الفلسفة المعادلاتية و تحليل اللغة

الفلسفة المعادلاتية و تحليل اللغة

حسن عجمي

بالنسبة إلى الفلسفة المعادلاتية ، اللغة معادلة رياضية مفادها التالي : اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة. تنجح معادلة اللغة في التعبير عن الخصائص الأساسية للغة كإمكانية أن تتغيّر اللغة و تتطوّر و امتلاك اللغة لقواعد ما يشير إلى مقبولية معادلة اللغة و صدقها.

إن كانت اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، إذن اللغة تتضمن القواعد بالضرورة لأنَّ القواعد معلومات حيال كيفية تركيب الجُمَل و صياغتها. بكلامٍ آخر ، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة، و علماً بأنَّ القواعد قوانين متكوِّنة من معلومات تُحدِّد كيفية بناء الجُمَل لتصبح ذات معان ٍ وبذلك القواعد معلومات حيال كيفية تكوين الجُمَل ، إذن اللغة تتضمن القواعد بالضرورة. هكذا تنجح معادلة اللغة في تفسير لماذا اللغات تمتلك قواعد بالضرورة. و هذا النجاح دليل على صدق معادلة اللغة و تفوّقها المعرفي.

بالإضافة إلى ذلك ، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، إذن من المتوقع أن تكون اللغة متكوِّنة من معلومات كأن تكون معلومات متوارثة تماماً كما هي بالضبط. من هنا ، تنجح معادلة اللغة في تفسير لماذا اللغة مجموعة معلومات متوارثة ما يعزِّز صدقها. فمثلاً ، اللغة العربية معلومات متوارثة كمعلومة أنَّ العائلة هي التي تُعال (لاشتقاق “العائلة” من “عالَ”) و معلومة أنَّ المعرفة كامنة في العُرْف (لاشتقاق “المعرفة” من “العُرْف”). تتعدّد الأمثلة و تكاد لا تنتهي. فاللغة العربية تحتوي على معلومات متوارثة عديدة و متنوّعة منها أيضاً معلومة أنَّ الأسرة هي التي تأسرك كأن تأسرك بواجبات معيّنة (لاشتقاق “الأسرة” من “أسَرَ”) و معلومة أنَّ الكون هو الذي كان و يكون و سيكون (لاشتقاق “الكون” من “كان” و “يكون” و “سيكون”) و معلومة أنَّ العالَم هو معلومات (لاشتقاق “العالَم” و “المعلومات” من الجذر نفسه ألا و هو ع-ل-م). هكذا اللغة العربية مجموعة معلومات متوارثة و هذا متوقع لأنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة.

من المنطلق نفسه ، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، إذن من الطبيعي أيضاً أن تكون اللغة متكوِّنة من معلومات من الممكن اكتشافها أو تكوينها في المستقبل. وبذلك اللغة ظاهرة مستقبلية تتشكّل في المستقبل على ضوء ما نكتشف و نبني من معلومات ما يضمن أن تتغيّر اللغات و تتطوّر بتغيّر و تطوّر المعلومات. بكلامٍ آخر ، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة وبذلك اللغات معلومات ، و علماً بأنَّ المعلومات عرضة للتغيّر و التطوّر أو التخلّف ، إذن اللغات عرضة للتغيّر و التطوّر أو التخلّف. من هنا ، تنجح معادلة اللغة في التعبير عن إمكانية تغيّر اللغات و تطوّرها أو تخلّفها و تفسِّر لماذا تتغيّر اللغات فتتطوّر أو تتخلّف ما يدعم صدق معادلة اللغة على أساس امتلاكها لهذه القدرات التعبيرية والتفسيرية الأساسية. فاللغات تتغيّر وتتطوّر أو تتخلّف لأنها كل المعلومات الممكنة والمعلومات بطبيعتها قادرة على التغيّر والتطوّر باكتشاف أو بناء معلومات جديدة و قابلة للتخلّف بعدم اكتشاف أو بناء معلومات جديدة. مثل ذلك حين اكتشف أينشتاين معلومة جديدة مفادها أنَّ الزمان و المكان يشكّلان بُعداً واحداً بنى حينئذٍ مصطلح “الزمكان” (الدال على وحدة الزمان والمكان) ما أدى إلى تغيّر اللغة و تطوّرها من خلال إضافة هذا المصطلح الجديد الدال على معلومة علمية قيّمة.

معادلة اللغة تتضمن أيضاً أنَّ اللغات من صناعة البشر و نتائج البيئة الطبيعية والثقافية. فبما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة وبذلك اللغات تتكوّن على ضوء المعلومات ، و المعلومات موجودة في عقول البشر و سلوكياتهم كما هي موجودة في البيئة الطبيعية المحيطة بالبشر و في بيئتهم الثقافية ، إذن اللغات نتائج البشر و بيئتهم الطبيعية و الثقافية. هكذا تنجح معادلة اللغة في التعبير عن كيفية تكوين اللغات على ضوء عقول وسلوكيات مستخدميها و على أساس ثقافتهم و بيئتهم الطبيعية ما يشير إلى المقدرة التعبيرية الناجحة لمعادلة اللغة فيؤكِّد على تفوّقها المعرفي.

