المليشيات والاحزاب غير الوطنية تفكك وحدة العراق

المليشيات والاحزاب غير الوطنية تفكك وحدة العراق

ان فوضوية التعامل مع بناء الدولة في العراق كان من اهم الاسباب التي اوصلت العراقيين الى تمزيق دولتهم اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. فبعد سقوط الدولة العثمانية ودخول الاحتلال البريطاني الى العراق الذي تخلله نيل الاستقلال. مرورا بالبحث عن هوية اقتصادية وسياسية من الراسمالية الى الشيوعية فاليسار المتطرف فالقومية العربية المتعصبة حتى الديكتاتورية. ومن ثم العودة من بدا حيث عودة الاحتلال الاجنبي مطلع القرن الحادي والعشرين بوصول طلائع جيش الغزو الامريكي. التي تم بواسطتها تهديم بنى دولة حديثة عمرها اكثر من ثمانين عاما. فانهارت البنى الاساسية للدولة وتاسست سلطة مهلهلة لا يمكن ان تحكم البلاد لوحدها. فالحكومة توافقية من احزاب متناقضة غير وطنية تقودها اجندات اجنبية.
كان العراق في عين الحدث وكل السياسات المحورية بين المستعمرين والدولة العثمانية لها اثار مباشرة على هذا البلد. لقد كانت سياسة التتريك لجمعية الاتحاد والترقي في نهاية الدولة العثمانية وخيانة شريف مكة عندما تعاون مع الاحتلال الانكليزي واستيلاء أل سعود على مكة والمدينة فيما بعد بالتعاون مع الاجانب. كانت تلك الاحداث محورية ومنسقة من قبل المستعمرين لافقاد الثقةً للمسلمين بدينهم وتضييع هويتهم وقطع اي اما للبحث عن حلول محلية نابعة من الداخل العربي الاسلامي. كانت دور المبشرين في لبنان وغيرها وسقوط بعض الحداثيين المسلمين المفتونين بنهضة الغرب ومخطط الاستعمارين الفرنسي والبريطاني من خلال اتفاقية سايكس بيكو. عوامل مساعدة اخرى تبتغي تغيير مسيرة الامة وتشتيت اهدافها وتغييب الاسلام من ضمير مواطنيه. ذلك الدين الذي كان سببا اساسيا لنهضتها في جميع المجالات بالامس.
كان العراق يشكل حجر الزاوية في المنطقة التي تشهد تلك الانهيارات. اذ شهد هو الاخر مؤامرات خطيرة عاناها منذ حوالي قرن من الزمان. نرى من جهة اخرى بان المخطط الاستعماري يلتهم المزيد من الاراضي وينضم له المزيد من انبهروا بالنهضة الاوربية. هذا البرنامج الصليبي الجديد كان يتالف مع كل المفاجات وهو يسير على قدم وساق حتى هذه اللحظة.
لاكمال الصورة من جميع جوانبها وخوفا من عودة روح وديناميكية الاسلام فسح المستعمرون المجال السياسي للاسلاميين المنتخبين من عنده اولئك المتاجرين بالدين في استلام الحكم منذ النصف الثاني من القرن الماضي. انها محطة اضافية لاعادة تيايس العرب والعراقيين من هويتهم العربية الاسلامية. لقد تمكن المستعمرين بهذا الصنيع لاستمرارية ابقاء المنطقة تحت قبضتهم وهيمنتهم لعقود طويلة.
انه سفر مولم وعصيب كانت بعض تلك الاحداث تمر وتمرر كالسم في العسل في العراق مثلا. حيث ابتدا ما كان يسمى بعهد الاستقلال في العهد الملكي بعد عام 1920 اثر الثورة الوطنية. ثم سياسة الاحلاف مع بريطانيا كمعاهدة بورتسموث وحلف بغداد الخ. ثم جاء العهد الجمهوري الذي لم يشا العودة الى هوية الشعب وحضارته فتبنى الدكتاتورية التي كان يتسم بها المعسكر الاشتراكي ثم جاءت الانظمة القومية المتعصبة التي تبنت نفس النظام الذي كان سائدا لدى المعسكر الشيوعى. حتى وصلنا لنظام البعث الذي لم يتخلى عن سياسة الانظمة التي سبقته وبات نظام شمولي كانظمة شرق اوربا.
جاء الاحتلال الامريكي عام 2003 ليعيد المنطقة قرن الى الوراء. اذ بدا بتمزيق اسس ما بنته العهود السابقة وهدمت اركان الدولة الحديثة. استخدمت نفس سياسة بريطانيا انذاك فرق تسد اذ مزقت العرب المسلمين باسم العرب فعملت امريكا لتمزيق الاسلام باسم الاسلام عن طريق اذكاء الصراع المذهبي تبرع الاسلاميين الذين خانوا دينهم ان يكونوا وقودا لهذا المخطط المذهبي الديني الذي هو في الحقيقة اشد وطاة ودموية من الصراع القومي الحزبي.
كانت تلك الحكومات خصوصا الجمهورية منها قبل الاحتلال الامريكى لا تفرق بين الدولة ومواردها البشرية والاقتصادية وبين الحكومة والبرلمان. لقد عبثت تلك الحكومات بالدولة فكانت تسخر الاقتصاد لمصالحها وتشتري ضمائر العراقيين لاستمرار هيمنتها من قبل احزاب سمت نفسها وطنية لكن فكرها اجنبي عالمي.
هذه الممارسات هدمت شيئا فشيئا اركان الدولة فضعف عمل المؤسسات واصبح الجميع في خدمة الحزب الواحد او الشخص الواحد. بات الفلاح الذي من المفترض ان يكون حرا بارضه التي يعتمد عليها في رزقه. بات مقيدا بنقابة مسيسة لا تقدم له اي خدمات وتاخذ منه اشتراكات مادية وبالتالي تخدم النظام السياسي ونفس الشيء بالنسبة الى العمال والكسبة. ثم عمم الامر على الاطباء والمهندسين وكل القطاعات الخدمية.
بعد الاحتلال اصبح العراق عراقات متعددة ولا يمكن ان يحكمه اي نظام سواء كان دكتاتوري او ديمقراطي او ملكي. اذ نرى الحكومة العراقية والبرلمان ورئاسة الجمهورية مجرد رموز يمثلون قوى اجنبية وحزبية. نتيجة لذلك لم يكلفوا انفسهم القيام بمسؤولياتهم لتسيير الخدمات وفق توزيع المسؤليات. فالفوضى هي سيدة الموقف اذ باتت الرشوة والمحسوبية معوقا شديدا لتسيير الموسسات وادارتها ذاتيا. تخلت الحكومة من مسؤلية الاشراف وتركت الحبل على غاربه لتملا الفراغ هيمنة المليشيات المسلحة. بات الشعب هو الاخر مشدوها لا يدري ما العمل ويرى مصيره بيد عصابات فوق القانون. اذ فقد الفلاح ارضه ولا يمكنه العمل بها دون ان يدفع خاوة اي رشوة من عمله التي قد تصل الى النصف الى المليشيات الطائفية المتحكمة بالدولة. العامل والتاجر لا يمكنه ممارسة عمله دون ان يعطي رشوة مستدامة لطبقات طفيلية مدعومة من الاحزاب المليشياوية المتنفذة. اما الحكومة ورجالها وموظفيها فقد اجبروا على ترك زمام الامور للعشائر التي تقضي بالفصل العشائري في حوادث الطرق آو الجرائم او غير ذلك. إنها عشائر مدعومة من هذا الحزب او ذاك لتعيد العراق الى زمن ما قبل الدولة.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here