خطاب إلى أبي الجَحيمِ :

Image preview

خطاب إلى أبي الجَحيمِ : إنَّه مِنْ مُومِيرُوس و إِنَّهَ بِسْمِ اللهِ الرَّحمانِ الرَّحِيمِ !

الحمدُ لله وَحدَه فالقُ الحب و النوَى. و حفظَ الله “أَرْضَ الأولياءِ” من شرور الجائحة، و من شُؤْمِ الغُلُوِّ في الدين، و منْ ضَلالاَت الهوَى. ثمَّ أعوذ بالواحد القهار من عِشْقِ بِدَعِ “المَشْيَخَة” و شِدَّة الجَوَى. مثلما أستغفر الله و أتوب إليْه من ضياعِ الرشد و إِهْمال الصُّوى.

وَ لاَ حَلَّ و لا عَقْلَ عند شيخ الغُلاةِ إِنَّ الأَمر عليه قد إِلْتَوَى. إذ هَا هُو أبو الجَحيم خائِرُ الدِّينِ قد جاءَنا بمُتَشَابِهَاتٍ نَزَّاعات للشَّوى. و لَكم أسأل الله الهادي الأحد أن يَمُنَّ عَلَيَّ بفضل عَونِه، كَيْ أُخْرِجُ يَدَ أَبي الجَحيمِ الفَتَّانِ سوداءَ من عَيْبِهِ. و إنَّه ليس بالزَّمَنِ المُقدَّس طُوَى ، بل .. تَاللهِ كَأَنَّهُ السَّامرَّائي هرّافٌ في كلامِه و عِجلُ الفِتْنَةِ خُوَّارُه في الخَوَى.

فَيَا أهلَ الكتاب لا تَغلوا فى دينكم، و لا تقولوا على الله إلاَّ الحَق، وَ لا تطغوا فيه فيَحلَّ عليكم غضبُ الواحد القهار. ثم إيَّاكم وَ الغلُوَّ فى الدين، فإنه أهلكَ من كانَ قبلكم، حَملَهُم على أن سَفَكوا الدماء واسْتَحَلُّوا المَحارم. كَمَا أَن أقوامًا تَعمَّقُوا فى الدين قد مَرَقوا منه كما يَمرُق السّهمُ منَ الرميَّة. آيْ وَ رَبِّي إن هذا الدين يُسْرٌ، و لن يشَاد الدينَ أحدٌ إلاَّ غَلَبَه.

هكذا – إذن- قد إستَفْتَحنَا سرديات التبادل الثقافي مع رِفِيقنا في المواطنة الدستورية: أبو الجحيم شيخ الغُلاة بالمغرب الأقصى. و نعوذ بالله أن نكون و إيَّاهُ مِمَّن صَحَّت عليهم عبارات الحكمة النفيسة: ” أخوفُ ما أخافُ عليه أمَّتي، رجُلٌ منافقٌ عليمُ اللسانِ، غيرُ حَكيمِ القلبِ، يُغيرهُم بِفَصاحَتِه و بيانِه، و يُضِلُّهُم بِجَهلِه”.

كما أدعو الشيخ المُتَصَابي أن يجعل من المقارعة الفكرية مجالا رحبا لثنائية الخطأ و الصواب، و ليس حكما تكفيريا خارجيا و مستعجلا بتجريد تيار ولاد الشعب من حقه الإلهي الإنتساب لدين الله. و ذلك لأَن الإدعاء بإمتلاك حقيقة الجواب عن سريرة إسلام ” العلمانيين المغاربة”؟. يبقى

مجرد هرطقة لا تتعدى حدود النسبية العاقلة، و إنَّكَ يَا أَبَا الجَحيم عبدٌ لا تدري ما سيفعل بك الله غدا، و أَنَّكَ عاجز لا تستطيع تشريح قلوبنا لمعرفة حقيقة إيمانها. فسبحان الله خَلَقَنَا و لم نك شيئًا.