اللغة هي الدالة على معان ٍ. لكن إن كانت اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، و المعلومات حاوية على معان ٍ (و إلا لم تكن معلومات) ، إذن اللغة حاوية على معان ٍ فدالة عليها. هكذا تنجح معادلة اللغة في التعبير عن أنَّ اللغة دالة على معان ٍ. و اللغة متكوِّنة من جُمَل وكلمات وحروف وأصوات أو صُوَر وأصوات (كاللغة الهيروغليفية). لكن إن كانت اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، و الجُمَل (وما تحتوي من كلمات وحروف وما تتضمن من أصوات) والصُوَر حاوية على معلومات بفضلها تصبح مالكة لمعان ٍ ، إذن اللغة تتكوّن من جُمَل وكلمات وحروف وأصوات أو صُوَر وأصوات. هكذا تنجح معادلة اللغة في التعبير عن أنَّ اللغة تتكوّن من جُمَل وكلمات وحروف وأصوات أو صُوَر وأصوات.

اللغة أيضاً وسيلة تواصل. و إن كانت اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة وبذلك اللغة معلومات ، و علماً بأنَّ التواصل تبادل للمعلومات ، إذن التواصل تبادل لغوي وبذلك التواصل يستلزم اللغة ما يدلّ على أنَّ اللغة أداة تواصل. من هنا ، تنجح معادلة اللغة في التعبير عن أنَّ اللغة وسيلة تواصل. و كل هذه النجاحات دلالة على صدق معادلة اللغة و مقبوليتها. و بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، و الوقائع والحقائق والممكنات والاحتمالات والمستحيلات حاوية على معلومات (بفضلها تصبح معروفة لدينا و إلا كان من المستحيل معرفتها) ، إذن اللغة دالة على الوقائع والحقائق و على ما هو ممكن ومحتمل ومستحيل. هكذا تنجح معادلة اللغة أيضاً في التعبير عن هذه الحقيقة اللغوية ما يعزِّز مصداقيتها.

بالإضافة إلى ذلك ، يوجد نموذجان فلسفيان أساسيان حيال تحليل اللغة. يعتبر النموذج الأول أنَّ اللغة نظام مجرّد دال على المعاني بينما يصرّ النموذج الثاني على أنَّ اللغة ليست مجرّدة بل اللغة جُمَل مركَّبة من كلمات و حروف. لكن تنجح معادلة اللغة في التوحيد بين هذيْن النموذجيْن المتنافسيْن. فبما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، و المعلومات مجرّدة لكونها معلومات بدلاً من مواد أو موجودات مادية (فالمعلومة ذاتها قد تتجسّد في رسائل مادية مختلفة كتجسّدها في لغات مختلفة ما يدلّ على اختلاف المعلومة عن تجسّداتها فيشير إلى مجرّدية المعلومة) و المعلومات دالة على معان ٍ (و إلا لم تكن معلومات) ، إذن اللغة مجرّدة و دالة على معان ٍ تماماً كما يقول النموذج الفلسفي الأول. من جهة أخرى ، كما رأينا سابقاً معادلة اللغة تتضمن أنَّ اللغة جُمَل وكلمات وحروف. فبما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، و الجُمَل وبذلك أيضاً ما تحتوي الجُمَل من كلمات و حروف حاملة لمعلومات (و إلا لم تكن ذات معان ٍ) ، إذن اللغة جُمَل وكلمات وحروف تماماً كما يؤكِّد النموذج الفلسفي الثاني. من هنا ، تتضمن معادلة اللغة النموذجيْن الفلسفيين السابقين والمتنافسين. وبذلك توحِّد معادلة اللغة بين هذيْن النموذجيْن فتحلّ الخلاف بينهما ما يجعلها تكتسب هذه الفضيلة الكبرى. اللغة مجرّدة من حيثية أنها معلومات فالمعلومات مجرّدة. واللغة غير مجرّدة من حيثية أنها جُمَل وكلمات وحروف قابلة للدلالة على معلومات و معان ٍ. هكذا يتفق النموذجان الفلسفيان السابقان ويتحدان في معادلة اللغة التي تعرِّف اللغة على أنها معلومات ممكنة الصدق إن لم تكن معلومات صادقة.

كما تملك معادلة اللغة قدرة تنبؤية ناجحة ما يدعم صدقها. فمثلاً ، بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، إذن لا توجد لغة بمعلومات مستحيلة كمعلومة أنَّ العدد خمسة متزوج. وبذلك تتنبأ معادلة اللغة بعدم وجود لغات بمعلومات مستحيلة. و بالفعل حين نستخدم أية لغة نتجنب استخدام عبارات ذات معلومات مستحيلة فلا ننطق بها كعدم نطقنا بعبارة أنَّ العدد خمسة متزوج. هكذا تصدق معادلة اللغة في نبوءة أنَّ اللغات تخلو من معلومات مستحيلة أو تتناقص فيها المعلومات المستحيلة. و مثل تنبؤي آخر هو التالي : بما أنَّ اللغة = كل المعلومات الممكنة ÷ المعلومات المستحيلة ، إذن من المستحيل وجود لغة بلا معلومات ممكنة. من هنا ، تتنبأ معادلة اللغة باستحالة وجود لغة بلا معلومات ممكنة (أي معلومات من الممكن أن تكون صادقة إن لم تكن صادقة بالفعل) فتتنبأ بضرورة أن تكون كل لغة حاوية على معلومات ممكنة تماماً كاللغات التي نعرفها المالكة لمعلومات ممكنة بامتلاكها لمعان ٍ و دلالات. هكذا تتفوّق معادلة اللغة بكونها حائزة على قدرة تنبؤية ناجحة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here