دولة سومر، النبع الاول للحضارة الانسانية !

دولة سومر، النبع الاول للحضارة الانسانية ! (*) د. رضا العطار

التعليم !

أيام الدراسة في المدرسة السومرية : اول حالة (تزلّف) في تاريخ الأنسان.

من أشد الوثائق التاريخية مساسا بالناحية الأجتماعية، مما تم الكشف عنه في حفريات الشرق الأوسط، تلك المقالة السومرية عن النشاط اليومي لتلميذ في مدرسة سومرية.

وتبين لنا بكلماتها وعباراتها الواضحة كيف ان امور الحياة والاحوال باقية كما هي ولم تتبدل، رغم مرور الوف السنين. نجد في المقالة ملاحظات حول البرنامج اليومي لتلميذ في مدرسة سومرية وهو لا يختلف عن بقية زملائه، يخشى ان يتأخر عن موعد الدرس،

( مخافة ان يضربه معلمه بالعصا ).

فبعد ان يستيقظ في الصباح، يحث امه ان تهيئ له طعام الغذاء على عجل.

وفي المدرسة نجد المعلم يضربه بالعصا كلما اساء السلوك. ونحن نعلم من ان راتب المعلم كان ضئيل القدر، ولهذا كان يسعده ان يحصل على بعض المال من آباء التلاميذ ليحسن وضعه المعاشي.

جاء في اللوحة السومرية الحوار التالي الذي دار بين المعلم والتلميذ:

( ايها التلميذ ! الى اين كنت تذهب منذ ايامك المبكرة ؟ ) فيجيب التلميذ : ( كنت اذهب الى المدرسة ) ثم يسأل المعلم ( وماذا كنت تفعل في المدرسة ؟ ) فيجيب التلميذ ( كنت استظهر لوْحي وآكل طعامي واهيئ لوحي الجديد لأكتبه واكمله، بعدها يعينون لي درسي الشفهي. وفي العصر يخصصون لي الدرس المكتوب. ثم اعود الى البيت، حيثما اجد ابي جالسا ينتظرني. فأطلعه على درسي المكتوب ثم استظهر له لوحي، فيسر ابي بذلك … وعندما استيقظ في الصباح الباكر اسلم على أمّي واقول لها : احضري غذائي لأنني اريد الذهاب الى المدرسة، فتزودني امّي برغيفين وعندئذ اشرع بالسير بأتجاه المدرسة، وهناك يقول لي العريف ( لم تأخرت ؟ ) ثم ادخل وانا خائف في حضرة المدرس واحييه بأحترام )

وسواء قدم ذلك التلميذ التحية ام لم يقدمها، فإن يومه ذاك في المدرسة كان يوما عصيبا. فقد تلقى الصبي الضرب بالعصا من شخص من هيئة التدريس من اجل ما ارتكبه من هفوة في الصف اوالخروج من باب المدرسة. والانكى من ذلك قول المعلم له :

( ان خط يدك في الاستنساخ ردئ غير مرضى ) وضربه بالعصا من اجل ذلك.

وهنا نفذ صبر الصبي لانه فوق ما يتحمله، فأشار على ابيه بأن خير ما يفعله، هو ان يدعو المدرس الى بيته ويسترضيه ببعض الهدايا … وهذه اول (حالة تزلف) مدونة في تاريخ الانسان. ثم تستمر القطعة الانشائية على النحو التالي :

لقد استمع الأب الى طلب ابنه ودعا المدرس الى داره فقدم. وبعد ان دخل البيت اجلسه في اشرف مكان وقام التلميذ على خدمته. واخذ يستعيد امام ابيه كلما تعلمه من فن الكتابة عبرالآلواح. ثم قام الأب وقدم الى ضيفه المدرس كأسا من الفخار المنقوش، فيه مقدارا من الخمر. ثم قدم له الطعام وكساه بحلة جديدة واعطاه هدية ووضع خاتما في اصبعه. وطابت نفس المعلم من هذا الكرم وحسن الضيافة. فأخذ يطمّن الوالد على مستقبل ولده الطموح، وانشد له شعرا بهذا الخصوص، هذا مقتطف منه :

( ايها الشاب ! لأنك لم تهمل قولي ولم تنبذ ارشادي، عساك ان تبلغ القمة في فن الكتابة، وعسى ان تتقنه غاية الاتقان، ولعلك تكون القائد بين اخوتك وان تصبح رئيسا على جميع اصدقائك، وليتك تبلغ اعلى الرتب بين طلاب المدرسة … حقا لقد احسنت في انجاز واجباتك المدرسية واصبحت رجل علم ! )

هكذا تنتهي هذه الرسالة المفعمة بالتفائل والأمل، والتي لم يعلم كاتبها انذاك ان رسالته الشخصية هذه سوف تقرأ بعد اكثر من خمسة الاف سنة من قبل اساتذة متخصصين في الاثار السومرية في جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية.

كانت مسألة جمع الاجزاء لهذا النص قد استهلت عام 1909 من قبل قارئ النصوص المسمارية – هوجو رادو – واكملت في الخمسة والعشرين سنة التالية من قبل مشاهير المستشرقين، امثال – ستيفن لنجدون – و – ادورد كيرا – و– جنوياك.

ويوجد منها الان 13 نسخة موزعة بين مختلف المتاحف في العالم، كمتحف الجامعة في فيلادلفيا و متحف الشرق القديم في استانبول و متحف اللوفر في باريس.

* مقتبس من كتاب الواح طينية، السومريون لصموئيل كريمر جامعة شيكاغو 1963

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here