العقلانية !

العقلانية !

نواصل الحديث عن العقلانية ، بعد أن اعطينا فكرة عنها ، وعن معناها ، وعن الفلسفة التي تتعارض معها ، التجريبية . وقلنا أن تراث قديم ،موجود بشكل ما لدى أفلاطون ، أرسطو .

(٧) عادة ما يعتقد بأن العقلانية بدأت وانتهت في القرن السابع عشر ، بيد أن هذا الاعتقاد خاطىء تماماً ، فهي ما زالت لحد يومنا هذاتمارس تأثيرها ، ولا يمكن لنا أن نتصور بأن العقلانية في القرن السابع عشر أنبثقت من العدم ، لو لم يكن لها تراث طويل يمتد حتى الفترةالأغريقة ، رغم أن ديكارت ولابنتز قدما فلسفة جديدة. . وقد أشرنا لدور ارسطو المعقد في المساهمة في العقلانية ، ولكن يبقى دور أفلاطونهو الأهم ، وخصوصا في نظرته لفهم الكون ونظرية المعرفة . ورغم أن سقراط ، يعد أول من بدأ الجدل العقلي ، ولذلك يحسب الاب إلىالمذهب العقلي ولكن افلاطون هو في الواقع كان الأدب لهذا المذهب فهو تلميذ سقراط وكاتب محادثاته .

(٢) أشهر ما يتميز به أفلاطون هو نظريته في المعرفة والتي يميز فيها بين المعرفة والاعتقاد . فهناك في أعتقاده أختلاف مهم بينهما ،فالمعرفة بأن شيء ما موجود فعلاً ومجرد الاعتقاد أنه موجود يعد فرق كبير . فالمعرفة ، من حيث المبدأ ، ترتبط مع ما هو موجود بشكلحقيقي ، فاذا حدد قضية بأنها معرفة ، فأن هذا ، التحديد يتضمن بأن القضية معرفة حقيقيته ، أما الاعتقاد ، فهو من ناحية ثانية ، يمكنأن يكون ، وغالباً ما يكون كاذب . حتى ولو كان المعتقد صحيح ، ولكنه هذا لا يجعله بالضرورة معرفة . فالاعتقاد بأن ربما هناك حيوات فيعوالم اخرى ، وحتى ولو حدث وكان هذا الاعتقاد صحيح ، فأنه لا يعد معرفة ، لأنه الاعتقاد يجب أن يقوم على تحديد صحيح ، فليسمجرد أن الاعتقاد صحيح كافي ، وانما يجب أن يكون هناك تعليل جيد وتبرير معقول ، أو أعطى الأسباب لهذا الاعتقاد ولماذا هو هو أعتقادصحيح ليكون ، من ثم معرفة