لذلك ارتأيت الاستفتاح بالمحكم من عقيدتنا النقية الغراء، عَلِّيَ أصيرُ المُفيدَ بالنصيحة الربانية التي أُسدِيها إلى الشيخ المُتَصَابي. مع تكرار طرح السؤال بصياغة متجددة: هل هناك حقيقة أنَّكَ قد شقَقْتَ عن قلوبنا فَعَلِمْتَ عنَّا مَا لَم نَعلمْ؟.

و من هنا منطلق الحوار.. بل عند جواب قطعي عنوانُه الجازم: كَلاَّ و تِريلْيُون لاَ، و من أين لكَ ذاكَ يا أبا الجَحيمِ. أم تراها ذي نعرة الكبر و الغرور، التي رَمتْ بقَلبِكَ بين شبهات حضيض الشرك عبر التَّألُّه على الله المُنْفَرد المُحِيط بحقيقة الإيمان ، و بسلامة القلوب و صدقِ إنابَتِها.

فاحذر -يا أَبَا الجَحيمِ- من تَلبيسات إبليس، و التي قد تجعل ما يحْسِبُهُ هَوَاكَ صنعَةً حَسَنَة كَحُطامٍ تَذرُوهُ التيارات الهوائية. فلا تَقْفُ ما ليس لكَ به علمٌ، و إعلم أن سمعَك و بصرَكَ و فؤادَكَ كل أولئك أنت عنه سَتُسْأَل!.

و حتى أسترسل في سبر أغوار نقاشِي الهادف، فقد وجب التنبيه -مرة جديدة- إلى قاعدة منصورةٍ تقضي بعدم جواز مُقارنة ما لاَ يُقارن. بالتالي لا توجد شروط منطقية تسمح بمقارنة الإسلام الذي هو الدين عند الله، مع صنائع بشرية تحت مسمى” الفكرة السياسية” القائمة على عدم التفريط في نصيبنا من دنيا الخالق العظيم، فكرة سياسية عقلانية تقضي حوائج الناس المطالبة بحقوق و واجبات المواطنة المكفولة بأحكام الدستور.

هكذا تيارنا الفكري عند الوعي بالحَقِّ يحسم الاعتراف بأن التناقض ليس بين ” إسلامِ الغُلاة و إسلام العلمانيين”. إذ أن تفجير دين الله الواحد: “الإسلام”، بهوس هذه الثنائية اللَّقِيطَة، يشكل سَفَهَا لاَ يعتَدُّ شرعا بأَهلية المُتَلَفِّظ بِه. مثلما يقود فاعلَه إلى خانة المُضَلل أو المُبْتدع. لأن الاختلاف و الخلاف إن وجدا، فهُما معًا بين هوى الغلاة الذي يلغي زمن الله من

معادلة فهم النص، و بين اجتهاد في التفسير لا يلغي الواقع من معادلة التدبر في فهم النص.

و حيث أن إتخاذ قرار التعجيل بطرد الآخر من رحمة الله التي قد وسعت كل شيء. ليس قرارا بمقدور إنسان خطاء لم يضمن بعد لنَفسه نجاتَها بدخول الجنة. فإن تكفير المطالب المدنية التي يرفَعها تيار ولاد الشعب حول الحقوق الفردية ( الحرية الجنسية، رفض الزي الجماعاتي، المساواة في الإرث..). ليس سوى تلفيق الشيخ المُتَصابي للفَذلَكَاتِ التافهة قصد الجزم بشِركِ تيار ولاد الشعب أو تكفيره ، مع التمهيد لحقبة الإفتاء بالتغليف غير الشرعي لأيديولوجية أبي الجَحيم الضالّة.

و قد لا أستغني هنا عن واجب تذكيرك يا أبا الجحيم، أنَّك كما شبَّهْتَ نفسكَ يا راعي السبق البِدَعي. وَ أن مجموع الأفعال التي تَنَطَّعْتَ بتكفيرها و حكمت على أصحابها بالخلود في النار . هي أفعال تندرج شرعا في خانة الكبائر، و صاحب الكبيرة كما هو معمول به عند علماء الأمة المغربية منذ قرون سلفية خلَت، يظلُ في حُكم مشيئةِ الله عز وجل إنْ شاءَ عفَا عنه و أدخلَه الجنة، و إنْ شاءَ عاقَبه بفِسْقه، ثم أدخلَه الجنة.

