أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ الثَّامِنَةُ (١٩)   

                                                 نــــــــــــــــــــــــزار حيدر

   {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.

   إِنَّ الإِختلاف بلاءٌ ليميزَ به الله تعالى الخَيرَ من الشَّر، والنَّاجح من الفاشل، والمُحسن عن غيرهِ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ}.

   فبالإِختلافِ يتَّضح كُلَّ هذا، ليس على مُستوى الأُمَّة فحسب وإِنَّما حتَّى على مُستوى الأُسرة، فبهِ يكتشفُ الوالدان قُدُرات الأَبناء وخصُوصيَّاتهِم وامتيازاتهِم، ليعدِلوا فيمابينهِم.

   جَوهر المُشكلةُ إِذن لا تكمنُ في الإِختلاف بحدِّ ذاتهِ وإِنَّما في الإِختلاف الذي ليسَ لهُ حلًّا فيتحوَّل إِلى نِزاعٍ يُقطِّع أَوصال الجماعة، فإِذا كان الإِختلافُ سبباً من أَسبابالتطوُّر والتقدُّم والتكامُل فإِنَّهُ إِذا تحوَّل إِلى نزاعٍ فسيكونُ سبباً مُباشراً للضَّعف وضَياع الإِرادة {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ}.

   يقولُ تعالى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} وقولهُ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}

   وهذهِ الآيةُ تحديداً تُشيرُ إِلى أَحدِ أَهمِّ أَسباب فشل الجماعة في إِدارةِ خلافاتِها أَلا وهوَ التزمُّت واعتزازِ كُلِّ مجموعةٍ بموقفِها رافضةً أَن تتزحزحَ عنهُ للصَّالح العام إِذاشعرت بضعفِ موقفِها أَو لمست حكمةً أَو رشَداً في رأي وموقفِ المجموعَةِِ الثَّانية.

   فلَو أَنَّ كُلَّ الأَطراف تتَّفق على مبدأ إِحتماليَّة الصَّح والخطأ في كُلِّ الآراء والأَفكار والمواقف المطروحة من دونِ تزمُّت برأيٍ أَو مُصادرةٍ لآخر لتوصَّلت إِلى حلُولٍ معقُولةٍ قبلَأَن يتحوَّل الإِختلاف إِلى نزاعٍ.

   يقول تعالى {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }.

   وهذا يحتاجُ إِلى إِرادةٍ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}.

   ولا عِلاقةَ للخلفيَّة في تحقيقِ هذا التَّوازن، ولذلك نُلاحظ أَنَّ أَمراض النِّزاعات والإِنشقاقاتِ تُصيبُ الأَحزاب [الدينيَّة] و [العلمانيَّة] و [اليساريَّة] و [اليمينيَّة] على حدِّسواء! حتى تحكَّمت فيها الظَّاهرة [الأَميبيَّة] أَو [المُتتالية الهندسيَّة].

   والسَّببُ الثَّاني هو الإِستعجال في الحُكم على الآراء والأَفكار والمواقف {حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِـَٔايَٰتِى وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

   فلو نتأَنَّى بدراسةِ الموقف لاستوعبناهُ بشكلٍ أَفضل وبالتَّالي لحصلَ الفَهم والتَّفاهُم بشكلٍ يُقرِّب الجماعة من الإِنسجام.

   إِنَّ الصَّبر على الرَّأي والرَّأي الآخر، وإِنَّ الصَّبرَ لسماعِ جوابِ [المُتَّهم] قبلَ الحُكمِ على فعلهِ أَو رأيهِ من أَدوات حلِّ الخِلافات للتوصُّلِ إِلى حلُولٍ معقولةٍ ومنطقيَّةٍ تخلقُالإِنسجام في الجماعة، ولذلكَ أَردفت آية النِّزاع الصَّبر كأَداةٍ أَساسيَّةٍ من أَدوات تجنُّب النِّزاع {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.

   ولعلَّ في قِصَّة نبيَّ الله موسى وأَخيهِ هارُون درساً بليغاً بهذا الصَّدد.

   تقُولُ القصَّة {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي* قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَوَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي}.

   كذلكَ فإِنَّ في قصَّة [أَصحاب الحُجُرات] درسٌ مُشابهٌ {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ۚ وَاللَّهُغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

   فبالصَّبرِ تجدُ الجماعة حلولاً لحلِّ خلافاتِها إِذا استحضرت الإِرادة.

   السَّببُ الثَّالث هو تصدِّي غَير المُستحق لموقعٍ لا يفهمُ فيهِ فتراهُ بهذهِ الحالةِ حريصٌ على قمعِ النَّقد والرَّأي الآخر خوفَ الفضيحة وبالتَّالي الإِزاحة عن الموقعِ الذي امتطاهُبالصِّدفةِ أَو بالمُحاصصةِ أَو بالتَّآمر أَو بالمال [الرَّشوة].

   أَمَّا المرءُ المُخلص الحريص على الصَّالح العام وعلى مصالحِ وأَماناتِ النَّاس فيعرفُ قُدراتهِ فلا يورِّط نفسهُ بموقعٍ ليسَ لهُ أَهلاً {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ}.

   وأَكثر من هذا فهوَ يُحرِّضُ على استيزارِ واستئجارِ الكفُوء إِذا لمسَ فيهِ خصال الكفاءة والنَّزاهة {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}.

   إِنَّ أَحد أَهم أَسباب الخِلافات المُزمنةِ التي لا تجد لها الجماعةُ حلًّا هي تصدِّي غَير الكفُوء وإِزاحة الكفُوء، فذلكَ يُكرِّس الفشل ويُضيِّع فُرص النَّجاح، وبينما يرفضُالفاشل الإِعترافَ بعجزهِ يُصِرُّ الآخرُون على أَنَّ تصدِّيه هو سبب الفَشل، وهكذا تتطوَّر المُواجهة لتتحوَّل عادةً إِلى نزاعٍ!.

   *يتبع..

   ٣٠ نيسان ٢٠٢١

                            لِلتَّواصُل؛

‏Telegram CH; https://t.me/NHIRAQ

‏Face Book: Nazar Haidar

‏Skype: live:nahaidar

‏Twitter: @NazarHaidar2

‏WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here