أذا تركت مكانا فأترك فيه وردة!

أذا تركت مكانا فأترك فيه وردة!
علاء كرم الله
رغم بساطة الكلمات لهذا المثل الفرنسي ألا أنه تضمن على معنى كبير وعميق ألا وهي الأخلاق بكل تفاصيلها ومفرادتها، فلربما يحرص الكثيرين على أن يتركوا ورائهم ذكرى وأثرا طيبا في النفوس من خلال تواجدهم في مواقع العمل التي شغلوها ويشغلوها أيا كان ذلك العمل، فطوبى لمن عمل وحرص على أن يكون كذلك وخاصة في هذا الزمن الصعب، الذي يمر على العراقيين من بعد الأحتلال الأمريكي الغاشم للعراق والذي تم فيه تدمير البنية الأخلاقية والتربوية والنفسية لغالبية العراقيين عن عمد وسبق أصرار، وكان للطبقة السياسية ومع الأسف دور كبير في ذلك التدمير!. نعود الى المثل الفرنسي الذي هو عنوان مقالنا، فالكثير منا يحرص على أرضاء الناس من خلال عمله وموقعه الذي يشغله وحتى من خلال علاقاته الأجتماعية والأنسانية في المحيط الذي يعيش فيه، وتلك نزعة الخيرالتي جبل عليها الأنسان بالفطرة ، فالخير أصلا زرعه الله في الأنسان، ولكن البعض جعل لنزعة الشر في داخله أن تتغلب ومع الأسف، ( النفس أمارة بالسوء ألا ما رحم ربي، صدق الله العظيم). وعلى الرغم من أن مهمة أرضاء الناس مهمة صعبة جدا بل قد تكاد تكون مستحيلة!، وأنها غاية لا تدرك كما قيل، ولكن مع ذلك يحرص هؤلاء على الوصول لذلك الرضا والقبول ولو بأقل درجة!. بالمقابل هناك أيضا الكثيرين ممن لن يهتموا أو يحرصوا على أرضاء الناس!، بقدر أرضاء ذواتهم بكل أنانية وحب الذات، ولن يضعوا في أعتباراتهم أرضاء الناس كهدف لهم من خلال مواقع العمل التي يشغلوها، ولا يهمهم ما يقال عنهم، ولا يهتم مطلقا أن رضت الناس عنه أم لم ترضى!، ولا يبالون حتى أن رموا أطنان من الحجارة خلفهم! .وهنا لا بد من التوضيح( أن أرضاء الناس التي نتكلم عنها لا نقصد، مجاملتهم على حساب العمل والضوابط والقوانين حتى نكسب رضاهم، بل من خلال حسن التعامل معهم بكل محبة وأحترام وتقدير وقضاء حوائجهم وأنجاز معاملاتهم وكل متطلباتهم بروح من الأنسانية وبكل مثابرة وأخلاص ونزاهة). حقيقة أن المثل الفرنسي موضوع مقالنا، في مضمونه هو رسالة للسلام والمحبة والأحترام والتقدير والنزاهة والحرص ولكل المثل والقيم االأنسانية والأخلاقية والتربوية العليا، وبالتالي هو رسالة لبناء الأنسان بناء صحيحا من خلال تلك المفردات والكلمات والعبارات التي نادى بها وحرص عليها كل الأنبياء والرسل والرجال الصالحين والمفكرين والفلاسفة وكل العقلاء!، ألم يقل رسولنا العظيم محمد ص ( رحم الله أمريء عمل عملا صالحا فأتقنه)، ولكن علينا أن نعرف بأنه ليس الكل من يقدر على ذلك!، في هذا الزمن الغريب والعجيب والمشوه الذي نعيشه والذي أصبح كمثلث مقلوب!. كما أن المثل الفرنسي يخاطب الأنسان أيا كان ذلك الأنسان وأيا كان عمله وشخصه كبيرا أم صغيرا رئيسا أم مروؤسا وزيرا أم غفيرا، وهذا المثل يحرص على تطبيقه الناس الذين يريدون أن يتركوا بصمات واضحة لهم ، ليس في مكان العمل الذي شغلوه فحسب ولكن حتى في كل تفاصيل حياتهم الأجتماعية، ليزرعوا المحبة والطيبة والنقاء والنزاهة وليكونوا مثالا يحتذى بهم لمن بعدهم. لقد قهر الله جبروت الأنسان وطغيانه بالموت الذي لا مفر منه، فهو يغادر هذه الحياة آجلا أم عاجلا، ومن الطبيعي هناك من الناس من يحرص كما ذكرنا، على أن يترك وراءه ذكرى طيبة عطرة لحسن خلقه وعلاقته وعطاءه مع الآخرين، وما كان يقدمه من نفع للناس فيترحم عليه الأبعدون قبل الأقربون. فعلى مستوى الأسرة، مثلا هناك أب بعد رحيله يترك وراءه فراغا كبيرا لأنه كان بحق قائدا للأسرة وخيمتها الأمينة بما كان يملكه من حظور أنساني ووجداني وأخلافي وتربوي ومن محبة وعطاء مالي ومعنوي لأفراد أسرته، وبالعكس منه هناك من الأباء من لم يترك ذلك الفراغ بالمستوى المرجو منه!