن “هذا يأخذنا الى انه لو كانت هناك استجابة حقيقية من المؤسسات الامنية او من وزارة العدل لوصلنا الى عدد أكبر من المغيبين”. ويرى البياتي أن “اعداد المغيبين مشتتة ما بين مخيمات النزوح التي تفتقر الى قواعد البيانات بالاضافة الى المقابر الجماعية التي ارتكبتها داعش والتي تضم ما يقارب 12 الف شخص عراقي والكثير منها لم تفتح حتى الان ومجهولة”، مؤكدا انه “إذ لم نقم بتصفية هذه العوامل بطريقة نظامية وحقيقية لا نصل مطلقا الى نهاية الملف”. وأثارت تصريحات نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، النائب ظافر العاني، خلال مشاركته في اجتماع البرلمان العربي الذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة قبل أيام، القضية مجدداً. وتحدث العاني عن انتهاكات حقوق الإنسان في العراق، وضرورة الالتفات إليها من قبل المنظمات الدولية، خاصة فيما يتعلق بملف المختطفين العراقيين وقمع المتظاهرين وتهجير أهالي مدينة جرف الصخر على يد فصائل مسلحة. ومن أبرز ما جاء في كلمة النائب العاني الذي مثل بلاده في البرلمان العربي بالقاهرة، أن المنظمات الحقوقية تتجاهل أو تقلل من قيمة الاعتداءات على حقوق الإنسان في العراق، لافتاً إلى أن “حقوق الإنسان تتعرض لانتهاكات خطيرة من قبل المليشيات التي تركب على ظهر الدولة العراقية”.

وأوضح أن هناك أكثر من 10 آلاف مغيب لا يُعرف مصيرهم وتحرم عوائلهم من دفن رفات أبنائها، أو حتى جبر خواطرهم وتجري عملية اختطاف ممنهج وترويع وقتل للشباب من قادة التظاهرات، ولا يعرف أحد لليوم هوية قاتليهم.

ولفت العاني إلى أن “المليشيات تمنع عودة 100 ألف عراقي من مدينة جرف الصخر لمنازلهم، ومثلها مدن أخرى بالعراق في مسعى لإحداث تغيير ديموغرافي”. بالمقابل، طالب نائب رئيس مجلس النواب حسن الكعبي، أعضاء البرلمان بالتصويت على إقالة النائب العاني نافيا وجود أي مغيب داخل البلد، وقال “كل ما يذكر من ادعاءات لم يتم اثباتها لحد اللحظة بأي دليل”. وأردف أن “منطقة جرف الصخر عانى منها العراقيون خلال سنوات كثيرة باعتبارها كانت حاضنة للارهابيين وعبارة عن ملاذ آمن لعصابات القاعدة، ومن بعدها داعش وقد استشهد فيها الآلاف من العراقيين على الهوية الطائفية وكانت الجثث منتشرة في جميع مبازل الاراضي الزراعية هناك وعلى امتداد عام ٢٠٠٣ حتى ٢٠١٤، وكل ذلك موثق بشكل رسمي لدى الحكومة العراقية، وبعد داعش كانت منطلقا لمحاولات اسقاط مناطق جنوب وشرق وغرب بغداد، ولكن القوات الامنية الوطنية البطلة عمدت على تحرير المنطقة وعودة كل من لم يثبت انتماءه لداعش”. وأفادت مصادر سياسية لـ(المدى) في وقت سابق، بأن “هناك آلاف من المختطفين ربما بعضهم مازال حيا، موجودون في زنازين سرية تابعة لفصائل مسلحة”. يقول حقوقيون ان هناك معلومات عن وجود 8 “زنازين سرية”، اغلبها في جنوب بغداد، تضم مختطفي الفريقين (المفقودين من المناطق المحررة والمتظاهرين)، وتدار من قبل فصائل مسلحة. وتعليقا على ذلك، يقول المختص بالشأن الامني احمد الشريفي في حديث لـ(المدى) إن “المؤثرات السياسية تمنع فتح ملف المغيبين”، مشيرا الى أن “جميع الازمات التي يمر بها البلد تقف خلفها ابعاد سياسية وحركات سياسية”. ويشير الشريفي الى أن “ملف المغيبين يحتاج الى جرأة وعمل حقيقي والى الان لم تتوفر هذه الصفات وربما حتى في الدورة المقبلة لا نجد هكذا شخصية”، متوقعا “إعادة سيناريو المحاصصة والاملاءات، ويكون صانع القرار السياسي ضعيفا ومسيرا من قبل الكيانات السياسية”.

ويرى المختص بالشأن الامني، أن “الجهات التي تعيق فتح ملف المغيبين تخشى بشكل كبير التدخل الدولي”، مشيرا الى أن “الارادة المحلية مسيطر عليها”.

ويلفت الشريفي الى ان “هناك كتل تتكتم على ملف المغيبين طيلة اربع سنوات ويسعون لفتحه عند اقتراب الانتخابات، ويغلقونه حال حصولهم على الامتيازات واحيانا يغلق بضغط مباشر او تواطؤ والاثنين يفتقدان للنزاهة والشفافية”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here