(الغائث والمستغيث) من رواية أبواق إسرافيل

بقلمي:إبراهيم أمين مؤمن
عاد جاك إلى واشنطن بعد حادثة جنيف مباشرة، وحاول الاتّصال بصديقه ولكن دون جدوى؛ فالهاتف مغلق على الدوام، حينئذ قرّر النزول إلى مصر
وحدّث نفسه قائلاً: «غدًا أسافر.»
اتّجه إلى ناسا وبالتحديد أحد المراصد الأرضيّة الخاصة بها ليمارس بحوثه ورسالته حول النجوم والثقوب والسوداء.
وأثناء ما كان يقوم بمعاينة منطقة فضائيّة حول حافة المجموعة الشمسيّة الخارجيّة -وبالتحديد منطقة سحابة أورط- من خلال أحد التلسكوبات الأرضيّة شاهد نجمًا يمرّ بها وهو يقذف مقذوفات أمعائه بطريقة هائلة.
امتقع وجهه وتفكّكت أوصاله -لأنه يعلم أن مثل هذا القذف يعني موت النجم- وتساءل مندهشًا وهو يرتجف، ولسانه لا يكاد يتحرك: «يموت هنا؟!» ثم ما لبث أن خرّ على الكرسي حيث ما عادت تستطيع قدماه تحملاه، ثم تماسك مجددًا فوثب واقفًا ليعاين من جديد، فلم يجد شيئًا مختلفًا. أسرع إلى رئيس ناسا على الفور وحدثه بمعاينته. فانزعج لانزعاج جاك، وبالفعل قال له مدير ناسا بصوت
متحشرج: «أفزعتني، أتقصد أنّ النجم سيموت وبعدها يتحول إلى ثقب أسود؟»
– «نعم.»
– «مستحيل.» همس لحظة ثمّ قال مستبينًا بعد أن أطرق رأسه: «علينا بإعادة المعاينة يا جاك، سلّطْ على النجم التلسكوبات الفضائيّة الخاصة بنا، وكذلك المحمولة على متن الأقمار الصناعيّة، ومسبارات الفضاء العميق لتعطينا تحليلاً دقيقًا عنه مثل: كتلته -المسافة بيننا وبينه – مقدار مقذوفاته إشعاعاته. حتى نعرف ما سيؤول إليه النجم بعد موته.»
على الفور اتّصل رئيس ناسا بالمسئولين عن التلسكوبات بوكالته ليقوم جاك بتنفيذ أمر رئيس ناسا.
وتمت المعاينة والرصد بالفعل ثمّ أُرسلت الصور إلى ناسا. بعد عدة ساعات فقط اجتمع خبراء ناسا لتحليل الصور وإحصاء النتائج.
نظر بكْ إلى صور عدسات الجاذبية -التي ترصد مسارات الضوء المنبعث من النجوم وانحناء الضوء المار بها بسبب جاذبيتها فقال: «إنّ النجم على وشك تفريغ كل وقوده النوويّ.»
كما أمسك جاك بصورة التحليل الطيفي التي رصدتها التلسكوبات الفضائية فقال على الفور: «النجم يحتضر بالفعل.»
وبعبقرية جاك أمعنّ في صورة النجم وعلّم بالقلم على بعض النقاط في الصورة ثمّ أعطى بيانات حالته الاجتماعية والسياسية حيث قال: «إنّه من النجوم السريعة، يبدو أنه انفلت من تجمعه النجميّ وتخلص من جاذبيتهم بسبب سرعته الرهيبة حتى وصل إلى مقدمة السحابة، والآن هو على بُعد سنة ضوئية واحدة من الأرض، وحجمه مساوٍ تقريبًا لحجم الشمس .»
قال رئيس ناسا وهو يناول جاك صورة: «انظر جاك لهذه الصورة.»
حدّق جاك فيها ثمّ ناولها إلى بكْ فقالا في نفس واحد: «إنّها بصمة أبخرة مائية.»
واستطرد بك: «بناء على هذه البيانات التي أتتنا فإنّه لو انفجر فسيتحوّل إلى قزمٍ أبيض.»
علق جاك: «بل إلى ثقب أسود.»
فرمقه كلّ مَن في الاجتماع رمقة استهانة واستخفاف -لأن النجوم الصغيرة لا تتحول مطلقًا إلى ثقب أسود.»
أمّا مدير ناسا فقد ظلّ حائرًا بين رأي الخبراء ورأي جاك فصمت ولم يعلق للحظات لأنه يعلم عبقرية جاك جيدًا، ثم قال يائسًا لعدم تأكده من أحد الظنين: «علينا باستمرار تسليط التلسكوبات الفضائيّة التابعة لها لرصد صرخاته المحتملة قبل موته كمحاولة أخيرة ونهائيّة لتقييم ما سيؤول إليه ذاك النجم المارق.»
فقالوا له: «الأمر منتهي سيادة الرئيس، هذا نجم لو مات فلن يتحوّل إلى ثقب أسود لصغر حجمه.»
نظر جاك نظرة استعبار ثم همس في نفسه: «يبدو أن الأرض ما عادت تطيق تحمل أقدام هذا العالم المارق فنادت إلى السماء لتغيثها.»

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here