، حيث شابت أبوتهم الكثير من القصور عل مستوى أدارة شؤون الأسرة ورعايتها معنويا وماليا، ويبقى لكل ظروفه، ونفس الشيء يقال عن رئيس الدولة والحكومة والزعيم السياسي والوزير والمدير والطبيب وأستاذ الجامعة والمدرس والمعلم. وبأعتبار أن الرؤوساء والملوك هم رعاة الوطن والأمة فهناك، من الزعماء والرؤوساء والملوك من ترك وراءه ذكرى طيبة وواحة وبساتين من الزهور والورود تفوح منها رائحة المحبة والأخلاص والنزاهة والتفاني ونكران الذات من أجل وطنه وشعبه، فأستحق الرحمة لما قدمه لشعبه من عطاء وحرص على بناء الأنسان والوطن على السواء، بكل عزيمة وأخلاص، وكان فعلا مثال للأب القائد والمربي في كل شيء. وعلى العكس من ذلك هناك من الروؤساء والملوك والأمراء من ترك وسيترك وراءه!، لعنات الملايين من شعبه لظلمه ولعدم نزاهته ولخيانته للأمانة ولكذبه على شعبه وعدم وطنيته ولأنه لم يكن أبنا بارا لشعبه ووطنه ، فهو جاء بالقوة وبمساعدة الآخرين له!، وتسلط على الشعب وحكمه بالحديد والنار والقهر وبنى حكمه على حساب ذل الشعب وفقره وتجويعه، وعلى حساب جماجم أبناء الوطن الذي جعل منهم مشاريع دائمة للموت بحروب مجنونة، ليس دفاعا عن الوطن كما يروج ويدعي، بل من أجل تثبيت أركان حكمه وبقاءه في الحكم!، ولكنه نسى وتناسى بأنه وأمثاله مثلما جاءوا بالقوة فسيذهبون بالقوة أيضا، ولا محال من ذلك، مهما طال بهم الزمن وهذه حتمية التاريخ ومعادلة الحياة!. أن حصاد الموت بالعراق مستمر بالعراق منذ 40 عاما ولا يزال، وجاءت جائحة كورونا أستمرارا لذلك الحصاد غير المتوقف، ولتزيد من عدد مقابرنا، فهذه الجائحة جاءت كأنها جرس أنذار للجميع لمراجعة أنفسهم وكأنه لا مفر منها!!، ألا من رحم ربي، فالسياسي والرئيس والوزير كلهم معرضون للأصابة بها حالهم حال الأنسان البسيط وعامل النظافة والذي لربما لا يصاب بها!. أخيرا نسأل : من سيتعض من التاريخ وحوادثه وتقلباته، ومن سيتعض ممن سبقوه من الزعماء والقادة والرؤوساء، وكيف آل مصيرهم؟، ولماذا يتناسى أمثال هؤلاء من الزعماء والرؤوساء والقادة والسياسيين، الذين تلهيهم بهرجة الجاه والمنصب، بأن يقدموا الخير لوطنهم وشعبهم، حتى يذكرهم الشعب والتاريخ بخير، ولماذا يصرون أن يتناسوا، بأن دوام الحال من المحال وبأن المناصب والحكم والرئاسات، لو دامت لغيرهم لما وصلت لهم، فماذا ينتظرون وماذا يقولون مع أنفسهم؟. أخيرا: أتمنى أن يضع كل شخص يعمل في أي مكان وفي أي مجال يعمل به، ومهما كان ذلك الشخص مدنيا عسكريا رئيسا مرؤوسا كبيرا أم صغيرا وزيرا أو موظف بسيط عاملا أم فلاحا يافطة يكتب عليها هذا المثل ( أذا تركت مكانا فأترك فيه وردة)، ليعمل بأخلاص وشرف ونزاهة وأمانة وبكل روح وطنية من أجل بناء وطنه وشعبه، وبالتالي ليترك خلفه وردة بعد رحيله، تمثل عنوانا جميلا وورديا لما قدمه لشعبه ووطنه وتكون هي كل ذكراه وتاريخه في هذه الحياة؟.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here