رغم انفكم.. إنتصرت فلسطين

رغم انفكم.. إنتصرت فلسطين
فتحي كليب / عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

رغم أنف الانهزاميين المهرولين الذين تواطئوا على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية طيلة السنوات والعقود الماضية.. انتصرت فلسطين بدماء ابنائها، وفشلت آلة العدو الاسرائيلي في تحقيق اي من اهدافها المعلنة، وكان نصرا لكل الشعب الفلسطيني في قطاع غزه والضفة الغربية وفي الاراضي المحتلة عام 1948 ومناطق اللجوء والمهاجر، بل نصرا لكل حر قال كلمة حق دعما لفلسطيني ومقاومتها ورفضا للعدوان الاسرائيلي الذي فاق في همجيته كل تصور.
نعم، كانت حربا على كل الشعب وليس على فصيل معين، والاشارة الى هذه النقطة هو من اجل افراغ دعاية المحتل من اي مضمون، وهي التي سعت الى ابراز كذبة ان عدوان الاحتلال كان ضد مل يسمى “ارهاب فلسطيني”، هذه الدعاية التي ساهم في الترويج اليها البعض من فاقدي الارادة من اتباع النظام الرسمي العربي واعلامه، الذين لم يتقبلو حقيقة ان ي فلسطين يمكن ان تنتصر، بعد عقود من سياسة غشل الادمغة والغزو الثقافي التي كرست لدى البعض ثقافة الهزيمة، وبعد كل سنوات الحروب العسكرية والسياسية والاقتصادية والنفسية بتفوق العدو الصهيوني، الذي ارعب جميع الجيوش العربية.. وحصل هذا الامر في العام 2006، عندما شنت اسرائيل عدوانا مماثلا على لبنان، وبعد انتهاء الحرب واعتراف اسرائيل بهزيمتها، ظل البعض يعاند الحقيقة والميدان بأن اسرائيل لم تنهزم..
يبدو ان العدو الاسرائيلي لم يفهم بعد حقيقة تعلق الفلسطيني بحقوقه الوطنية وفي مقدمتها قضية القدس وما الذي تعنيه بالنسبة له. رغم ان القدس كانت حاضرة في كل جولة من جولات الصراع، وفي الكثير من المعطفات الكبيرة كانت تعود لتتصدر مشهد النضال الفلسطيني، بعد ان ظنوا واهمين ان “صفقة القرن” انهت المهمة، وازاحت عنهم حملا ثقيلا اتعبهم طيلة العقود الماضية، ليخرج المقدسيون من تحت الركان منتفضين ليؤكدوا ان القدس لا يمكن ان تموت.. حدث هذا عام 2000 عندما حاول الارهابي ارئيل شارون تدنيس المسجد الاقصى، زيارة بعد تبعها انتفاضة الحرية والاستقلال، وحدث ايضا عام 2016 بانتفاضة الشباب المقدسيين، التي ما زالت متواصلة بأشكال مختلفة من الطعن والدهس واطلاق النار ورمي الحجارة وغير ذلك مما تيسر من وسائل مقاومة شعبية، وحدث كذلك عام 2017 في اطار ما سمي بمعركة البوابات الالكترونية وتركيب كاميرات ومعركة افشال مشروع التقسيم االزماني والمكاني للمسجد الاقصى.. وعشرات المعارك التي خاضها ويخوضها المقدسيون بشكل يومي مع الاحتلال ومستوطنيه.
بعيدا عما تحقق من انجازات على المستوى الداخلي الفلسطيني، وجب التأكيد على مجموعة حقائق ابرزتها وقائع الانتصار:
* – حققت المقاومة الفلسطينية خلال عشرة ايام انجازات استراتيجية عجزت عن تحقيقة مفاوضات اوسلو التي استمرت اكثر من ربع قرن، بعد اوصلت القضية الفلسطينية بجميع عناوينها الى ادني درجات الاهتمام الدولي والعربي، وعرّت الكثير من انظمة رسمية عربية اخذت من تلك المفاوضات ذريعة للتهرب من مسؤولياتها القومية والاخلاقية والانسانية تجاه القضية الفلسطينية.
* – اكدت وبالملموس حقيقة فقدان اسرائيل لما يسمى “قدرة الردع”، وهذا ما عبر عنه في صحيفة هارتس (19 ايار) لوف بن بقوله: “ان هذه العملية هي الاكثر فشلا في تاريخ اسرائيل”، مستندا بذلك الى مجموعة من النماذج منها التي يمكن الاشارة اليها:
* – في العام 2006 منيت اسرائيل بهزيمة ساحقة في لبنان ادت الى تشكيل لجنة تحقيق (فينو غراد) تحت عنوان اخفاقات الحرب (هزيمة الحرب)، وهو ما وضع نصب اعين المؤسستين العسكرية والسياسية كيفية اعادة الاعتبار للجيش وقدرته الردعية التي تهاوت.
– في العام 2008 حاولت اسرائيل ان تستعيد قوة الردع المتهاوية في عدوانها على قطاع غزه (الرصاص المصبوب)، فمنيت بهزيمة وفشلت آلة العدوان، رغم القتل والتدمير الكبير، من تحقيق اهدافها بالقضاء على المقاومة..
