حسرات الظالمين امام الله “ياليتني قدمت لحياتي”

حسرات الظالمين امام الله “ياليتني قدمت لحياتي”

ما اسوء المصير المشئوم عندما يطلق الظالم المجرم غير المؤمن بالله صرخة وحسرة يائسة يوم القيامة قبل ان يقذف في النار “يقول ياليتني قدمت لحياتي”. يومئذ لا يلومن الا نفسه بعد ان فوت مئات الفرص التي منحها الله اياه في الدنيا. كان الله يدعوه ليل نهار للتوبة التي لا تكلفه اي شيء. كان بامكانه ان يمهد لحياته الحقيقية الابدية في الاخرة ليكون من اصحاب الجنة بدلا من النار. كان يستطيع ان يدرك فلسفة الحياة فيكون انسانا مؤمنا عادلا متسامحا متصدقا مصليا صائما دون اي معوقات مادية او معنوية.
لقد علمتنا هذه الحياة بانها لا تستحق كل هذا الحرص لانها فانية ولا يمكن الاطمئنان لها والارتكان اليها. فنعيمها زائل لا يمكن ان يدوم لاحد مهما كان. يعيش الناس فيها حياة مليئة بالمفاجآت غير السارة التي قد تطرق ابوابهم في كل وقت وحين. فكم من عزيز كنا نقدره ونحترمه ونتمنى بقاءه معنا يختطفه الموت على حين غرة. وكم من شاب كان قويا غنيا ذو جاه فقد صحته وماله بسبب تقلبات الدهر. ان دنيانا لا امان لها فكم من عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر وعالم تتلاعب به اهواء الجهلة والسفهاء.
لا بد من وقفة تاملية نرضي بها ربنا وضميرنا قبل فوات الأوان. ليس هناك اي امل لاستمرارية نعيمها ولا فلاح يرتجى منها. متى يدرك الانسان بان الدنيا يجب ان لا تكون اكبر همنا. ان رضى الله خير من ارضاء اهوائنا او اصدقاءنا او مدارات تاريخنا. انه من الحكمة والمصلحة ان نستفيق اليوم قبل غد. فليس من العيب ان نتوب الى الله قبل فوات الاوان. فلا نكون مثل فرعون الذي لم تشفع له شهادته بالله الواحد عندما كان يلفظ انفاسه الاخيرة. ان فرصة التوبة وتغيير المسار غير مفتوحة دائما وكما نشاء وفق سقف زمن زمني معين. ان اي تاجيل للتوبة الى الله يمكن ان تضيع فرصة ثمينة لدخول الجنة. فلا احد يعلم متى يحظر ملك الموت لاخذ الروح ولات حين مناص ولا يفيد الندم.
الخوف كل الخوف ان نحرص على حياتنا الدنيا اكثر من حرصنا على النجاح في حياتناً الابدية الاخرة. من المؤكد باننا لا نملك الكثير من المقومات لضمان استمرارية سعادتنا في الدنيا. فلا ندرى متى يعكر صفوها لاننا جميعا عرضة للمرض او الموت. من اليسير ان نخسر جاهنا وتجارتنا دون سابق انذار. ان هذه الدنيا التي منحنا الله فيها حق الاختيار ليست ملك ايدينا. فالمال والبنون والصحة لا يمكن ان نتحكم ونسيطر على حيثياتها لان العوامل الخارجية الالهية وغيرها غير مضمونة. فالتجارة بالاسواق مثلا تتدخل فيها حركة السوق والمضاربات والظروف الطبيعية مع الاهل او الشركاء ولا يمكن ضمان الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتحديد عاملي الربح او الخسارة. من الممكن ان يضيع كل ما بنيناه برمشة عين.
ما احوجنا بعد هذا السفر التاريخي الانساني الطويل ان نقلب المعادلة ونعمل في هذه الدنيا من اجل الفلاح في الاخرة. من خلال الايمان بالله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والالتزام بقيم الصدق والامانة والوفاء والاخلاص والتسامح والعلم والعمل والحرية والمساواة. ان تغيير المعادلة باتجاه العمل لرضى الله ضمن تلك القيم الانسانية سابقة الذكر ستجعل الدنيا راغمة باموالها تلهث راكضة وراء من لا يعير لها وزن ويعمل لمرضاة الله.
