أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (١٢)

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ

السَّنةُ الثَّامِنَةُ

(١٢)

نـــــــــــــــــــــــــزار حيدر

{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.

لا تخجل إِذا أَخطأت ولكن إِستحي من نفسِكَ أَوَّلاً إِذا أَخذتكَ العِزَّةُ بالإِثمِ فبقيتَ مُصِرّاً على الخطأ وانتَ تعرِف ما الذي ارتكبتهُ!.

فالعَيبُ ليسَ في ارتِكابِ خطأ وإِنَّما في الإِستمرارِ عليهِ.

والفرقُ بينَ النَّاجح والفاشِل يكمنُ هُنا، فبينما يُبادِرُ النَّاجح إِلى تصحيحِ خطئهِ بمجرَّد أَن يحُسَّ بهِ أَو ينتبهَ إِليهِ، حتَّى مِن دونِ رُبما أَن يُنبِّههُ أَحدٌ إِليهِ، يُصِرُّ الفاشل علىخطئهِ حتَّى إِذا اجتمعت عليهِ أَدلَّةِ وبراهينِ الدُّنيا تطلبُ منهُ أَن يتراجعَ عنهُ.

النَّاجح يعتبر أَنَّ التَّراجع عن الخطأ فضيلة أَمَّا الفاشِل فيعتبِر ذلكَ رذيلةٌ وعارٌ سيظلُّ يُلاحقهُ في عقِبِهِ.

لذلكَ فإِنَّ النَّاجِحَ يُروِّض نفسهُ على التَّراجعِ عن الخطأ فيما يُروِّضُ الفاشِلُ نفسهُ على التَّعايُشِ معَ الخطأ!.

والنَّاجحُ يعتبرُ أَنَّ التَّراجعَ خُطوةً لتصحيحِ خطأ يُساعدهُ على الإِستمرارِ في طريقهِ الصَّحيح كما لَو أَنَّ أَحداً أَخطأَ طريقهُ إِلى مقصدهِ، فإِذا انتبهَ وعادَ إِلى الجادَّةالصَّحيحة وصلَ إِلى الهدفِ أَمَّا إِذا استمرَّ يسيرُ في الطَّريقِ الخطأ فلا يزيدهُ السَّير إِلَّا بُعداً عن المَقصدِ والهدفِ.

أَفهِمتَ الآن لماذا نحنُ نبتعد دائماً عن أَهدافِنا فلا نصلَها عادةً وإِذا وصلناها فمُتأَخِّرينَ، أَي بعدَ فواتِ الأَوانِ؟!.

لأَنَّنا لا ننتبهَ للخطأ وإِذا انتبهنا إِليهِ أَو نُبِّهنا عليهِ لا نتراجعَ عنهُ {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} ولذلكَ فإِنَّ كُلَّ خطأ مسافةِ مِترٍ نقعَ فيهِيُبعدنا عن أَهدافِنا ميلاً، لأَنَّ النَّتيجة السلبيَّة للخطأ تتضاعف كُلَّما تجاهلناهُ وكُلَّما مرَّ عليهِ الزَّمن.

إِنَّ الكثير من السياسييِّن الذين استُخلِفُوا في السُّلطة في بغداد رُبما يكونُوا طيِّبين وذَوي نوايا حسنةٍ في خدمةِ البلدِ والمُجتمع، إِلَّا أَنَّ المُشكلة التي وقعُوا فيها هيَ أَنَّهمعندما ازتكبُوا خطأ من نوعٍ ما رفضُوا التَّراجُعَ عنهُ لأَيِّ سببٍ من الأَسباب حتَّى لقد تراكمت الأَخطاء ليتحوَّل الواحد منهُم إِلى كُتلةٍ من الفسادِ المالي والإِداري وإِلى كُتلةٍمن الفشلِ، وعندها، وللأَسفِ يدخلُونَ في مدارِ الإِستدراجِ بعد أَن رأى الله منهُم إِصراراً على الخطأ وعدم الإِستعداد ولَو بنسبةٍ ضئيلةٍ للتَّراجُعُ عنهُ.

