محطة رقم 8 الفرزة الخامسة

محطة رقم 8 الفرزة الخامسة
استمر نافع في التنظيم مع المخبرين الشيوعيين حتى وصل الى مرحلة الثاني متوسط عام 1956 ولكي يُختبر
نافع من دائرة التحريات او الامن عن مدى اخلاصه طلبت ادارة المدرسة منه اعلان براءته من الحزب
الشيوعي بالصحف المحلية وفي حال رفضه يكون مصيره الفصل ويُحسب من جماعة حاملي الافكار الهدامة
وهذا هو الملعوب لتحطيم نفسية الضحية في كلا الحالتين .
ولأن أخي لم يحلل الموقف والى الان لم يعرف هذا الملعوب ولم يسأل نفسه لماذا يُطلب منه بالذات هذه
البراءة دون باقي الطلاب قرر أن يُضحي بمستقبله ورفض اعلان البراءة فتقرر فصله .
اشتغل نافع بعد فصله عاملًا لدى احد مصلحي السيارات وبعد ايام يَكسرُ نابَه بمفتاح البراغي [ سبانه ] فيترك
العمل ليشتغلَ لدى خالنا المقاول عبد الامير حمادي الوائلي في مقاولة كانت بقضاء الحي وهي عمل مُسنّاة اي
سدة ترابية لنهر الغراف في عام 1956 اي نفس العام الذي حصل به العدوان الثلاثي على مصر وفيها انتفض
العراقيون وقاموا بتظاهراتهم وقيادتها هم الشيوعيون وكانت الكوت من ضمن المدن العراقية التي انطلقت
بتظاهراتها ضد موقف الدولة المتجاوب مع المعتدين وكان للسجناء الشيوعيين موقف قد ذكرتُهُ سابقًا
وذكرتُ خديعة رجال التحريات او الامن للشيخ هادي الاسدي وإفتائه بقتلهم وسقوط سبعة ضحايا منهم .
وأمَا عن مدينة الحي فكانت هي الأكثرُ أحداثًا حيث سيطر المتظاهرون على المدينة بأكملها مما استدعى
الحكومة الى ارسال فرقة القوة السيارة وهي فرقة من الشرطة جاهزة للتحرك السريع فدخلت المدينة
وأعلنت حظر التجوال في المدينة كما اعلنت الحكومة الاحكام العُرفية في كل العراق .
ويقول أخي نافع بعد حظر التجوال قررتُ العودة للكوت وكان جيران بيت عمي عبود سائق سيارة يُريدُ
المغادرة الى الكوت فركبتُ معه وسار بنا الى اكثر من منتصف الطريق ثم توقف وقرر العودة بنا الى الحي
دون ان أعرف السبب فرجعتُ الى الدار وبقيتُ ثلاثة ايام لا آكل غير الخبز اليابس وفي اليوم الثالث قررتُ
مجازفًا ومضطرًا بالخروج الى الكراج فغطيتُ رأسي وتلثمتُ باليشماغ وأثناء خروجي سمعتُ من خلفي إثنين
من الشرطة السيارة يقول أحدهما الى الاخر انه سمع بخروج مسؤولين يقومون بالتفتيش بحالة متخفية وما
سمعه نافع صحيح بعد ان تبين لي ان عمنا عبود كان يعمل في جهاز الامن او التحريات سابقًا وقد كان
للشرطيين عِلم مسبق بالبيوت وعند خروج نافع توقعّا أنّه مسؤول في حالة تفتيش .
ثم يواصل نافع قوله فيقول دخلتُ الكراج ووجدتُ سيارةً وكأنها تنتظرني وهي واقفة على نفر واحد ووجدتُ
احد الشيوعيين واسمه محسن العاني وهو أحد البارزين في التظاهرات فجاءني يطلب مني اقراضه مبلغ عشرة
دنانير لحاجته اليها فأقرضته المبلغ وغادرتُ الى الكوت ولا اعلم عنه شيءً ويُتمم نافع قوله فيقول وبعد
عودتي الى العراق من جيكوسلافيا عن طريق لبنان كان لي موعد في إحدى كازينوهات بيروت مع الحاج عبد
العزيز الحاج حسون الناصر واذا بيَ ألتقي وجهً لوجه بمحسن العاني وهو بلحمه وشحمه وبجانبه حقيبة
دبلماسية وبعد سلام حار تكلمنا عن ذكريات الحي عندها ذكّرتُه بالمبلغ الذي اقترضه مني ففتح الحقيبة واذا
هي مليئة بالدولارات وقال لي خُذْ ما تحتاجه منها فرفضتُ أن آخذ غير المبلغ المساوي للعشرة دنانير بعدها
افترقنا وكان ذلك اخر عهدي به في بداية عام 1972 .
