حال الفلسفة والاستنجاد بها في الزمن الكوروني

حال الفلسفة والاستنجاد بها في الزمن الكوروني

د زهير الخويلدي

عندما يدور الكلام على الجوائح والنوائب والأزمات الصحية تتجه الأنظار نحو السياسيين والاقتصاديين والعلماء والأطباء وبدرجة أقل الى الفقهاء والدعاة والقضاة والاجتماعيين من أجل إيجاد مخرج من الكوارث.

قد يقدم العلماء بعض الدراسات والتوصيات وقد يوجه السياسيون جملة من الخطابات ويوزعوا الكثير من البيانات ويقوموا بعدد من الإجراءات وقد يشغل الاجتماعيون بعض الجمعيات الخيرية لتقديم الإعانات وقد يقوم الفقهاء بحملة توعوية في المساجد من أجل الوقاية والطهارة وقد يمول الاقتصاديون صفقات أدوية وتلاقيح ويدعموا ميزانية عدد من المراكز العلاجية ولكن القسط الأكبر للمجهود يقوم به الأطباء والفرق المرافقة لهم من ملائكة الرحمة والاطارات الطبية وشبه الطبية فهي في الصفوف الأمامية للحرب المضادة.

لكن أن يتم استدعاء الفلاسفة والمفكرين والنقاد والكتاب والمثقفين لكي يخوضوا في الموضوع ويدلوا بدلوهم فهو حسب بادئ الرأي استدعاء في غير محله وغير مجدي من جهة النجاعة والمردودية ولا يحمل بارقة أمل ويراكم أقوال تشاؤمية ومواقف مجردة وقد يعكر الأجواء ويضاعف من الأزمة الصحية المستفحلة ويحبط من المعنويات ويشل الارادات ويشتت المجهودات ويبعد الفاعلين الحقيقيين عن التركيز في المخططات الطارئة.

المفارقة أن الفلسفة نفسها تعيش في وضعية صعبة وتحتاج الى منقذ في ظل تزايد التحديات التي تهدد بشطبها من الوجود الأكاديمي وخاصة المنافسة الشرسة التي تجدها مع العلوم الإنسانية والعلوم الدينية والأدب والتقنية وكذلك بالنظر الى حالة الحصار التي يعيش فيها الفلاسفة في ظل سيطرة نظام التفاهة وتعاظم موجات البلاهة والحمق وتفكك المنظومة التربوية وتراجع النشاط الثقافي وضعف التشجيع للإنتاج الفلسفي وغياب الجمهور.

كما أن الفلسفة غير قادرة علن منح بعض من التسلية والتعويض والتفريج عن الكرب مثل الفن والدين والتصوف وعاجزة عن تقديم واجب العزاء للمتوفين وعن تسكين الأوجاع وتضميد الجروح للمرضى ولا يمكنها باي حال أن تكون وسيلة لإنقاذ المصابين بالفيروس اللعين ولا واسطة للانتقال الى مابعد الجائحة وتظل مجرد سير ذاتية تزعم معانقة الكلية وبعض الحكايات المحبوكة عن الوضعيات القصوى للمعذبين.

في الواقع لا يمكن للفلاسفة ان وجدوا أن يحلوا محل الأطباء ولا يستطيعون أن يؤدي الأدوار التي يؤديها المشرفون على قطاع الرعاية الصحية وعلى تنظيم الشأن العام ومتابعة وتنفيذ القرارات المتخذة من طرف اللجان المشرفة على عملية التصدي والمواجهة للجائحة ولا يجوز لهم بأي حال أن يزعموا الريادة النظرية في هذا المجال وخاصة وقد ودعوا دون رجعة نموذج الطبيب الفيلسوف منذ الحكيم القديم والشيخ الشرقي. ربما تتفهم الفلسفة بعض الظواهر الغامضة والمباغتة واللصيقة بالتاريخ البشري على غرار المرض والصحة والموت والحياة والطبيعي والاصطناعي والعلاج والوقاية والرعاية والجراحة والمراقبة والمعاقبة والحجر ولكنها تفقد الصواب في ظل استواء الأضداد وغياب الحلول وانعدام الآفاق وانغلاق المشهد السريري والانتشار السريع للوباء وتطور السلالات بشكل تزداد شراستها وفتكها بالبشر ويتوقف أمامها العلم حائرا. فماذا يمكن للحكمة أن تفيد في زمن الاضطراب وغياب الطاقة التي تساعد على تغليب الوجود على العدم؟ ألا يمكن أن تقوم فلسفة طبية تجعل من انقاذ البشر من الأوبئة والأمراض شغلها الشاغل وتستثمر التقدم المنجز في العلوم البيولوجية وتستفيد من التطور الحاصل في النانو تكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية؟

كاتب فلسفي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here