فالمعقولية والتعليل هما الخطوتان الأولتين اللذان يطالبنا بهما أفلاطون إلى المعرفة . فالمعرفة ، هي تحسين إلى الاعتقاد واقامتها على أسس صحيحة . فالعارف يعطي فيها شرح أو تفسير لماذا المعرفة صحيحة . وهنا يبدو ، أن أفلاطون يقدم تبرير كافي إلى التميز بين المعرفة عنالاعتقاد ، رغم أنه يضيف نقطة أخرى في كتابه الجمهورية لما تقدم من أعطى شرح أو تفسير لماذا يعتقد الواحد معرفته صحيحة ، وهو يجبأن تكون المعرفة معصومة من الخطئ ، حتى أنه يذهب لحد القول أن موضوع المعرفة والاعتقاد مختلفين ، فموضوع المعرفة هو ما موجود فعلاً( في أي مكان سوى في العالم الحسي أو ما فوقه ) بينما موضوع الاعتقاد هو أن يكون بين الموجود وغير الموجود . وبعض المعلقين علىافلاطون يرون بأن افلاطون في المعرفة يتحدث عن درجة الوجود إلى كل من المعرفة والأعتقاد ، فالمعرفة من منظور أفلاطون تمتاز بدرجةعالية جداً من اليقين والصلابة ، بينما الأعتقاد ، يحيط به الضباب وعدم التأكد وبوجود بين الوجود وعدم الوجود . ويوضح افلاطون أكثر فيمايخص الأعتقاد ، فنحن حينما نقول عن شخص ما أنه جميل ، أو عن فعل ما أنه عادل ، قد تنشئ عن ذلك بعض الصعوبات ، فقد يبدوالجميل من وجهة نظر أخرى غير جميل ، والفعل العادل غير عادل ، مثل هيلين الطروادية قد تبدو جميلة في هذا اليوم ولكنها بعد ثلاثين عامستكون قبيحة ، والفعل العادل قد لا يكون عادل ، مثل رد المانة لرجل أمنك سلاحه ، فحين ترده له وهو عاقل يكون فعل جيد ، ولكن حينما تردله وهو ، مجنون ، ، كما يقول افلاطون فأنه لا يكون كذلك ، وكذلك الحل الحال في النظر إلى ما هو كبير الحجم والصغير والخفيف والثقيل، فقد يكون من زاويه غير كذلك . فمواضيع الاعتقاد في عالمنا تعاني من نقص خطير في نظر أفلاطون ، فهي لا تملك خاصية ثابتة ، وأنمادائماً تعاني التعديل والتغير ، فنحن حينما نقول عن شيء ما جميل ، أو عن عمل ما عادل ، أو نقول عن شيء ما أنه كبير أو صغير نقولعنه في حدود معينة ، وليس بشكل مطلق وكامل ، وذلك تجد تجد أفلاطون يطرح هذا السؤال ، هل توجد أشياء جميلة وعادلة ، وكبيرةوصغير بشكل بشكل مطلق وكامل ؟ وبالطبع يجيب افلاطون عن هذا اسؤال بنعم ، لكي يمهد الطريق لنظريته في المثل ، الأفكار التي تقولبوجود الأشياء الكاملة بشكل مطلق وكامل !