يقولُ تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} وقولهُ تعالى {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْحَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ}.

لا يبدأُ الخطأ [كُتلةً] وإِنَّما يبدأُ [ومضةً] تتراكم معَ الوقتِ مثلَ كُرةِ الثَّلجِ!.

فالكذبةُ جرَّت كِذبةً والخطأ جرَّ إِلى خطأ والفشَل جرَّ إِلى آخر حتَّى وصلَ بهِ الحال أَنَّهُ ردَّ على أَميرِ المُؤمنينَ(ع) عندما سأَلهُ عن سببِ اعتدائهِ عليهِ وضربهِ لهُ بالسَّيفِ؟! {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ}.

وهذهِ من أَخطرِ مراحلِ الخطأ، عندما يصلُ المرءُ إِلى حدِّ اليأس من التَّراجُعِ عنهُ، فاحذرها!.

أَمَّا القُرآن الكريم فيَظلُّ يفتح كُلَّ أَنواع أَبواب التَّوبة والتَّراجُع أَمامَ العبد حتَّى يُنقذهُ من الوقُوعِ في هذهِ المرحلةِ التي يبدُو أَنَّهُ لا ينفعُ معها حلّاً أَو دواءً.

يقولُ تعالى {فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ} و {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.

ومن علاماتِ النَّاجح أنَّهُ إِذا أَخطأَ يخطُو ثلاثَ خطواتٍ ضروريَّة يُكمِّل بعضها البعض الآخر؛

*التَّراجُع عن الخطأ [التَّوبة].

*إِصلاحُ ما أَفسدهُ الخطأ.

*إِيضاح نتيجة الخطأ ليكونَ درساً لهُ.

هذهِ الخطوات الثَّلاثة يذكرَها القُرآن الكريم في عدَّةِ آياتٍ منها التي صدَّرنا بها المقال.

كما أَنَّ رسولَ الله (ص) أَشارَ إِليها بقولهِ {أَمَّا علامةُ التَّائبِ فأَربعةٌ؛ النَّصيحةُ لله في عملهِ، وتَركُ الباطلِ، ولزُومِ الحقِّ، والحرصِ على الخَيرِ}.

لذلكَ نرى أَنَّ النَّاجِحَ مُستعِدُّ للتَّراجعِ عن الخطأ لحظةَ الحاجةِ فقد روَّض نفسهُ على ذلكَ من دونِ أَن تأخذهُ العِزَّة بالإِثمِ، احتراماً للمُنجزِ واحتراماً لجُهدهِ واحتراماًللآخرين الذينَ يثقُونَ بهِ.

في قامُوسهِ لا توجدُ عِبارة [لقد تأَخَّرتُ] أَو [مَيفيد] فكلُّ وقتٍ هوَ مُناسِبٌ للتَّراجُعِ والتَّصحيح إِذا أَخطأ، وإِلَّا فسيكُونُ حالهِ كما يصِفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) حال النَّاس قبلَالبِعثةِ {بَعَثَهُ وَ اَلنَّاسُ ضُلاَّلٌ فِي حَيْرَةٍ وَ حَاطِبُونَ فِي فِتْنَةٍ قَدِ اِسْتَهْوَتْهُمُ اَلْأَهْوَاءُ وَ اِسْتَزَلَّتْهُمُ اَلْكِبْرِيَاءُ وَ اِسْتَخَفَّتْهُمُ اَلْجَاهِلِيَّةُ اَلْجَهْلاَءُ حَيَارَى فِي زَلْزَالٍ مِنَ اَلْأَمْرِ وَ بَلاَءٍ مِنَاَلْجَهْلِ}.

أَمَّا العُقلاءُ فيصفهُم (ع) بقَولهِ {غرَسُوْا أَشْجارَ ذُنُوبِهِم نُصْبَ عُيُونِهِم وَقُلُوبِهِم وَسَقَوْها بِمِيْاهِ النَّدَمِ، فَأَثْمَرَت لَهُم آلسَّلامَةَ، وَأَعْقَبَتْهُمُ آلرِّضْا وَالْكَرامَةِ}.

٢٣ نيسان ٢٠٢١

لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here