انكلترا، ودورها الثقافي الفعال ابان النهضة الاوربية !

انكلترا، ودورها الثقافي الفعال ابان النهضة الاوربية ! * د. رضا العطار

تولت الحكم في انكلترا في العام 1558 ابنة الملك الجزار هنري الثامن الملكة اليزابث تيودور التي اطلق عليها المؤرخون (الملكة العظيمة) والتي استطاعت ان ترتقي عرش انكلترا بفضل مذهبها البروتستانتي – وهي الملكة التي جعلت من بريطانيا في ذلك الوقت اعظم قوة في العالم، وكان عصرها ازهى عصور التاريخ الانكليزي فقد كانت اليزابث الاولى مشجعة للثقافة في شتى وجوهها، مثلها مثل الخليفة العباسي المأمون في بغداد – – – وكانت اليزابث ملكة عقلانية الى حد بعيد جعل مؤرخوها يصفونها بانها اعقل امرأة وُجدت. حيث انها سنت قانونا، ينزل عقوبة الاعدام بكل من يشتغل بالسحر.

– – وفي عهدها اتحدت انكلترا وايطاليا وفرنسا في مجال الفكر والعقل، فلم تكن اليزابث ملكة انكلترا بقدر ما كانت ملكة الثقافة في اوربا كلها. فضلا كونها جعلت انكلترا سيدة بحار العالم.

ولم تكن انكلترا باقل شأنا من باقي الدول الاوربية التي ساهمت مساهمة فعالة في عصر النهضة في العلم والادب – ففي مجال العلم ظهر فرانسيس بيكون 1561 – 1621 الذي كان من اكبر العقول وانشطها، بل كان هو ذروة عصر العقل، الذي بدأ تباشيره تسطع، فهو الذي نادى بتنقية الفكر والتخلص من الاوهام التقليدية التي ولدتها فينا الحساسية المفرطة في معتقداتنا الدينية والتعاليم القديمة، وقد وضع بيكون كتابه ( تقدم التعليم).

وفي مجال الادب، حلقت انكلترا في هذا القرن الى افاق واسعة في الادب شعرا ونثرا ومسرحا ونقدا، فظهر اعظم كتاب المسرح في العالم، متوجين بوليم شكسبير. الذي اكسب انكلترا من الشهرة والرفعة والعزة.

وفي مجال الشعر الغنائي برز في انكلترا في هذه الفترة الشاعر جون دن، شاعر الحب والتقوى. – – كما ظهر عدة نقاد كان ابرزهم، الناقد المشهور فيليب سدني. فهو الذي قال

(ان الاخلاق تسمو على الفن وان الفن معلم الاخلاق)

وفي هذا القرن ازدهر التاليف وزاد عدد الناشرين بالمئات، – كما اكتسحت انكلترا موجة من الترجمة من اللغات الاوربية وكان على هوميروس ان ينتظر طويلا لكي يترجم الى الانكليزية.

رغم ان المدارس لم تك متقدمة كثيرا في انكلترا في عصر النهضة، وكانت القلة القليلة هي التي تستطيع دخول المدارس الثانوية – حيث يتعلمون اللاتينية واليونانية ومبادئ القراءة والكتابة والحساب – الا ان انكلترا كانت قد احرزت في القرن الثامن عشر نصرا علميا عظيما لم تضاهيها به اية دولة اوربية – وذلك بفضل الانجازات العلمية ليوتن ولوك وغيرهما – ولم يكن التقدم العلمي هو المظهر النهضوي الوحيد، فإلى جانب ذلك قامت انكلترا بحملة استصلاح واسعة للاراضي الزراعية – كما قامت بتكوير صناعات كثيرة رغم ان هذا القرن لم يشهد كثيرا من المخترعات العلمية قياسا لما حصل في القرنين الماضيين. – الا ان ما تم اختراعه في هذا القرن دفع بالصناعة الانكليزية الى الامام لكي تتصدر فيما بعد الصناعة الاوربية كلها.

ففي هذا القرن اخترع جون كي عام 1733 (المكوك الطائر) وكان اول اختراع بارز في صنعة المنسوجات – – فيما اعتبر بعض المؤرخين هذا الاختراع بداية الثورة الصناعية التي قامت في القرن التاسع عشر، هذا ما يقوله ول ديوارنت.

ويكفي انكلترا في هذا القرن ميلاد العالم الفيزيائي والكيميائي جون دالتون الذي وضع اول نظرية ذرية علمية كما كان اول من وصف عمى الالوان.

وفي القرن التاسع عشر انجبت انكلترا العالم البيولوجي الشهير شارلس داروين مكتشف نظرية اصل الخليقة وتطور الانسان التي احدث ضجة كبرى في الاوساط العلمية في العالم اجمع.

ولم تحرز انكلترا قصب السبق في مجال الصناعة والعلوم فقط ولكن كان لها دور كبير في الفلسفة الاوربية حيث ظهر فيها ديفيد هيوم الذي ترك لنا رسالته الشهيرة في الشك

والذي استطاع ان يقوض فلسفات (رسالة في الطبيعة البشرية) والذي استطاع ان يقوض فلسفات ثلاثة كانت قائمة :

الفلسفة المادية حيث اننا لا ندرك المادة ولا نعرف غير عالمنا العقلي. والفلسفة الروحانية لاننا لا ندرك الروح المندمجة في مشاعرنا وافكارنا الخاصة. وفلسفة الخلود لانه ليس هناك عقل يبقى حيا بعد الموت.

ولم يك حظ انكلترا في هذا القرن من الفن قليلا، فلم يخل هذا القرن من رسام متميز كجون كروم، الذي عني بتصوير الريف الانكليزي وكذلك توماس لورانس وجورج رومي اللذان عنيا برسم الوجوه. والرسام الاسكتلندي الان رمزي الذي يعد اعظم الرسامين الاسكتلنديين في التاريخ كله.

اما في الادب فقد ظهر توماس جراي الذي يعتبر احد رواد الحركة الرومانسية وولتر سكوت الروائي الكبير، والكاتب المسرحي ريتشارد شرايدن الذي برع في الكوميديا الاجتماعية.

وتباهت انكلترا بظهور جورج هاندل (1685 – 1759 ) الموسيقار الكبير الذي كانت قامته الفنية تطاول قامة باخ وموتسارت وبيتهوفن.

مع ذلك لم يك طريق عصر النهضة في انكلترا مفروشا بالحرير ومنثورا بالورد بل كان هذ الطريق ملغوما بالاضطهاد الدموي. فكانت الحكومة البريطانية تحرق الكتب المحرمة التي لا يسمح بقرائتها بين حين واخر و نكلت بمؤلفيها الذين شككوا بالدين وناصبوا الكنيسة العداء، وكانت الرقابة على الكتب المحرمة صارمة،

ولم يقتصر الاعتداء على حرية الفكر من قبل الكنيسة والدولة ولكن تعداه الى المجتمع نفسه، الذي كانت بعض فئاته تناصب حرية الفكر والمفكرين الاحرار العداء والمحاربة في انكلترا اشتد الهجوم على العالم الكيميائي برستلي لتأييده الثورة الفرنسية، فاحرق الرعاع بيته في برمنجهام واتلفوا مختبره، وظلوا يجوبون الشوارع ثلاثة ايام وهم يقسمون ان يحرقوا كل الفلاسفة الى درجة ان اهالي برمنجهام من شدة خوفهم علقوا على ابواب منازلهم عبارة تقول : ( لا يوجد لدينا فلاسفة ).

* مقتبس بتصرف من كتاب عصر التكايا والرعايا، د. شاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here