(٣) كان أفلاطون يهدف من هذا التميز بين الاشياء التي تعرف بالأعتقاد والاشياء التي تعرف في المعرفة تمهيد الطريق إلى نظريته فيعالم المثل أو الأفكار . وافلاطون قد طرح نظريته هذه في عدد من محاوراته وبشكل خاص بكتابه الجمهورية ، ويرى بعض بأن هناك عدمأتساق في هذه النظرية في محاوراته المتعددة ، ولكن ، على أي حال ، فقد نستطيع أن نعطي عنها فكرة عامة . فنحن لو نظرنا لما حولنالوجدنا أننا محاطون في أشياء مختلفة ، فهناك ، مثلاً ، الاشجار ، والبيوت ، والكراسي والمناضد ، والكتب ، والخيول ، والقطط ، ولكلمجموعة من هذا الأشياء المفرد شيء ما تشترك به مع المجموعة التي تنتمي أليها ، فالحصان له صفات يشترك بها مع بقية الخيول ، وكذلكالبيوت ، والكراسي ، والابد أن يكون هناك نموذج يمثل ، كل من مجموعة ، الخيول ، والقطط ، والكراسي ، شيء مثالي ، فلكل صنف مثاليعبر عن هذا الأشياء المفردة . وهذا المثال والنموذج يكون من خلق الله ، والذي تشترك به كل الأشياء المفردة . وهذه هي التي دعت فيما بعدبنظرية المثل أو الأفكار . وبعد هذا ، يقول أفلاطون بأن الأشياء المفردةمن خيول وقط وبيوت ، وأشجار ، هي التي تخص المعرفة التي تأتيعن طريق الاعتقاد ، وهذا تملك صفات متغيرة ومتبادلة ، وعرضة إلى الزوال وتتلاشي . بينما ما يخص عالم المعرفة فيملك صفات ثابته ودائمة، وأبدية ، لا تغير ولا تتبدل ، فالجمال بحد ذاته ، بعكس الاشياء الجميلة ، والعدل المثال ، بعكس الأفعال العادلة ، والحصان المثالي ، بعكسالخيول العادية التي نراها في عالمنا ، لا تعرض إلى التغير ولا يصيبها التلف . وبالطبع فأن تلك الأشياء المثالية لا نصادفها في الحياةاليوميه ، فالجمال بذاته ، مثلاً ، لا نراة في أي مكان من عالمنا المحيط بنا ، والمثل ، لا يمكن ملاحظتها بالحواس . فهي من طبيعة نظريةومجردة ، ولا يمكن بلوغها بسوى الفكر ، والنظر العقلي . وهذا ما يدعو البعض أن يدعو في أبو العقلانية ، هو وسقراط أستاذه ، فيالحصول على المعرفة الحقيقية ، وليس مجرد الاعتقاد . فأفلاطون هنا يصر ، على الابتعاد عن العالم الحسي ، نحو عالم المعقول والعقل ،لحصول على المعرفة الحقيقية .وهذا يعني ، في نظره على التعارض الأساسي بين العالم الحسي ، العالم العادي واليومي ، والذي نعرفه عنطريق حواسنا ، والعالم العقلي الذي نبلغ أليه عن طريق العقل والتأمل الفكري . ولكي يوضح أفلاطون أكثر يضرب أمثلة عديدة عن الفارقبين المعرفة الحسية ، ومعرفة العقل ، فعالم العقل حسب التشبيه الذي يقدمه أفلاطون ، هو مثال الشمس وعالم الكهف ، فالشمس تنيرالأشياء وتجعلها واضحة نيرة ، تختلف عن عالم الكهف ، الذي لا ترى فيه الأشياء سوى على شكل ظلال وانعكس إلى الأشياء الحقيقية ،التي هي المثل أو الأفكار التي توجد في عالم مفارق ، يعرف عن طريق العقل ، وتلك المثل يوجد فيها مثال الخير الذي يجعل بقية المثل منيرة ،مثل الشمس التي تجعل أشياء العالم الحسي واضحت . ولذلك فأن الذين ينشغلون فقط في أشياء العالم الحسي لا يرون حسب أفلاطونسوى ظلال الإشياء ، وليس الإشياء ذاتها ، فهم مثل سكان الكهف المقيدين في سلاسل في داخله ولا يسمح لهم في الالتفات إلى الوراء لكييروا ما ينعكس على الجدار الذي يواجهم ، لذا يطالب أفلاطون بتحرير هؤلاء السجناء من قيودهم العقلية والمادية ، لكي يتسنى لهم السيرفي الطريق الذي يؤدي إلى المعرفة الحقيقة ، أي التوجه بنظر صوب المثل ، التي هي لا ترى في الحواس وأنما بالعقل والتأمل . وعليه فأنالأنتقال من مجرد الاعتقاد إلى المعرفة هو ما يجب أن يقوم به الفيلسوف ، الذي يشيح بنظر عن العالم الحسي ويوجه نظره نحو الأعلى عنعالم الظلال والانعكاسات المختلطه . ورغم أن البعض يرى بأن نظرية افلاطون بالمعرفة وراءها قصد سياسي . فهو يقول بأن الدولة العدالة ،وأن مشاكل المجتمع لا تنتهي ما لم يصبح الذين يملكون معرفة حقيقية هم الحكام ، ويقصد هنا ، الفلاسفة الذين يملكون مثل تلك المعرفة . وفافلاطون يطلب منا أن نقوم بمعرفة منهجية وأن نبتعد عن عالم الحواس والملاحظ وتحصيل المعرفة عن طريقة العقل والتأمل ، وهذا الطريقةتركت أثارها على كثير من جاء بعده وخصوصاً العقلانيين @@@.

