فساد بني إسرائيل في الارض

فساد بني إسرائيل في الارض

نبدا مقالنا هذا في تبيان بعض المقاصد لكلمات ومفاهيم ردئا للالتباس. فكلمة بني إسرائيل تعني اولاد يعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم عليهم السلام. لان سيدنا يعقوب عليه السلام يكنى ايضا باسرائيل. ان من شروط اركان الايمان عند اي مسلم الايمان بالرسل وان إسرائيل كان رسولا نبيا ادى رسالته كما ينبغي وباخلاص. اما تعاليم الدين اليهودي فقد انزلها الله تعالى على النبي موسى عليه السلام بعد وفاة إسرائيل. واشتقاق كلمة اليهودية لم تاتي من إسرائيل نفسه انما من احد ابناءه الذي كان يسمى يهوذا. ان تاسيس دولة باسم نبي الله إسرائيل بدعة ما انزل بها من سلطان وتشويه لمقام إسرائيل نفسه الذي لم يكن يهوديا شانه شأن ابراهيم واسحاق عليهما السلام. ان المتجارة باطلاق اسم نبي على ارض ما لم يفعلها اي من انبياء الله من اولي العزم. فالنبي موسى لم يسمي مصر باسمه. ولم يسمي النبي عيسى فلسطين باسمه ولم يسمي النبي محمد مكة او المدينة باسمه.
القران الكريم والمسلمون والمثقفون الصادقون في المنطقة العربية الاسلامية لا يعممون في احكامهم من انتقاد قوم ما. سواء فيما يتعلق باليهود او المسيحيين او المسلمين او العلمانيين. فلا تزر وازرة وزر اخرى والخير والشر موجود لدى جميع الاطراف فلا يتحمل الاب مثلا وزر عمل الابن. نحن مع الفلسطينيين ليس فقط لانهم عرب او مسلمون او مسيحيون انما لانهم اصحاب قضية عادلة اغتصبت اراضيهم. فقد ظلمهم الغرب والامم المتحدة اللذان وقفا بقوة مع الظلمة الصهيونيين. انهم اعانوهم لتاسيس دولة صهيونية استخدمت اسم النبي إسرائيل نفاقا ودجلا لتحفيز ونفرة الاسرائليين للمجيء الى فلسطين. ان تزييف التاريخ من قبل الحركة الصهيونية العنصرية فرض بالقوة بهدف استئصال وتسقيط كل حر ينادي بمحاربة الظلم وينشد العدالة للمظلومين.
من الضروري القول ايضا بان الاسلام علمنا ان لا نعمم اتهام الافساد ضد جميع بني إسرائيل. لان هذا الصنيع يوقع صاحبه بالكفر والفسق. فنبي الله إسرائيل (يعقوب) وابناءه الاوائل مصلحون وصادقون. كما ان موسى وهارون وداود وسليمان كانوا انبياء مصلحون اطاعوا تعاليم رسالات الله. لكن هناك ممن افسدوا في الارض زمن النبي موسى من الظلمة الاوائل ممن عبدوا العجل وقالوا لموسى سمعنا وعصينا. وقالوا له اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون. وقالوا له ارنا الله جهرة فاخذتهم الصاعقة.
اما المتاخرون واكثرهم من شذاذ الافاق من اوربا وامريكا كانوا يرافقون الحملات الاستعمارية الامريكية والاوربية وغيرها وتربوا في حضن الحركة الصهيونية العنصرية التي سيطرت على اقتصاديات الدول الغربية. هذه الحركة العنصرية جمعت اشرار اليهود من الملحدين والعلمانيين والمتدينين المتعصبين. تمكن هذا اللوبي من اقناع الدول الغربية لتاسيس وطن لهم عشية الحرب العالمية الاولى. فكان وعد وزير الخارجية البريطاني بلفور الذي وعدهم بذلك الوطن ومهد الطريق لبناءه. اذا ما علمنا ان بريطانيا كانت الدولة التي انتدبت فلسطين. هكذا بالترغيب والترهيب تمكن الصهاينة وعصابتهم الارهابية من الغدر بالفلسطينين واحتلوا ارضهم وافسدوا فيها.