كما أن المغربي المؤمن العاصي المُستَحق للعقوبة، هو مبشر بشفاعة رسول الرحمة محمد الهادي الأمين بأمر الله و إذنه، و لا يشفع إلاّ لمن ارتَضى.

فمن أين لك يا أبا الجَحِيم بهذا التَّنَطُّع التكفيري الفارغ؟!، و ها أنتَ لم تستَبينْ دلائلَ شِرْكٍ بواحٍ أو كفر صدَّاحٍ تدرأ بها عنكَ فتنة الغلو المبشر بمصير الخوارج الجدد. و ها .. أنا .. ذا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، و أنه كما تَمْقُت الثقافةُ المغربية أَيَّ إسقاطٍ أعمى لفلسفة علمانية بنسختها غير الوطنية، فإنها ترفض كل مسخٍ تقليداني خرافي ، يحمل بين طيّاته استيلابا غبيا نحو تدين مجتمع أخر ذو ثقافة اجتماعية و اقتصادية مختلفة.

و لعله ذا العماد الرافع لمشروع ولاد الشعب داخل حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، مشروع الإستعاضة التقنية بالقسطاس و الإتقان. و الذي

يرتكز أساسا على حقيقة واحدة: أنْ لا وساطةَ بين العبد و ربِّه، و أنَّ التكليفات القرآنية رحيمة بشرط الاستطاعة. و عليه نمضي بالقول المبين أن التنافس الدنيوي ليس لأحد تحريمه، فالزمن الحاضر ليس زمن تقليد يا أبا الجحيم.. بل ذا زمن إبداعٍ مَعَارج قصد الإجابة على أسئلة راهنةٍ لجيل مغربي رقمي، لم يستفد من تأويلاتكم العقدية القاصرة غير مُعايشة زمنَ استغلالٍ بئيس لظاهر نصوص الإسلام ، و تلفيق تفسيراتها بغرض تصفية حسابات سياسوية تحاول إسكات صوت التيارات السياسية المطالبة بمجتمع المواطنة الدستورية، و تهديدها بفزاعة “الفئة المارقة “.

و إنما حقيقة مَشْيَخَتِكُم لا تعدو أن تكون اختزالا جاهلا بحدود الله بين ترهيب العقوبة الجلدية أو الرجمية أو القطعية، و لا يرتقي لروح الإجتهاد الرحيم و مقاصده التي أسقطت الحدود بالتباس الشبهات (ضرورة الإقرار أو البينة). كما أسقطت تفعيلها مع انعدام شرط العدالة الاجتماعية (حد السرقة و الإجتهاد العمري). فهل يا ترى ذا “الخلق الإسلامي” الذي يهديكم إلى بذاءة اللسان الفاجر القاذف للمحصنات بتهمة اللباس المختلف أو المطالبة بالحقوق الدستورية؟. و ماليَ بكم تدمنون على اختزال صفات العفة و الطهارة في حجاب قد يستر العيوب الجسدية، لكنه غير قادر على ستر عيوب القلوب. إي و ربي.. فَعلم الإحاطة انفرد به الخالق العظيم!.

إنها نَهْقَةُ التحريف المتعمد لحقيقة الصراع و طبيعة الدياليكتيك. فأن يكون إسلام الدولة تابثا دستوريا لا يقبل المراجعة، فذاك دافع قانوني كفيل بتجريم خطاب الاستعلاء المذموم الذي تنتهجونه في عقيدتكم المشبوهة، و كأننا بكم تخاطبون تيارا سياسيًا جاهليًا لم يترعرع على فقه مالك (إمام المدينة مركز الحديث المحمدي الحكيم)، تيارا سياسيا لم يدرس عقد الأشعري الذي جعل الوسطية المحمدية نبراسا له من أجل الموازنة بين تعصب الفرق الدينية واختلافاتها. تيارا سياسيا لم يلامس تصوف الجنيد السني السالك العارف بالله المتبع للزهد المحمود.

