عيون لاتنام

عيون لاتنام
فضيلة مرتضى
أمام عتبة الباب وقفت ترتجف وأبنها البكر وزوجته ينظران اليها بوجوه جامدة خالية من خطوط المشاعر الأنسانية وجيوش من خيبة الأمل والأنكسار تجتاح هيبة الكرامة وعزة النفس الأبية وصرخات مكبوتة داخل قبضة الحنجرة تمنعها بقوة خوفآ من فقدان العلاقة الروحانية المقدسة بين الأم والأبن , كان موقفآ لاتحسد عليها هناك ظلم وإجحاف في حقها ولكنها لاتريد أن تتعقد الأمور أكثر تحاول مما لديها من قوة أن تدع مساحة من الأمل لكي تعبر عربة العلاقة جسر الصعوبات . منذ أول لقاء تعارف للتعرف على الفتاة التي كان ينوي الأرتباط بها فوجئت الأم بفتاة غريبة الأطوار وليس هناك أي وجه شبه بينها وبينهم … فتاة ليس لها ذرة أحترام متسلطة ومتعجرفة ورغم تلك الملاحظات قبلت بها أمام رغبة الأبن في حينها همست في أذن نفسها وقالت: لعلي مخطئة ولعل الأيام تصلح حالها وايضآ أبني حر في الأختيار . لم تكن من الأمهات اللاتي يفرضن رأيهن على أولادهن ولكنها ربتهم بتفاني ونكران الذات الى أن أوصلتهم الى أعلى المرات وصاروا يعرفون الصح من الخطأ. لم تتصور في يوم من الأيام يحكم عليها القدر بهذه المفاجئة المرة وينقطع صلة الرحم بينها وبين أبنها البكر الذي كان مثالآ يقتدى به حيث اصبح مهندس ناجح وبار بوالديه الى أن دخلت في حياتهم تلك التي أبعدته عنها وعن العائلة بكل صلافة وأنانية …قالت بسرعة وفي حلقها مرارة وذل: أفرضوا أنني مخطئة ألا يستحسن أن نعطي أنفسنا فرصة لردم العلاقة وإصلاح ماأنكسر { رغم أنها على يقين من عدم أقترافها أي خطأ بحقهم } ولكن كان واضح أن الطرف الآخر مصر على قطع خطوط التواصل بشكل نهائي . قالت زوجة الأبن بعنجهية وقوة : لامجال لإعطاء فرصة , مضت ومضى وراءها الأبن كأنه مسحور ومسلوب الإرادة .لم يلقي أي أهمية للصدمة التي قصفت ظهرالأم ..سقطت ذراعيها الى جانبيها حيث كانت مستعدة لأستقبالهم على صدرها .. أصابها الذهول ووقفت لثوان متسمرة في مكانها وعينيها مليئة بالدموع الساخنة همست وقالت بصوت مخنوق :ياألهي ماذا كانت تقرأ في رأسه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
تعالت صرخات من أحشائها كأنها قادمة من بطن الأرض لكنها كتمتها وخاطبت نفسها: لماذا؟ لماذا وضعت قبضة السكوت طيلة هذة السنين على صرخاتي ضد الظلم ؟ بكى قلبها وأحست بأنه توقف عن الخفقان وأجتاح جسدها برودة وكأنها عارية في الشتاء القارص. في تلك اللحظة ماتت المروءة .. ماتت صلة الرحم والمبادئ والقيم الرفيعة. لقد تربت منذ الطفولة على تقديس السكوت وعلى الكتمان ليتها كانت قد قصرت معهم ليتها صرخت ولو مرة واحدة لعل الألم كان أخف الآن, وليتها كانت وقحة لكانت النفس الآن أكثر راحة ولكان معاناتها أقل مما ينبغي. كان ظنها في محله , تلك الفتاة قد خططت ونفذت خطتها وكان سهل عليها جدأ لأن أبنها أرق من النسمة ومنذ تلك اللحظة انقطع الأبن عن الأم وأخوته وحتى عن العشيرة . مرت أحدى عشر عام وعيونها لاتنام , حتى عيون الشمس تغيب ولكن عيونها سهرانة ولسان حالها: الى أين شديت الرحال ؟ لم جعلتني أرى السماء مكان الأرض؟ لم جعلتني أرى النجوم في بطن النهار؟ والقمر في بئر الأحزان؟ صرت ياولدي أبحث عن الشمس لأقص عليها قصة قمر تاه!!! علمتك كيف ترتفع الى الأعلى لم أعلمك تسقطني الى الأسفل ملئت سلال رأسك جريان الأنهار . حين بلطت شوارع قلبي لك لم أكن أعلم بأن قدميك مسامير وأبر تغرسها في قلبي. كنت لاأنام .. حتى عيون الشمس تنام وتغيب ولكنني جعلت قمر قلبي لك رقيب ليحرسك ليلآ ياقرة العين وشمس عيوني جعلتها تشرق في نهارك لترى طرق السلامة .كيف جاز لك القسوة على الأم . الأم وطن هل يجوز الأفراط بها …. الأم لايمكن أستبدالها بأحد هذا محال ……محال .
24/04/2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here