المهدي سياسياً.. دولٌ أساسها رِوايات!

المهدي سياسياً.. دولٌ أساسها رِوايات!

رشيد الخيّون

ارتبط بعقيدة المهدي المنتظر وجود ثورات وسُلطات، وجماعات سياسية كحالة السودان، وجيوش كحالة العراق، وسلطةٌ دينية نيابةً عنه كحالة إيران. حصل ذلك مع الاختلاف في الفكرة والأوصاف، يخرج في زمنه أو غائب يُنتظر ظهوره. اُستغلت الفكرة، واُنتحل النسب النبوي والاسم ليكون موافقاً للحديث: «ألا تذهب ولا تنقضي الدّنيا حتى يَملك العرب رجلٌ مِن أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» (البستوي، المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث، وصدر الدِّين الصَّدر، المهدي).
أول حركة ظهر فيها لقب المهدي ما نُسب لمحمد بن الحنفيَّة (ت: 81 هجريَّة)، وبعدها ظهرت ثورة محمد بن عبد الله النّفس الزَّكيَّة، وقيل عنه «الرّضا مِن آل محمد» (قُتل: 145هجريّة)، ومثلما أطلق أبو جعفر المنصور على الإمام جعفر بن محمد (ت: 148هجريَّة) لقب الصَّادق (الأصفهاني، مقاتل الطَّالبيين)، أطلق عبد الله المأمون على علي بن موسى (ت: 203 هجريّة) «الرِّضا» (مسكويه، تجارب الأمم)، فليس بين الخلفاء والأئمة عداوات مطلقة، فالمنصور نفسه، عزل عمّه عن المدينة، وولى مكانه الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ابن الأثير، الكامل في التَّاريخ).
غير أنَّ أول سُلطةٍ تمكنت مِن بسطِ نفوذها باسم المهدي «العبيدية»، فعبيد الله بن ميمون المهدي أرسل دعاته مِن المشرق إلى المغرب، وأسس سُلطته حيث القيروان بتونس اليوم، ومنها كانت الدَّولة الفاطميَّة بمصر، شاذاً عن منطوق الحديث الذي يؤكد اسم المهدي محمداً.
اتخذ معظم الثَّائرين فكرةَ المهدي غطاءً، فلا يكاد عهد مِن عهود الخلافة خالياً مِن رايةٍ باسمه، فالفكرة خصبة وطيعة، حتى أن المنصور، لقبَ ولده مهديَّاً، ليكون محمد بن عبد الله، يطابق ما ورد: «اسمه يواطئ اسمي…»، على أنه صار «صاحب الأمر»(الطَّبري، تاريخ الأُمم والملوك). ظلت فكرة المهدي تُستغل، مِن ذلك الزَّمان حتى يومنا، لتظهر السَّنة (1979) بإيران نيابةً عنه بالولي الفقيه، وبمكة أظهرها جهيمان العتيبي.
إلا أنَّ أشد الحركات التي شُيدت على المهدويَّة سُلطةٌ عُرفت بـ«الموحدين»، بشكلها السُّنَّي، قام بها محمد بن تومرت (515 هجرية). كان فقيهاً تعلم ببغداد، بدأ حركته محتسباً مطوعاً، في السُّفن. عاد إلى بلاده المغرب، داعياً القبائل، حتَّى وصل مراكش حيث سُلطة «المرابطين»، فادعى أنَّه المهديُّ، مِن أبناء الحسن بن عليٍّ بن أبي طالب، اسمه محمد بن عبد الله، وبذا تكتمل شرعيَّة مهدويته. تبعه الكثيرون، وفي إحدى المعارك مع «المرابطين» اشتد مرضه ومات (524 هجرية)، لتنتقل زعامة الدَّعوة إلى عبد المؤمن بن علي، الذي استطاع السيطرة على المغرب ثم مراكش لينهي «المرابطين»، ويُقيم سلطة «الموحدين»، على فكر ابن تومرت (المراكشي، المعجب في تلخيص أخبار المغرب).
كان ابن تومرت متأثراً بالمهدي العبيدي، منطلقاً من عاصمته «المهديَّة»، مع اختلاف المذهب، عبيد الله كان إسماعيلياً وابن تومرت مالكياً. أمَّا ورثته فقتلوا القاضي عياض المالكي (544هجرية) «بالرِّماح لكونه أنكر عصمته» (الذَّهبي، سير أعلام النُّبلاء)، فالمهدي لا بد أنَّ يكون معصوماً، لأن أمره إلهيٌّ!
أقول: لو أردنا إحصاء مَن تلبس بالمهدي ما أحصيناهم عدداً، السؤال هل اقترب أحدهم مِن بسط القسط والعدل؟! مِن المهديين أو الفقهاء الولاة؟! بهذا أمست «المهدويَّة» عقيدةً، مع عدم وجودها في القرآن، إلا ما أولوا لها مِن الآيات، وما تناقلوه مِن الرِّوايات، فكيف لنَّا فهم سلطاتٍ تتحكم نيابة عن الله، أساسها رواياتٌ متناقضةٌ؟!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here