المغرب للجزائريين حبيب / 34

بروكسيل : مصطفى منيغ

تألَّمتُ والألم أصناف ، أشدُّها ما نابني لأشعر أن أيامي القادمة أصاب شتاءها الجَفاف، حتى الرَّبيع بعده متى اتَّجه خيالي انمحت منه عنه كل الأوصاف، ليحلّ الخريف قبل أوانه يكنس ما تبقَّى من أمل معوِّضاً ما أراه فسحة للنّسيان بالانجراف ، صوب حرارة صيف شطئان بِحار الدنيا لا تُنعش بالسباحة فيها جسد توقَّف عقل صاحبه عند لحظة وداعِ مَن مال إليها قلبه ولمباهج بعدها عَاف ، مذ مغادرة زرقاء العينين مكتبي مكسورة الخاطر مستقبلة مثلي الأوقات العِجاف ، تُذَوِّبُ سُمْنَة توازن حياة في صحنٍ بِحَرِّه قَذَّاف ، لهواجس لا ترحم ناشد العودة لكل ما هو طبيعي ينضاف ،

قد يكون العشق الذي لا يُذاق طعمه شرعاً إلا بالزفاف ، فمن أين لي أداء ما تحتّمه في ذاك المكان مثل الأعراف ، التي بغير توفير شروطها لا يتم في حكم المجتمع لذاك الحدث السعيد أي اعتراف ، وأنا لا أملك من أمري سوى الكرامة والشرف والعفاف والكفاف .

… سلَّمتُ المسرحية التي اخترتُ لها اسم “الشجرة” للسيد مصطفى العزاوي المندوب الإقليمي للتعاون الوطني في وجدة داخل مكتبه ، بعد مناقشة في التفاصيل المتعلّقة بعدد الممثلين والممثلات ، ومتطلبات المناظر و كورال النشيد الذي وضعتُ كلماته تحت عنوان “جئنا بالسلامة” الذي لحَّنته مواكباً لموسيقى “التمويج” المرافق لبعض المواقف المحورية في المسرحية المكوّنة من فصل واحد يستغرق عرضه الساعة ونصف الساعة ، كما حدَّدتُ له دوري في الحضور لحظة توزيع الأدوار ، وتخصيص ثلاثة أيام لتلقين اللّحن لمن سيشارك في ترديده ، بعدها سأكون مشغولاً بالإشراف على مهرجان احتفالي آخر ، له أهميته الرفيعة لدى منظّميه من عامة تجار المدينة التي أرادت التعبير بأجمل ما لديها تشبُّثاً بالعرش العلوي ، والتزاماً بعهد قائمٍ على الوفاء والإخلاص لعاهل البلاد الملك الحسن الثاني . طلبَ منّي مرافقته لتناول وجبة الغذاء في بيته فلم أمانع ، لكن ما حصل لم أجد أمامه إلاّ التجلُّد وربط الجأش ، فبيته ملتصقاً بمقر القنصلية الجزائرية ، ونحن نتناول الغذاء في حجرة لا يفصلنا عن تلك المؤسسة الدبلوماسية إلا جدار ، أراد مصطفى العزاوي أن يمتحن وضعي في تلك الآونة بالذات بما خاطبني به إن سلّمني بنفسه للقنصل الجزائري ، أجبته على الفور أنه سيدخل التاريخ أما كيف سيخرج منه فذاك الأهم ، ضحك حتى استنفذ طاقة الضحك فيه ، ليقول لي بالحرف الواحد : لن أفرٍّط فيك ولو خسرتُ حياتي ، لقد تيقَّنتُ من شجاعتك وأنت تعلم أن بيتي يُرَى من الخارج وكأنه ملحق بالقنصلية المعنيَّة ، ومع ذلك لم تُظهِر أي قلق لثقتكَ بشخصي ، وهذا ما يجعلني أفتخر بصداقتك ، وأغتنمها فرصة لأخبرك أن الفتاة التي اتَّصلَت بك في قضية المسرحية عادت لمكتبي لتقدّم لي استقالتها من المنصب الذي تشغله ، ولما سألتها عن السبب حكت لي ما دار بينكما وبالتفصيل الدقيق ، طلبتُ منها سحب الاستقالة لغاية اتصالي بك لأتبيّن منك الأمر، علماً أن عذركَ لن يكون مقبولاً ، بما ينتظركَ من مستقبلٍ يضمن لك ومَن تتولَّى مسؤولية إعالته بالخير الوفير ، الفتاة شريفة وقصدها نبيل ، واختيارها لك كان في محلّه يساير طموحاتها في بناء أسرة نموذجية كتلك الأسر المشرِّفة للمغرب كدولة تنشد التقدّم بمفهوم المحافظة على الأصالة ، فكٍّر في الموضوع وجيِّدا حتى لا تندم . ودعته دون أن أزيد عن تشكراتي للحفاوة التي قابلني بها ، وحسن الضيافة والوقت اللطيف المفعم بما يكنّه صديق حقيقي لصديقه الصادق الذي لم نشعر بمروره مسرعا . توجهتُ على مقهى (ك) لأجد الأستاذ”ّعمر بلشهب” مدير إذاعة وجدة الجهوية ينتظرني ، ودون مقدمات يطلب مني الحضور بصحبته بعد دقائق في اجتماع خاص يضم كبراء مجتمع ما ، فعلتُ لأجد نفسي في قاعة مجهَّزة بما يؤهلها لمثل الاجتماعات الحاضنة شخصيات محلية وإقليمية وازنة ، ليأخذ الكلمة بصفته رئيسا لتلك المنظمة ليتحدَّث عني بالتالي :

– حضرات السيدات والسادة يشرفني أن أقدّم لكم الأستاذ مصطفى منيغ العائد من الجزائر موصوفاً بلقب بطل ، بما قام به من عمل جليل اسكت به رأس نظام الجزائر الرئيس الهواري بومدين ، بعملية لا زالت هناك محلَّ نقاش معمَّق على مستوى القمة ، بين مختلف السلطات الأمنية عامة والمخابراتية خاصة ، ومجرَّد وصوله إلينا سالماً معناه ما يتمتَّع به هذا الأستاذ من ذكاء يصل حد النبوغ ، لذا يشرٍّفني أن امنحه عضوية الغرفة الاقتصادية الفتية ليصبح بيننا عضواً كامل العضوية .

عانقني بحرارة أمام تصفيقات الحاضرين وسلّم لي بطاقة العضوية لتلك المنضمة ، التّي ابتعدتُ عنها حينما علمتُ فيما بعد ، أن أيادي ماسونية تلعب داخلها . (يتبع)

في الصورة : 1/ مصطفى منيغ ، 2/ مصطفى العزاوي     

مصطفى منيغ

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here