مع هذا العلو والاستكبار لا يزال بعض اليهود من بني إسرائيل ممن التزم بتعاليم موسى ووقف ويقف ضد تاسيس دولة إسرائيل لانهم يؤمنون بان اليهود في عهد النبي موسى قد ضيعوا الفرصة التي منحها الله اياهم. لذلك عاقبهم الله بالتيه في الارض وحرمهم من تاسيس وطن لهم. لذلك فهؤلاء اليهود يسيرون وفق تعاليم التوراة الحقيقية ويساندون الفلسطينين.
من جهة اخرى ان القران الكريم لا يعمم انتقاداته لبني إسرائيل فهناك ايات تحمد وتمجد بعض اهل الكتاب من اليهود والمسيحيين الذين يؤمنون بالله واليوم الاخر ويعملون الخيرات “وان من اهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل اليكم وما انزل اليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا اولئك لهم اجرهم عند ربهم ان الله سريع الحساب”.
اما مقالنا الان فيتعلق بالطائفة الفاسدة الفاسقة التي قتلت الانبياء وعاثت في الارض فسادا فليس من قبيل الصدف ان يكرر لنا الله تعالى قصص بني إسرائيل في الكثير من سور القران الكريم ويتحدث عن خطرهم مع انبياءهم ومع بعضهم ومع اعداءهم. نرى كذلك كيف اذلهم الله وحرم عليهم دخول الآرض المقدسة بعد عصيانهم اوامر الله واوامر رسوله. فمرة يعبدون العجل من دون الله ومرة يطلبون من موسى ان يروا الله جهرة.
ان تكرار ذكر فساد بني إسرائيل درس ليس فقط لهم انما لكل الامم الاخرى خصوصا المسلمين. فاذا ما سلكوا طريق الظلم والجور والعدوان فعذاب الله سيحل عليهم ايضا ولن يشفع لهم احد في الارض ولا في السماء. سيكون تيه المسلمون اسوء بكثير من تيه الاربعين سنة لبني إسرائيل. ان التفريط برسالة محمد صلى الله عليه وسلم يعني ترك العدالة والصدق والامانة والوفاء والاخلاص والتسامح والحرية والاستقلال. لقد راينا منذ قرن النتائج الكارثية لتخلينا عن ديننا.
ان خطر وفساد بني إسرائيل الذي تضاعف بعد ادلجته بافكار عنصرية صهيونية دينية متخلفة يعرض العالم للخطر. انهم يتمسكون بنصوص دينية لم يراعوها حق رعايتها ويعتبرون الامم الاخرى عبيد لخدمتهم. وصل اليوم فسادهم في الارض الى درجة تهدد الامن والسلام الدوليين.
الحالة الوحيدة في القران الكريم التي يخبرنا فيها الله من سورة الاسراء بخبر مستقبلي سيحدث في الدنيا عن قوم ما وتعايشه اجيالنا. فيقول “وقضينا الى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الارض مرتين ولتعلن علوا كبيرا. فاذا جاء وعد اولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولى باس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا. ثم رددنا لكم الكرة عليهم وامددناكم بأموال وبنين وجعلناكم اكثر نفيرا. ان احسنتم احسنتم لانفسكم وان اساتم فلها فاذا جاء وعد الاخرة ليسؤوا وجهوهم وليدخلوا المسجد كما دخلوه اول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا”. انها ايات معجزة تخبرنا بان خطر بني إسرائيل سيكون مدمرا وسوف يسيطروا على الاقتصاد العالمي وتنفر اقوى دول العالم لتكون في خدمتهم. ثم يبعث الله عليهم في الدنيا وقبل يوم القيامة عباد اقوياء شجعان عدول امناء يحرروا المسجد الاقصى ويهزموا الصهاينة في فلسطين المحتلة شر هزيمة.
ان هذا الوعد الرباني امر غير مكذوب وسيحصل لا محالة. لان الله اما هيا او سيهيء عبادا له اولي باس شديد يقومون بهذه المهمة. ان هؤلاء الاشخاص مناضلين لا تغرهم الدنيا عدول متسامحين احرار صادقين امناء عاملون عالمون. ان تحقيق هذا الوعد لن يكون بكارثة او معجزة الهيه تنهي إسرائيل من الوجود. انما حرب تحريرية تحقق هذا الوعد. لقد ترك الله اختيار الوقت لعباده وفق مبدا “ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم”. اي ان وقت ذلك النصر الموعود يعتمد على تالف وايمان وصدق هؤلاء العباد. انهم هم الذين يقررون تقريب يوم الفتح والتحرير لفلسطين ومسجدها الاقصى.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here