لقاحات كورونا … طعم أم تطعيم ؟!

لقاحات كورونا … طعم أم تطعيم ؟!
قبل أيام اطلعت على احد تقارير وزارة الصحة حول الموقف الوبائي ل Covid – 19 وقد استوقفني الرقم المتعلق بعدد العراقيين الذين تلقوا اللقاح ، حيث بلغ بالمجمل 400 ألف وهو رقم متواضع جدا ويشير إلى إن نسبة الذين تلقوا اللقاح لا يشكل سوى 1% من عدد السكان ، ووجه الغرابة في هذه النسبة إنها لا تتناسب مع موقف المصابين بالوباء كوننا نحتل المرتبة الأولى عربيا من حيث عدد الإصابات وما تشكله نسبة المتوفين من المصابين أرقاما عاليا عالميا ، ويضاف إلى ذلك إن وضع الخدمات الصحية والواقع ألسريري في بلدنا يستدعي توسيع حالة التلقيح لتشمل اكبر عدد ممكن من السكان ، وما فاجعة مستشفى ابن الخطيب إلا واحدة من الأدلة التي أظهرت للعيان ما خفي وهو الأعظم ، ولان وزارة الصحة تدعي بأنها وفرت مختلف أنواع اللقاحات بما يتيح للمواطن تلقي اللقاح الذي يرغب فيه فإننا كمواطنين نعاني القصور في الإقبال على التلقيح والذي هو اقرب للعزوف ، وإذا بقينا على هذا الحال بان يتم تلقيح 4000 مواطن يوميا فان السكان سيكملون التلقيح بعد 10 الآلاف يوم أي بعد 27 عام ، وليس لغرض الترويج لأي نوع من اللقاحات ، فان دول الاتحاد الاوروبي التي ارتفعت فيها نسب التلقيح سمحت باستئناف السفر للملقحين كما تم فتح الملاعب بنسب تتراوح بين 10 – 25% من طاقاتها لحضور الجمهور كما وافقت على التجوال بدون كمامات في الأماكن الضيقة لمن تلقوا اللقاحات ، وفي تقارير معتمدة من منظمة الصحة العالمية فان سكان العالم قد تلقوا أكثر من مليار لقاح حتى اليوم ، مما يعني بان معدل التلقيح العالمي قد وصل لأكثر من 14% ( كمتوسط ) ولكنه في بلدنا لايزال 1% ، ومن الغريب حقا انخفاض النسبة في العراق رغم إن قانون الصحة العامة رقم 89 لسنة 1981 يعتبر التلقيح مسالة إلزامية ، وصفة الإلزام في التطعيم يدركها كل العراقيين منذ عقود لان شهادات الولادة لا تسجل في سجلات الأحوال المدنية إلا بعد إن تقترن بتأييد على تلقي لقاح BCG وهو لقاح ضد التدرن الرئوي ( ومن آثاره وجود ندبة في أعلى احد الكتفين تبقى موجودة عبر السنين) .
وتعود أسباب انخفاض عدد الملقحين بلقاحات كورونا إلى مجموعة من العوامل ، أبرزها التسابق الدولي في إنتاج اللقاحات وبمواصفات يختلف بعضها عن البعض الأخر من حيث درجات الحرارة للحفظ والأعراض المحتملة والأسعار وطاقات الإنتاج وأسبقيات التوزيع ، فمنظمة الصحة العالمية تركت الهامش مفتوحا للدول التي اجتازت المرحلة الثالثة من الاختبارات في التنافس مع بعضها في مواضيع الأسعار والتسويق ، بمعنى إنها لم تضع خطة عالمية لولوج التحصين ، رغم إن الوباء اجتاح الجميع وبات من الأمور العالمية وليس حكرا على بعض البلدان مما يشير إلى نوع من القصور ، كما تتحمل وزارة الصحة جزءا كبيرا من المسؤولية فقد تأخرت كثيرا في استيراد اللقاحات وفي تحديد مناشيء التوريد ، وهذا البطء ألجئها لقبول لقاحات على سبيل التبرع من الإمارات العربية والصين مما اثار لغطا عند البعض حول مدى كفاءة هذه اللقاحات وتوفر شروط الخزن والنقل وخطة الشمول ، والتأخر الذي استمر لغاية نيسان الماضي ترك للبعض هامشا للتفسير والتأويل بخصوص بعض الحالات