أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (٣)

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ

السَّنةُ الثَّامِنَةُ

(٣)

نــــــــــــــــــــزار حيدر

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}.

إِنَّ أَخطر أَسباب الفشَل هو تضليلُ الذَّات.

فالفاسِدُ يظنُّ نفسهُ أَنَّهُ مُصلِحٌ! والفاشِلُ يظنُّ أَنَّهُ ناجِحٌ!.

فعلى الرَّغمِ من أَنَّ الله تعالى أَوكلَ الرَّقابة على الإِنسان للإِنسانِ نفسهِ فجعلَ أَقرب الرُّقباء عليهِ وأَشدَّهُم على نفسهِ هي ذات الإِنسان فقال {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِبَصِيرَةٌ} ومعَ ذلكَ ترى أَنَّ البعض من النَّاسِ يُغالِطُ نفسهُ ويُخاتلها سعياً لتضليلِها عندما يعيشُ الوَهم ويرفُض أَن يُواجه الحقائِق.

يقُولُ تعالى عن [تضليلِ الذَّاتِ] {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ}.

فهل تتصوَّر أَنَّ كُلَّ مَن يجهلُ أَمراً لا يعرفهُ حقّاً؟!.

يقُولُ تعالى {ٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ يَعْرِفُونَهُۥ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

وهذا هو تضليلُ الذَّات.

ولقد نبَّهَ المُشرِّع إِلى مُحاولاتِ التَّضليلِ الذَّاتي هذهِ بالتَّقديمِ لأَدواتِهِ بقَولهِ تعالى {وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ}.

إِنَّ مِن مُقوِّمات النَّجاح الصَّراحة والوضُوح والتَّعامل معَ الحقائقِ على الأَقل مع الذَّات، فإِذا كُنتَ تُبرِّر تضليلكَ للآخرين بأَعذارٍ شتَّى فكيفَ تُبرِّر تضليلِكَ لنفسِكَ؟.

فرُبما أَنَّكَ تُحاول تضليل الآخرين من خلالِ تغذيتهِم بالمعلوماتِ الخاطِئة أَو غَير الدَّقيقة أَو من خلالِ إِيصالِ نِصفِ المعلومةِ وإِخفاءِ النِّصفِ الآخر كطريقةٍ للإِيهامِوالتَّضليلِ بالتَّوريةِ وعدمِ التوُّرطِ بالكذبِ معهُم، أَمَّا أَن تُمارس التَّضليل والخِداع مع نفسكَ فتلكَ قِمَّة المأساة وأَخطر الأَساليب.

والأَخطر من ذلكَ عندما يخدعُ المرءُ نفسهُ ظنّاً منهُ بأَنَّهُ يخدع غَيرهُ فهوَ بذلكَ يُمارسُ [الخِداع المُركَّب] إِن جازَ الوصفُ!.

يقُولُ تعالى {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.

والخِداع مِن صفاتِ المُنافقينَ كما يقولُ تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} والمُخادع لذاتهِ مُنافقٌ على نفسهِ! وهوَ أَسوأ الخِداع.

ولَو تتبَّعنا بدقَّةٍ أَصل [خِداع الذَّات] فسنجدُ أَنَّ ذلكَ سببهُ قَبول ورُبما تشجيعُ المرءُ الآخرين للثناءِ عليهِ حتَّى مِن دونِ أَن يُنجِزَ شيئاً، فالثَّناءُ الكاذِب والمديح في غَيرِ محلِّهِهو البذرة التي تنمو فتُورِقُ الخِداع.

يقُولُ تعالى {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

ولقد عالجَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) جذرَ الخِداع الإِجتماعي الذي من نتائجهِ [خداع الذَّات] فمنعَ [المِهوال] أَن يُهرِّج خلفَ المسؤُول والحاكِم.

يقولُ (ع) {وَإِنَّ مِنْ أَسْخَفِ حَالَاتِ الْوُلَاةِ عِنْدَ صَالِحِ النَّاسِ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الْإِطْرَاءَوَاسْتِمَاعَ الثَّنَاءِ وَلَسْتُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَالْبَلَاءِ فَلَا تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ لِإِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَإِلَيْكُمْ مِنَ التَّقِيَّةِ فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا وَفَرَائِضَ لَا بُدَّ مِنْ إِمْضَائِهَا فَلَا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِالْجَبَابِرَةُ وَلَا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ وَلَا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ وَلَا تَظُنُّوا بِي اسْتِثْقَالًا فِي حَقٍّ قِيلَ لِي وَلَا الْتِمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّأَنْ يُقَالَ لَهُ أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ}.

ويُحذِّرُ الإِمام عليُّ بن الحُسين زَين العابدين السجَّاد (ع) من خطر التَّضليل للذَّات بالدُّعاءِ إِلى خلقِ التَّوازُنِ في النَّفسِ والشخصيَّة بقَولهِ في دُعاءِ مكارمِ الأَخلاقِ {اللَّهُمَّصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلا تَرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِلاَّ حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِراً إِلاَّ أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا}.

فلماذا يمارسُ البعض خِداعَ الذَّات فيعيشَ الوَهم؟!.

١/ عندما يفشلُ ولا يريدُ أَن يعترفَ بفشلهِ خاصَّةً إِذا كانَ في تنافُسٍ مع الآخرين، فعندها سيبذلُ كلَّ ما بوسعهِ لخداعِ الذَّات لتبريرِ فشلهِ ظنّاً منهُ بأَنَّ هذهِ الطَّريقة قدتُنجيهِ من النَّقدِ الذَّاتي أَو الحِساب والمسؤُوليَّة.

وتزدادُ قناعتهُ بهذا الأُسلوبِ إِذا كانَ زعيماً لثُلَّةٍ من الغُواةِ يلهثُونَ خلفَ موكبهِ بشعار [علي وياك علي] وهوَ أَفسدُ مَن عليها.

وثُلَّةٌ منَ الأَبواقِ والمُنتفعينَ والوصوليِّينَ الذين يُجمِّلونَ لهُ الخِداع بشعاراتٍ برَّاقةٍ وكلِماتٍ معسولةٍ مُداراةً لمصالحهِم.

٢/ وعندما يتصوَّر أَنَّ مُحاكاة النَّجاح تكفي كإِسلوبٍ لتحقيقِ النَّجاح على أَرضِ الواقِع، وهذهِ الطَّريقة من التَّفكيرِ بحدِّ ذاتِها وهمٌ وخِداع، فالنَّجاحُ لا يتحقَّق بالمُحاكاةِفقط، ولو كان الأَمرُ كذلكَ لاكتفى الكُلُّ بحُسنِ نواياهُم وبتمنِّياتهِم لتحقيقِ غاياتهِم، فهل أَنَّ ذلكَ تفكيرٌ سليمٌ؟!.

لنقرأَ ما يقُولُ القرآن الكريم بهذا الصَّدد {ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.

إِنَّ للنَّجاحِ مناهجٌ وأَدواتٌ وجُهدٌ مبذُولٌ ومثابرةٌ، أَمَّا المُحاكاة لوحدِها فلا تُغني من الحقِّ شيئاً أَبداً، وهيَ خِداعٌ للذَّاتِ يُدمِّرُ الإِنسانَ فاحذرُوهُ.

١٤ نيسان ٢٠٢١

لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here