ان دروس الموت وفقدان الصحة وغياب الاحبة وخسارة الاموال امر لا بد منه لكل انسان فلم اذن الارتكان اليها. لكن المؤمن بالله يعتقد بان الدنيا مجرد مرحلة ضرورة لا بد من الصبر والعمل فيها للوصول الى الهدف الاخروي. ان متاع هذه الدنيا شئنا ام ابينا قليل وسوف نفارق ما نحب. ينبغي اذن ان نعلم بان فراق الدنيا مؤقت واللقاء سيكون يوم الحساب. عندها سيحكم الله بالعدل ويكون اللقاء الحقيقي الدائم هو في الاخرة الابدية. عندما سيجد المؤمن نفسه في نعيم الجنة الدائم الذي لا مرض ولا شقاء ولا عمل ولا موت. اما الملحد والظالم والمجرم ففي جحيم دائم لا يموت فيه ولا يحيا.
عندما تبدا رحلة الانسان بعد الموت الى الله تعالى ينال نعيم الاخرة بصدق ايمانه بالله وعمله الصالح. سوف لن يشفع له حسبه ونسبه وثقافته وعقيدته وتوجهاته الفكرية اليسارية او اليمينية او الطائفية او ماله او جاهه او سلطته. ان اسوء لحظة عندما يجد الشخص نفسه مقيد بسوء ظنه بالله فيصرخ مستنجدا نادما في وقت لا ينفع الندم “فيقول ياليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه احد ولا يوثق وثاقه احد”. اذ يرى بام عينيه بانه خسر نعيم الحياة الابدية في الجنة وينتظره عذاب اليم دائم في الجحيم ويتمنى الخلاص من العذاب فلا خلاص ولا منقذ له.
اخيرا لناخذ درسا من حوار مؤمن عاقل منطقي مع نفسه يردد الدعاء القراني “ربنا اننا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار” مع ملحد مادي لا يؤمن بالله ويعتقد بان الطبيعة او الدهر خلقت الانسان. قال الملحد المؤمن كيف بك لو وجدت نفسك بعد الموت ان ايمانك بالله والجنة هي مجرد اوهام لا اساس لها من الصحة. اجابه المؤمن بثبات وثقة وتفائل ان ايماني بالله اليوم واعتقادي بالجنة غدا لن تضرني في الدنيا بل العكس تجلب لي فيها النفع المادي والمعنوي والأخلاقي والثقافي والاجتماعي. فانا مثلك ايضا اتمتع بكسب المال ولي البنون واكل الطعام الحلال واتزوج واتمتع بالحياة فاسافر وابحث عن العلم بكل انواعه ولا اضيع وقتي واكون عائلة تكون عونا لي. كما انني اتمتع هنا بمكانة اجتماعية ممتازة يحترمني فيها المؤمن والكافر والملحد. لان ايماني بالله يحتم علي التخلق بمكارم الاخلاق فيثق بامانتي ووفائي وصدق عملي الصالح والطالح. لكن هدفي في الحياة عكس هدفك. فبعد ان علمت ان الدنيا لا امان لها اصبح وامسى هدفي رضا الله الذي سيدخلني الجنة. انني اعتبر الدنيا دار امتحان وتمحيص لتمهيد دار الاخرة.
من جهة اخرى فانني قلق عليك انت يايها الملحد لانك ستخسر كل شيء نتيجة كفرك بالله. فلو عكست سؤالك لي واقول لك مستفسرا عن مصيرك فيما لو افترضت الاحتمال الاخر اي ان تلك الاوهام التي تعتقدها هي حقائق ستراها بعد موتك. معنى ذلك بانك ستكون امام الله ويحاسبك حسابا عسيرا وبطرحك بنار ابدية لا تموت فيها ولا تحيا مقيدا لا تقدر على شي ولا يفيدك الندم انذاك. فاي الفريقين احق بالامن والامان والاطمئنان. ومن سيكون منا الرابح في نهاية المطاف.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here