لماذا انتحر العريس ليلة زفافه ؟

لماذا انتحر العريس ليلة زفافه ؟ * د. رضا العطار

لقد اعتقد العالم النفساني الشهير – فرويد – منذ القرن التاسع عشر ان مثل هذه الحالة النادرة تعود الى ( عقدة اوديب ). وقد ايّد هذا الاعتقاد العالم الامريكي المعاصر البروفيسور – ادلر – مع جمع من زملائه بعد ان اجروا عليها بعض التعديل.
فعقدة اوديب تقول: لو صادف ان العريس لاحظ ان هناك شبْه بين عروسته وصورة امّه التي قد يكون مضى على وفاتها سنوات طويلة. وظنه ان الحب حنان والشهوة رجس من عمل الشيطان، ففي مثل هذه الحالة تعتبر العلاقة الجنسية ( في نظره ) نوع من الأثم و التدنيس، دون ان يعلم سبب ذلك. فيحجم من التقرب الى عروسته. حيث ان عقله الباطن يجعله يحس انه بهذه العلاقة الجنسية يقترف ذنبا عظيما، خاصة اذا كان العريس قد مارس الجنس مع البغايا في السابق او ان له ميول جنسية شاذة، اكتسبها من اصدقاء السوء.

لهذا يتزعزع الشاب عاطفيا ويحس هوانا يعم كامل كيانه، كما يخيم على كيانه السيكولوجي الشعور بالاحجام، سرعان ما يقوده الى العجز الجنسي، ويكون وقع الصدمة المفاجئة على العريس عظيما بدرجة انه لا يستطيع مواجة الواقع المرير، وبذلك قد يفر، ونادرا ما ينتحر،هربا من (العار) الذي يشعر انه لحقه امام المشاركين في حفلة زفافه من الاهل و الاصدقاء، قولهم، انه (مو رجال).

لا يخفى انه لكل شاب عزته وكرامتة واحساسه العاطفي بالرجولة. فاذا ما جُرحت هذه الكرامة بالعجز المفاجئ, فان العجز السيكولوجي كله يتغير. ويعود الشاب وهو يتسائل عن قيمة الحياة وعن مكانته الاجتماعية، ثم ينظر عندئذ بعين التوجس الى محيطه ومستقبله، وطالما لا توجد هناك علة جسمية لهذا العجز، فان مرجعه يكون حتما حالة نفسية معينة.

فقد يحدث ايام الخطوبة ان يتردد الشاب في الزواج، وكانه يعتقد ان الأقدام على هذه الخطوة يحتاج الى زيادة في التروي والتبصر، او ان خطيبته ليست هي الفتاة المثلى من الناحية الأجتماعية او الثرائية او الثقافية. وهذا التردد او الشك ( اتزوج ام لا اتزوج ؟ ) يحدث احيانا عجزا جنسيا, لكن هذا العجز سرعان مايزول بعد زوال هذا الشك او هذا التردد ويغدو الأمر طبيعيا, حين ينتظر الى ان تجرى مراسيم الزواج ويحضر الضيوف وتقام الحفلة وتجرى الزفة التي تنتهي عادة بدخول العريس الى غرفة العروس.

لكن يحدث احيانا ان يعتري العريس الشعور بالعجز. يكثر هذا خاصة في المجتمعات التي يكون الأنفصال بين الجنسين، عادة موروثة, كما هي الحالة في معظم البلاد الأسلامية, حيث ان بعض الشباب يرى عروسته اول مرة ليلة الزفاف، اختارتها له امّه حسب ذوقها ومزاجها. والخطيب يبقى منفصلا عنها بقوة العرف الأجتماعي السائد فلا يراها ولا يكلمها ولا يألفها. ويبقى بينه وبينها حاجزا سميكا من الحياء والأحتشام، أما اذا سمح لهما برؤية بعضهما فسيكون ذلك بحضور الوالدين. فأذا جائت ليلة الدخلة بقى هذا الحاجز النفسي قائما. وقد يؤدي في بعض الحالات الى العجز التام. وعلاج المشكلة ان يكون بين الخطيبين شئ من الألفة ورفع الكلفة ايام الخطوبة.

هناك ما يسمى في علم النفس ب ( نيوروز الترقب ) اي تعيين الميعاد وترقب ليلة الزواج، والذي بدوره قد يؤدي الى العجز كذلك. وهذه الحالة قريبة الشبه الى حال الطالب الذي يترقب الأمتحان ويخشاه، فيسيء الأجابة. اما اذا كانت بين الخطيبين الفة سابقة فأن احتمال هذا العجز يكون بعيدا.

هناك حالتين : الاولى, هي وليدة الثقافة الدينية. ذلك ان الشاب قد يحب فتاته, لكنه يغمر شخصيتها بالسمو, وكأنها الفتاة المثلى التي لم يخلق الله مثلها والتي حوت الجمال كله، يشبّه صورتها بصور القديسات.
والحالة الثانية هي وليدة التقاليد المحلية، حيث ان الوسط الذي ينشأ فيه العريس يسمّي الأعضاء التناسلية ( عورة ), وكان الاجدر به ان يسميها ( اعضاء الخلود ). ناهيك انه ينظر الى عملية المضاجعة الاصولية على انها ( عملية نجسة ) , يجب تجنبها، فلا عجب ان احدثت الاعتبارات الخاطئة هذه عجزا لدى العريس نحو عروسته. لأنه يربأ بها عن هذه النجاسة التي (يحدثها) التماس الجسدي، فهو يرفع عروسته الى مستوى التجلّي الذي يتقاطع وممارسة الجنس.

* مقتبس من كتاب – المحاولات – للموسوعي سلامه موسى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here