– تكرر الامر عام 2012 في عدوان (عامود السحاب)، ولكن النتيجة لم تكن بافضل من غيرها، حيث عجز جيش العدوان في تحقيق اي هدف من اهدافه المعلنة.
– في عام 2014، اعلن العدو حربا تدميرية على القطاع (الجرف الصامد)، ايضا نتيجته كانت مخيبة للعدو بعدم قدرته على تحقيق اي من اهدافه سواء باستهداف قادة المقاومة او بوقف اطلاق الصواريخ التي ظلت تتساقط على فلسطين المحتلة عام 1948 حتى اليوم الاخير من العدوان..
* – تمكن الشعب الفلسطيني ومقاومته من كسب معركة الرأي العام العالم، خاصة في بعض الدول التي شهدت مسيرات نوعية، كالولايات المتحدة، او في بعض الدول الحليفة للعدو، وهو تحدي جديد امام الحالة الفلسطينية خاصة على المستوى الرسمي بوضع خطة عمل لبعثاتنا الدبلوماسية، التي يعيش بعضها حالة بطالة مقنعة، وبالتفاعل مع مكونات الراي العام العالمي واعطاء جالياتنا فرصة التعبير عن ذاتها والمشاركة في هذه المهمة الوطنية النبيلة بعيدا عن سياسات الاستئثار الفئوي والعبث بأوضاعها..
* – ان الرهان على الشعب هو رهان في مكانه، وان الولايات المتحدة الامريكية شريك كامل بالعدوان سواء عبر تعطيلها اصدار قرارات ادانة من مجلس الامن او من خلال التواصل المباشر بين الرئيس الامريكي ورئيس وزراء العدو، وان من هو قادر على اعادة القضية الوطنية الى صدارة الاهتمامات الدولية والاقليمية هو التضحيات الكبيرة للشعب الفلسطيني في قطاع غزه والصمود المنقطع النظير لأهلنا في القدس الذين أحبطوا، بدعم كل شعبهم، كل المحاولات الإقليمية والدولية لجعل قضيتنا قضية ثانوية خارجة عن سياق الزمن والتاريخ.
* – يوميات العدوان اكدت ان استجداء الدعم الدولي لن يفيد في شيء، خاصة موقف الادارة الامريكية المنافق والكاذب الذي كان يتحدث بوجهين: وجه مع العدو ويطلب منه الاسراع في انهاء المهمة وتحقيق نتائجها بشكل سريع، ووجه امام الاعلام والرأي العام ويظهر بثوب الحريص على الدم الفلسطيني والذي يعمل على وقف حمام الدم في غزه.
لذلك فان سياسات التذلل على أبواب العواصم الكبرى لم تجد نفعا، بقدر ما الحقت الأذى بالكرامة الوطنية. ولعل تجارب الشعوب ونجربة شعبنا الناصعة في الصمود والمقاومة قدمت نماذج ينبغي الاقتداء بها واستيعاب دروسها بأن المقاومة والارادة هي من تصنع المعادلات السياسية المتوازنة، أياً كانت قوة الأعداء وأياً كانت غطرستهم وتعنتهم.
* – من نقاط الضعف ايضا في هذا العدوان، والتي انطلت على من بعض يدعون حرصهم على الانسان الفلسطيني، هو تكرار العدو لتجاربه الفاشله عندما قتل المدنيين في لبنان في عدوان تموز 2006 وقبل ذلك، ظنا منه ن بيئة المقاومة ستنقلب عليها، فما كان من شعب المقاومة الا ازداد صلابة في تمسكه بالمقاومة باعتبارها السلاح الذي يحمي الارض والشعب ويوفر لهما الكرامة والعزة. وقد كان واهما ايضا حين اعتقد ان باستهدافه للمناطق السكنية والمنشآت المدنية على ختلافها، سيجعل الشعب الفلسطيني ينقلب على مقاومته، بل على العكس فكلما سقط شهيد او جريح في قطاع غزه او الضفة الغربية او في الاراضي المحتلة عام 1948 او على الاشرطة الشائكة بين فلسطين المحتلة وبعض دول الطوق العربي، كانت الجماهير الشعبية تزداد شراسة وصلابة ثورية وصمودا وبسالة في مواجهة المحتل وعدوانه..
نأمل ان يكون هذا العدوان عبرة للجميع بأن الاستهداف هو لكل عناوين القضية، وان سلاحنا الاهم والاقوى هو في وحدتنا ومقاومتنا، وان ما حصل في فلسطين التاريخية على امتداد ايام العدوان من مقاومة مسلحة ومواجهات ومقاومة شعبية باسلة هي صورة مشرفة ومشرقة من صور المعركة الوطنية الحقيقية، والنموذج المجرب الذي يجب تكريسه في العلاقة اليومية مع الاحتلال وعصابات المستوطنين، خاصة بعد ان أثبتت المقاومة الفلسطينية، مرة أخرى، أنها الدرع الواقي للحركة الوطنية الفلسطينية ولعموم أبناء شعبنا. وأن هذه المقاومة المنتصرة دائما تستحق كل الدعم والإسناد، من شعبنا وحلفاءنا واصدقاءنا، بما يمكنها من تطوير إمكاناتها وقدراتها القتالية والفنية، وتحقيق المزيد من الأهداف الأكثر فعالية ليس فقط في ردع العدوان والدفاع عن شعبنا. بل والدخول في مسار هزيمة هذا العدو..
24 ايار 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here