العالمية وليست المحلية التي صاحبت التطعيم بلقاح استرازينكا حول حصول تخثر للدم ، وكان من واجب الجهات الصحية أن تدحض هذه الأقاويل بشدة لأنها لم تحدث في بلدنا ولان هذا النوع ليس البديل الوحيد للمواطن في التلقيح ، أما العامل الثالث فانه يتعلق بالترويج الذي رافق ظهور اللقاحات والذي أنتج العديد من الافتراءات ترتبط بنظرية المؤامرة وتدور في موضوعين احدهما إن اللقاح هدفه التحكم في الإرادة البشرية وثانيهما السعي لقتل منهجي لأكبر عدد ممكن من السكان لتقليل عددهم الذي لم يعد يتناسب في موارد معيشتهم دوليا ، وهي افتراءات لم تجد المدى الواسع من التكذيب لسخافتها وسذاجتها وخروجها عن المعقول ، ولكنها للأسف رسخت انطباعات سلبية لدى البعض جعلتهم يقفون بالضد من اللقاح لأنها تعتبره طعما وليس تطعيم ، وإذا كانت الإخبار الواردة من الصحة والتي مفادها إن الوزارة وفرت 4 ملايين لقاح بجرعتين وان المالية غطت تكاليف ذلك فمن الضروري جدا العمل لزيادة حالات التلقيح ؟ .
ومن المؤسف فعلا ، اعتقاد البعض بان الإلزام هو السبيل لزيادة الشمول ونسبة التغطية لان بعض الجهات أصدرت تعليمات بهذا الخصوص استنادا لنصوص وردت في قانوني الصحة (89/ 1981) و العقوبات (111/1969) ، والإلزام ليس سيئا في كل الأحوال لكنه لا يمكن أن يكون أول الحلول فالتوعية والإقناع والترغيب هي الوسائل الأكثر نفعا من الترهيب كونها يمكن أن تجلب اكبر عدد ممكن من الملقحين ، كما إن الحملات الميدانية يمكن أن تسهل الموضوع على الكثير فبدلا من وضع جيوش في السيطرات لتقييد الحركة وحظر التجوال ، فان بالإمكان أن تستثمر الموارد البشرية الصحية والساندة في القيام بحملات تجعل اللقاح يسيرا وسهل المنال على أن يسبق ذلك تنفيذ برامج توعوية تفوق الجهود المبذولة في الترويج لفعاليات سياسية ، لان تصاعد عدد الإصابات من دون حلول قد يكون مانعا من إجراء الانتخابات بوضعها الحضوري في البلاد ، فالسبيل لرفع الأخطار وتقليلها هو زيادة نسبة الشمول بالتلقيح للوصول إلى النسب الآمنة للتلقيح التي تزيد عن 70% من مجمل السكان ( سياسة القطيع ) ، وهذه النسبة او اقل منها سيكون من المستحيل بلوغها عندما نكون في ذيل قائمة الدول في نسبة التغطية باللقاح ، والحقيقة التي لا يمكن التهرب منها هي إن إيجاد علاجات مؤكدة والقضاء على الفيروس ليس سهل المنال وغير متوفر حاليا ، بمعنى إن اللقاح هو من باب الضرورات الملجأة لمنحنا احتمالية النجاة والانفتاح على العالم ، وشركات الطيران العالمية باتت تفتح خطوطها بانتقاء مع الدول استنادا إلى انخفاض الإصابات وزيادة التقيحات بمعنى أن التلقيح يجنبنا الانغلاق ، ولا يخفى إن الدول التي كانت تسجل عشرات الآلاف من الإصابات المخيفة يوميا تمكنت من بلوغ إصاباتها إلى المئات بفضل التلقيحات وهناك دول تسعى لانجلاء الوباء منها بفضل التطعيم ، وتجارب من هذا النوع من المهم تقليدها والاقتداء بها فمن غير المعقول أن يتبنى البعض نظريات المؤامرة والوباء يفتك بنا لانخفاض نسب التلقيح ، كما إن من العار على البعض الترويج لفكرة إن التلقيح هو طعم للشعوب من دون الاستناد إلى أدلة وبراهين علمية بهذا الخصوص .
باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here