إن أول التَّلبيسات الإبليسيَّة التي من الواجب عليك -يا أبا الجحيم- أن تعي بخَبَلِها ، تتجسد في تلبيسات الزج بحدود الله بين مخالب الجدال المُؤَدلَجْ. و جعله مُرَاءًا لنُصرة خلفيات أجندات سياسية لا هدَف لها عدا التدليس الديني

و التكفير غير المباشر عبر المتاجرة بشعار إقامة الدين في الدولة. بالإضافة إلى خلق البلبلة الهدامة و ضرب عنفوان الشغف الشبابي بقيم الحرية و الكرامة التي هي أسس دستورية متينة لمجتمع العدالة الاجتماعية و المواطنة الدستورية، التي يستَحلُّ الشيخ المُتَصَابي غلَّتها و يلعن وطن مِلَّتها. رغم أن الحرية و الكرامة هي فعلا من سنة محمد الرسول المعلم المبعوث بالبشرى الخاتمة. أ لا .. و هي الفوز العظيم لكل إنسان لا يشرك بالله شيئا. وذلك مذهب أهل المغرب الأقصى، الذي كان -و ما زال- حجة على انزلاقات الفرق الدينية بالشرق العربي كفرقة المعتزلة في قولهم أن صاحب الكبيرة بين الإيمان والكفر، أو كالخوارج الذين زعموا أن الكافر مخلد في النار.

فاختَر صفَّك الذي تنحاز إليه يا أبا الجحيم، و لا تجعل الوطن المغربي ضيّقا عبر أدلجة الإسلام السمح ، و من خلال التشكيك في دولتِه الدستورية. و كَيْ لا تميلَ بنَا عن سعة الشرع المحمدي، فلا تأخذك العزة بقرائن الشركِ الزاهرة بين يديك : خطيئة التَّأَلُّه على الله، و التدليس بدين الله الإسلام. هذا الدين السمح الذي حرّر رقبة الإنسان من كهنوت أخيه الإنسان، حتّى جعل ضالة المؤمن حكمة هي لهُ أنى وجدها. و سيجدها صبرا و احتسابا و جدَّا و اجتِهَادًا في روح العقيدة المحمدية التي تعتمد البصيرة و العقل عند اختيار الاعتقاد. كما لا مجال في الإسلام لمَشْيَخَة الكهنوت، بل إنما الفرد (ذكرا أو أنثى) في مسعاهُ نحو تحقيق الخلاص، هو بكسبه رهين. و ذي الدولة بمفهومها الجامع لتحقيق المصالح الدنيوية المشتركة للمواطنات و المواطنين.

فَوحدَه الله ليس كمثله شيء يا أبا الجحيم، و هو على كل شيء قدير، و أنه الخبير بذات الصدور. لذا تتجسد نصرة دين الله عند الزمَكان الراهن، و تتجلى في احترام الإختيار الديمقراطي الأصلح لسياسة لدولة (قضاء حوائج الناس و أداء الأمانات لأهلها). و تبقى الأداة الحزبية منظومة تعددية ملزمة بتحميل برامج علمية و عملية متنوعة، بنفسها الديمقراطي الدستوري و أفقها التنموي. مثلما أن الغاية الأصلح للدعوة و التطوع، لا بد أن ترمي ابتغاء وجه الله . و ذلك حتى لا تتحول الدعوة إلى نقاب يخفي أجندات

التمكين الخرافي لأيديولوجيا الحكم و التحكم في رقاب الناس باسم رب الناس.

و هكذا يا أبا الجحيم قد لَقَّنْتُكَ مقاربة الأمثل للسياسة و الأمثل للدعوة التي تجعل من هذه الحوارية سبيلا مشتركا لكسب الرحمة من باب إتقان العمل. فالأمة المغربية بحاجة إلى سياسة قائمة بالقانون و الديمقراطية، كفرض كفاية من أجل تأمين مسيرة الصعود الديمقراطي و تنمية الوَطن المُوحَّد. كما أن الدعوة بحاجة إلى البصيرة المخلصة كفرض كفاية لتنوير السلوك الفردي في سياق التأقلم مع صدمات التحول الرقمي الكبير.

عبد المجيد موميروس

رئيس تيار ولاد الشعب بحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here