(٤) هناك في سلم المعرفة لدى أفلاطون أولوية أو أسبقية لنوع من المعرفة على أخرى ، ولعل ، شعاره الذي وضع على مدخل أكاديميته كمايذكر دارسيه يبين مثل تلك الميزة التي عزاها أفلاطون لبعض حقول المعرفة على أخرى ، وهذا الشعار كان يقول ، من ليس رياضياً لا يدخلاكاديميتنا . فهو أراد أن يصرف الناس عن عالم الحواس وما تقدمه من معرفه غير مؤكدة ، وهذا يبدو واضح جداً في البرنامج الثقافي الذيوضعه إلى الفيلسوف الذي سيكون حاكم لمدينة الفاضلة . فقد أراد صرفه عن عالم الحواس بتجاه التأمل العقلي الخالص . وكانتالرياضيات خير وسيلة لمثل هذا التفكير المجرد . بالتفكير في الأرقام الخالصة ، وليس الاأعداد التي تستخدم في المعاملات اليومية . ويضعبعد الرياضات الهندسة ، ومن ثم علم الفلك ، الذي هو له صله كبيرة في التجربة والملاحظة ، ولكن أفلاطون ، لا يهتم بذلك ، وما يقصده ، هوعلم الفلك العقلي والتأملي ، ااذي لا يهتم في ملاحظة جريان الافلاك السماوية ، علم الفلك التجريدي وغير التجريبي ، فأفلاطون لا يهتم بمايلاحظ في السماء ، من حركة الأفلاك . وهذا النزوع ، رغم أنه يبدو إلى الوهلة الأولى غير معقول ، لكنه أصبح ، كما يقول المطلعين في بهذاالشأن بأنه الذي بات الطاغي في علم الفلك وليس الملاحظ ، فهو قد بات يستخدم التجريد الكامل البعيد عن الملاحظة ، وليس له صلهبالحواس إلا في نهاية المطاف . وإنك يجب علينا القول ، هنا ، أن ليس كل نظام أفلاطون المعرفي رياضي أو تجريد خالص ، فهناك الكثيرمن من مفاهيم لهم صله بعالم التجربة والحواس والحياة اليومية ، مثل مفهوم العدالة والجمال ، وهما بالتأكيد ليس مواضيع رياضية . ونجدأفلاطون في مكان أخرى من كتبه ، يقول بأن الرياضات والتجريد ليس غاية بحد ذاتهم وأنما وسيلة لتحصيل المعرفة الحقة . فهم مجردوسيلة لتعويد الفيلسوف على التفكير المجرد والصعود نحو الأعالي . فالفلسفة يجب أن لا تهتم بما هو موجود وأنما بما غير موجود ولا يمكنملاحظته في الحواس ، فقط بالتفكير والأستناجات المنطقية ، في الحقائق الخالدة وما لا يتغير . فالمعرفة بنظره ليس بعدية ، يحصل عليهابعد التجربة ، وأنما هي قبلية ، كما بات يستخدم حالياً . فالعالم المتعالي ، وليس العالم المتغير والزائد هو ما يجذب أفلاطون . وحقيقة أنهذا النوع من التفكير هو كان الدافع والمؤثر الفعال في تطور العقلانية الأوربية