وفي عام 1957 اشتغلتُ واخي نافع في محل بيع المرطبات لصاحبه محمد علي او عبد علي سابقًا ووالده
محمدجعفر الاوسي وله أخ اسمه عبد الرزاق كان زميلي في الابتدائية ومسكنهم مجاور بيت المضمد محمد
نبيه بالزقاق الواقع بين مقهى سيد كاظم ومقهى عائدون في المشروع وقد اشتغل محمد علي بعد ذلك موظفًا
في المحافظة ثم التقيتُهُ بالمصادفة اواخر الثمانينات في السوق العربي الواقع في الشورجة وله محل لبيع
المنسوجات ولم اعرف بعدها عنه شيءً وكان موقع محل المرطبات هو الركن من املاك عبد الحسين نصيف
القريب من ساحة العامل.
وآخر عمل مشترك جمعني ونافع هو محل زيد أو اسكندر واولاده الحاج سلام وعبدالكريم ولهما اخوة
اخرون وكان يوم 13/ تموز / 1958 هو اخر يوم بعد التُهمةِ المُلَفقةِ من السيد وصاحبه شاهد الزور .
أعود الى ما آل اليه وضع الشيوعيين بعد خطاب الزعيم في كنيسة ماريوسف وما وصل اليه الزعيم من
الاستهانة به وبقرارته وتوجيهاته وشاهدي ما حصل عام 1960 وذلك ان وجّهَ الزعيم قرارًا يقضي بحجز
لاعبي القمار / اللكو قبل حلول عيد الفطر وما حصل هو انقلاب الحملة على الشيوعيين وتوقيفهم من قِبَل
التحريات الجنائية/الامن حاليًّا وكان من ضمنهم أخي نافع وتم حجزهم في سجن الكوت وما اتذكره ان نافع
طلب كتاب كيف تكون شيوعيًّا جيدًا ولا ادري ما هو الدافع الذي دفعه لأن يتبرع باحضار هذا الكتاب
الخطير عن طريقنا أهو دافع ذاتي أم هو تكليف وتوريط من الشيوعيين المخبرين المحجوزين معه فأراد
اخي تسجيل بطولةٍ بادخاله الى السجن وقد أكّده علينا باحضاره وما هذا الطلب الا تهورٌ لا يطلبه عاقل
لأن في حالة اكتشافه يكون دليلاً قاطعًا لا نقاش فيه على ادانتي وادانتَهُ ومصيرنا يكون الى احدى المحكمتين
العسكريتين امّا ألاولى او الثانية ولمّا لا يوجد غيري وابي الكبير بالسن الذي لا يتمكن القيام بالمجازفة قامت
امي بمفاتحتي بطلب نافع ولم تحسب عواقب الامور وما سيترتب عليها وما سيكون مصيري لو انكشف
الامر كل هذا لم يخطر ببالها ولا خطر على بال نافع وحتى لو خطر ذلك ما الفرق عنده في ضياع مستقبلي
كما حصل معه عندما كان في المتوسطة فالمهم عنده ان يكون بمستوى الشيوعي والمناضل الجيد الذي
لا يُبالي بنفسه ولا بعائلته .
أخبرتني أمي بالطلب ومعنى هذا ان هذه مهمتي ولا احد غيري يقوم بها وبعد تفكير قليل وجدتُ حلًّا فيه
مجازفة ولا بُدّ منها ولا ادري مدى نجاحها حين اقوم بها .
كان الاكل مسموحًا به من اهل الموقوف حتى لا تتحمل الدولة مصاريفه فاقترحتُ على امي أن تعمل وجبة
الغداء من الكباب المشوي وأن تضع الكتاب بين طبقات الخبز وعلى هذا اتفقنا وحان وقت ارسال وجبة
الغداء الى نافع ورتبنا الاكل ووضعناه في الصينية وخرجتُ به الى السجن الذي لا يبعد كثيرًا عن بيت جدّي
ولمّا وصلتُ السجن تسلم الشرطي الذي في الباب الرئيسي الصينية وفتشها ثم دخل بها الى الباب الداخلي
وسلمها الى الشرطي الاخر ففتشها وانا اراقب حتى دخلت الى الموقوفين ولا أدري ما حصل بعد دخول
الصينية وفي اليوم التالي حملتُ الغداء كالعادة وعند وصولي الى باب السجن الرئيسي وجدتُ المفوض
محمود وهو شاب مستجد في عمله لم أعرفه سابقًا وليس من اهل الكوت واذا به يفاجئني بتهمة إدخالي
الكتاب في اليوم الماضي وما كان مني الا الأنكار مدافعًا عن نفسي بأن التفتيش قد تم مرتين فكيف أكون
متهمًا بهذا العمل ولا دليل على التهمة فسكت وهو غير مقتنع .
وهذه الحادثة مع المفوض محمود لم اتكلم بها لأحد من اهلي بما فيهم نافع وأذكرها اليوم لتوثيق كلامي
بشاهد حقيقي عن وجود مندسين في صفوف الشيوعيين يعملون لأجهزة أمنية أواستخبارية .
***************************************************************
الدنمارك / كوبنهاجن الاربعاء في 28 / نيسان / 2021
الحاج عطا الحاج يوسف منصور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here