غزة.. للمرة ال…؟؟..

د. اكرم هواس

غزة.. للمرة ال…؟؟..

بعد ان هدأت زئير الطائرات و الصواريخ و “زال” الخوف وخرج البعض محتفلا “بانتصار ” البقاء على الحياة … او ربما “الاحتفاظ بحقالعودة او اذكاء الصراع ” بعد ان كادت تختفي صورة الفلسطيني و كوفيته المشهورة او “غترته المزركشة بخارطة الجراحات التي تتوسع كليوم” من ذاكرة التاريخ… او هكذا تخيل البعض ..!!..

هل ما جرى اذن كان “حرب تحرير” ام “حرب تحريك” كما كان البعض يقول عن حرب اكتوبر 1973..؟؟… القضية بلا شك متشابكة .. و فيعالم تتسع فيه كل يوم شبكات التقاطعات في جغرافية المفاهيم و الحدود فان القيمة الاخلاقية الوحيدة ستظل اسيرة رؤية الحرب ذاتها وليست اهدافها القابلة للتحقيق من دونه..

لماذا كل التضحيات اذن..؟؟.. اسئلة كثيرة تبدو و كأنها تتناسق مع “الواقعية العقلانية” الا ان بعضها ينحو الى شيطنة حماس و رفاقهم فيقرار الحرب و كأن هؤلاء مجرد بيادق في لعبة شطرنج تديرها طموحات قوى اقليمية كبيرة مثل ايران و ترسخ هيمنتها في وجه سطوةاسرائيل و الغرب في الشرق الاوسط..

بعيداً عن الاسباب المباشرة … الاحكام القضائية المجحفة و الاجراءات الاسرائلية “المعتادة” في القدس و مشكلة الانتخابات و بؤس المنظومةالديمقراطية ( نتنياهو يفوز و يعود و يفوز منذ عقود و الثنائية الفلسطينية ترسخ سلطتها هنا و هناك بغض النظر عن الصناديق و اوراقها)..فان الدوافع الرئيسة وراء العودة الى الحرب تبدو انها كانت تكمن في رد فعل تأخر منذ بعض الوقت ازاء تمدد اسرائيلي سياسي واقتصادي شرقا و غربا في العالم العربي و ترسيخ الاستيلاء على اولى القبلتين دون اعتبار لهمهمة المصلين و زعيق السياسيين في الاعلام.. و ربما الاهم من كل ذلك التمدد الاسرائيلي عميقا داخل الذاكرة العربية و كأن فلسطين و نكباتها و نكساتها و الملايين من سكانها المشردينمنذ عقود ذهبت مع ريح الاوهام عن جنة تخلقها ناطحات السحاب و الرمال الذهبية..

تاريخيا… كل حروب العرب الحديثة قامت على اسلحة و استراتيجيات عسكرية كانت تنتج خارج العالم العربي… في مجتمعات طموحة تبنيهيمنتها على العالم .. مستعمرون قدماء مثل بريطانيا و فرنسا و امبرياليون حديثي الظهور و التكوين مثل الولايات المتحدة و الاتحادالسوفيتي.. اذن اين الجديد في الموضوع اذا كانت الصواريخ من صنع ايران و الخطط العسكرية من نتاج استراتيجيتها ..؟؟..

لاشك ان الحرب ليست قضية انسانية و لم تكن اخلاقية يوما… لكنها تجد دوما مساحة كبيرة في الفلسفة التبريرية عند ذاكرة المجموعاتالبشرية … و الضحايا يدخلون عالم التقديس من زاوية دفع البلاء عن الامة في صورة تقديم “القرابين” من الفتيات الجميلات لالهة الشر فيالاساطير القديمة في المجتمعات البداية .. الى “الشهداء” من الشباب في الدفاع عن الوطن و القومية .. مرورا بهلوسات “الفكر الثوري” عن الدفاع عن مقدسات الدين و نموذج الانسان الصالح وووو..

دعونا نتذكر ان الولايات المتحدة قادت الحرب الباردة و نشرت الرعب و الدمار في كوريا و فيتنام و شرق اسيا تحت عنوان “الحرب المقدسةضد الشيوعيه”… ثم دمرت افغانستان و العراق لان الله اوحى “تكليفاً مقدساً” للرئيس بوش بذلك…!!.. هذه هي حال كل الامبراطوريات علىالارض تشرعن افعالها بادعاء وحي السماء ..!!..

اما هنا ..فان اغلب السياسيين الذين يدفعون بالشباب للتضحية في سبيل تحرير القدس يعرفون بلا شك ان فلسطين.. التاريخ والجغرافية… لن تعود ابدا.. استنادا الى اية قراءة واقعية لميكانيزمات التطور الاجتماعي و السياسي في العالم سواء جاء صلاح الدينليحررها من جديد او جاء شمشون ليحرقها ويحولها الى خراب ابدي…

لكن في المقابل فان فلسطين .. الدولة و السلطة…فهي ستقام و تترسخ في واقع العالم يوما .. و لعل هذا هو الهدف الذي يعطي البعضمكانا في جنة الدنيا او في حضيضها (النخبة او المهمشين).. اما الاخرة فانها موكول الى النوايا و رؤى ما بعد-الاوهام و المصالح…

بكلام اخر…الناس في فلسطين .. فهم كغيرهم من شعوب الارض … ستظل حقوقهم تقررها القوى السياسية و كرامتهم و بؤسهم و افراحهمرهينة مصالح و اهواء الاغنياء و المنافقين حتى و لو ثار فيهم الاغيار كل يوم و تحولت بيوتهم الى مأوى للمشردين و الاطفال الحالمين بطائراتمن ورق بدل التي تنزل عليهم غضب تاريخ لم يصنعوه..

الحرب لم تنتهي و ان كان يمكن ايقاف عجلتها لبرهة قبل ان تعود فالجوعى لابد ان يصرخو و المحاصرون لابد ان يبحثو عن منفذ ليوصلوللعالم اهوال عيشهم في ابراج السجن العتيد..

كلمة اخيرة … كما كتبت في مقالات سابقة عن حروب غزة سنة 2012 و 2014.. فانه يبدو للاسف ان غزة ما زلت تعتبر “ممراً امنا” للهروبالى الامام لمختلف القوى المحلية و الاقليمية حيث تعتقد القوى المهيمنة ان شلال الدماء و عويل المشردين تفتح ثغرات في جدار المشاريعالراكدة..!!…سنتابع…حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here