(٥) رأينا كيف أن أفلاطون قصر المعرفة على ما هو ضروري ومعصوم من الخطئ ، وبعدها عما هو عارض وحسي . وهذه الرؤية أدت فيمابعد لتكوين عقيدة في المعرفة ، تنشد ما هو متعالي ويعتمد على العقل وبعيداً ما نعرفه بالحواس ، وهذا الفهم للمعرفة خلف صعوبات ، منكون الأدعاء بان المعرفة يجب أن تكون مع ما هو ضروري ومعصوم من الخطئ ، يعد في نظر نقاد المعرفة الضرورية مغالطة منطقية ،فالادعاء بأن هناك ارتباط بين المعرفة والحقيقة لا يلزم عنه أن هذه المعرفة ضرورية ، فليس هناك ثمة أرتباط بين معرفة الحقيقة وأن هذا المعرفةيجب أن تكون ضرورية ، فهذا في نظر النقاد مجرد مغالطة فليس مجرد أني أعرف شيء ما يجب أن يكون ضروري .، فالقول بأن س يعرفب ، يجب أن يكون ب معرفة ضرورية شيء غير صيحيح على الاطلاق . أما المدافعين عن أفلاطون فيقولون أن أفلاطون لم يكن متشدداًبالدرجة التي يوصف فيها من قبل التجريبيين ، فهو فقط أن أراد أن تكون المعرفة على الحقائق الثابته والمؤكدة وليس على ما هو عابر وزائل ،فليس المهم في نظره أن نعرف لماذا الشيء حقيقي وأنما المهم لماذا هو حقيقي ، وهذا لا يتم إلا في الصعود إلى المبدا الأول عن طريقالمعرفة الديالكتيكية ، ومن ثم نرجع إلى الأشياء الحسية لمعرفتها . بيد أن في نظر التجريبيين أن ليس هناك معرفة ضرورية ، وأنما كلالمعرفة هي حسية وعارضة ، فحتى هندسة أقليدس أو بديهياته هي قائمة على فرضيات لم يتحقق منها ، ولهذا يمكن أن توجد هندسة أخرىغير أقليدسيه ، لأن ليس هناك شيء ضروري ومبدأ أول ، أو تفكير خالص ، بعيد من الأشياء الحسية في عالمنا . ولذا تبدو نزعة العقلانيين ،اليوم غريبة عن ميل عصرنا إلى التجربة والملاحظة .

(٦) أما النقطة الأخرى التي تستحق المناقشة في نظرية افلاطون لمعرفة ، فهي ، ما تعرف بالمعرفة الفطرية ، فقد قال افلاطون بأن لدىالبشر معرفة فطرية تولد معهم لأنهم ، أو لأن النفس كانت تعيش في عالم أخرى ، فقد رأت وعرفت الحقائق الضرورية . ولذا هو يرفض أنتكون الحواس والمعلم الذي يعلم التلميذ بأنهم هو مصدر المعرفة ، ويرفض كذلك أن تكون المعرفة جاءت عن تراكم الخبرة التي ينقله كل جيلإلى أخرى ، فالمعلم أو دوره لا يقوم على نقل المعرفة التي تعلمها إلى الطلاب وأنما ليستخرج تلك المعرفة من عقول التلاميذ عن طريق الأسئلةالمناسبه كما فعل سقراط مع أحد أبناء العبيد ، في أستخراج أحد القوانين الرياضية . فالمعلم هو مجرد قابلة يستخرج المعرفة الكامنة فيروح كل فرد . فالمعرفة في نهاية التحليل هي تذكر وليس تعلم عن طريق الحواس ومشاهد العالم الذي يحيط بنا ، فهي أسترجاع لمعرفةسابقة ، في عالم أخر تعلمناها . وخير دليل على ذلك في نظر أفلاطون هي المعرفة الرياضية ، فنحن نملك مفاهيم رياضية كثيرة لم نتعلمهامن التجربة والحواس . كما رأينا كيف الطفل العبد لدية معرفة عن الهندسة ومعرفة عن المربع لم يتعلهم من أحد .

(٧) يتضح مما قيل أعلى أن أفلاطون هو المؤسس أو واضع الحجر الأول إلى المذهب العقلاني ، ولكن أرسطو ليس واضح مدى مساهمتهفي هذا المجال . لكون أرسطو يعتبر المؤسس إلى المذهب التجريبي ، وصور من قبل مايكل أنجلو في لوحة مشهور صور هو وأفلاطون ،فيها أفلاطون يشير بصبعه نحو السماء ، ليرمز إلى أن المعرفة تكون بمعرفة المثل العليا ، في حين أن أرسطو يشير بصبعه إلى الأرض بأنالمعرفة تبدأ من الحواس أو التجربة ، ولكن هذا الشرح يعد في نظر بعض العارفين بمذهب كلا الرجلين تبسيط ولا يبين مساهمة أرسطو فيالمذهب العقلي ، لأن أرسطو لم يكن تجريبي خالص . فالحقيقة التي لا تنكر هي أن هناك الكثير من العناصر في فلسفة أرسطو غيرأفلاطونية ، فلسفة أرسطو تهتم في الاشياء المفرد والخاصة وليس في الفكر أو الشيء الشامل .فارسطو في الأساس يعد عالم طبيعي وأولعالم في البيولوجيا ، وكل هذه قائمة على الملاحظة . وإذا المرء نظر في أنطولوجيا أرسطو ، التي هي علم الوجود ، لتبين أن أرسطو أكثرالتصاق في الأرض وفي ما حولنا من أشياء مفرد ، مثل شجر ، وحصان ، وأنسان ، من أن يهتم في الحصان الكامل ، والشجرة الكاملة ،وإنسان الكامل ، لأن أرسطو لا يعد الجواهر ( التي هي الشجرة ، والحصان ، والإنسان ، أشياء مجرد ، ومجرد أفكار أو مثل ، وأنما هيأشياءه ملموس ومفرده ، مثل شجرة معينة ، وحصان محدد ، وإنسان مشخص . فهو مثلاً ، يرفض فكرية الجمال المجرد ، والخير المطلق ،ويرى الجمال مجسد في شيء ما كأن يكون لوحة ، أو أمرأة ، أو بناء ، والخير في عمل خيري ما ، كأن يكون أنقاذ إنسان أو حيوان منخطر ، وغير ذلك من الاعمال الجميلة والخيرة . وإذا هذا كما هو واضح ، يبدو إلى الوهلة الأولى يبعد أرسطو كثيراً عن تجريدات أفلاطونالعقلية ،، وعن أحتقاره لمعرفة الحسية ، غير أن ، كما يقول المطلعين على فلسفة أرسطو ، أن ولعلة في التجربة والملاحظة ، ليس دليل كافيعلى أنه تجريبي بحت . لأنه الو سألنا هل أرسطو يعد التجربة هي المعيار الوحيدة لمعرفة ، وهل ينكر أيضاً أي معرفة مسبقه وفطرية ؟ وقبلالأجابة ، على تلك الأسئلة ، يحب البعض على بتذكير في قول أرسطو المشهور بأن لا شيء في العقل لم يكن في الحواس ومن الحواس ،بيد حين يرجع البعض لتحليل هذا القول في اللغة الاغريقية ، يجدون أن الفهم يتطلب أولاً تشكيل صورة عقلية ، مثلما يحتاج معلوماتالحواس . وعليه ، ورغم بعد أرسطو الظاهري عن أفلاطون بيد أنه في الحقيقة يشاركه الأعتقاد ، بأن العقل بحد ذاته يستطيع أن يقدم لناالكثير عن ما حولنا ، فأرسطو عمل بشكل كبير على الطريقة الأستنتاجية في المعرفة أو القياس ، وعلى مبأدى أولية غير مبرهن عليه ولكنهيعتبرها كبداية وفرض أولي لمعرفة ، فهو لأ يعتمد الطريقة الأستقرأية في المعرفة كما توجد لدى فرنسي بيكوين في الوقت المعاصر . وهذابنهاية التحليل أعتماد على أطروحة أفلاطون في المعرفة العقلية الضرورية ، فالأستنتاج لدىه يعتمد منطقياً على مقدمات مشروعة ، ولكنها قدلا تكون ضرورية . فهي له ، أي المبادئ العلمية النهائية ليس كما لدى التجربية والتي هي مبادى عارضة ومتغيرة تعتمد على الحقائق الفجةالتي هي مجرد تأكيد لهذا الواقعة والتي قد تعبر عن الوضع أو التجربة ، بل نرى العكس من هذا التأكيد ، أن العلم يهتم ليس مع ما حدثوكان حقيقة ، وأنما مع ما يجب يكون بالضرورة حقيقة ، فالمعرفة العلمية تأتي من نقطة بداية ضرورية لا يمكن أن تكون خلاف ما هي عليه . وهذا المبأدى الضروري لا برهان عليها وأنما تؤخذ كفضرضية لا غنى عنها .

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here