مفهوم السعادة ماذا يعني ؟

مفهوم السعادة ماذا يعني ؟ * د. رضا العطار

يختلف معنى السعادة عند الناس بأختلاف ذكائهم وثقافتهم . فالسعادة عند العامي هي ان يجد على الدوام ما يشبع عواطفه, اي طمأنته من الخوف والمرض, وشبعا من ناحتي الطعام والجنس. وما يتبع هذا من توافر المال والسلطة والوجاهة.

ولكن السعادة في لبابها هي العقل, اي زيادة الفهم لانفسنا ولغيرنا من البشر وللدنيا. وكلما ازددنا وعينا الثقافي، ازددنا سعادة. لأننا ننظر عندئذ الى الاشياء بعقل حساس وقلب ذكي شفوق. نعقل، لاننا نحس, ونحس لاننا نعقل. وفي كلتا الحالتين نستمتع بالفهم. وعندئذ يصير للحياة معنى لا يجده من يقنع بأشباع غرائزه.

وفي الأعتبار السيكولوجي نقول ان السعيد هو السوي الوجداني.

وفي الأعتبار السيكولوجي ايضا نقول ان الشقي هو النيوروزي العاطفي.

وفي مجتمعنا الحاضر نحتاج الى تعاضد القوى الوطنية لأنجاح سياسة الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي في بلادنا.

اما على الصعيد الشعبي فان هذه الجهود تبذل الان تشمل امورا كثيرة منها العناية بالاسرة والمجتمع والحرفة, واخيرا بوقت الفراغ . ومتى عنينا بهذه الاشياء الاربعة وجدنا فيها جميعها الوسيلة الى التوسع في الثقافة ثم الى غيرها, وبذلك تتسع افاقنا ويزداد وعينا يجعلنا نحس بالسعادة الحقيقية .

والسعيد هو الذي يرتبط بالمجتمع بروابط روحية, يدرس احواله وظروفه ويحس بمسؤولياته عارفا ان يكون منتجا مفيدا لبني جنسه, يمتاز بشجاعة شخصية تحمله على تقبل الصعوبات في سبيلهم , وهو لهذه الاسباب يجب ان يكون مضحيا.

والشقي يكون بحكم طبيعته جامدا لا يسعى الى ترقية نفسه او مجتمعه حتى عائلته. ليس له دين او هو لا يعرف من الدين سوى القشور و الطقوس, والجامد الذي لا يرتقي ولا يتطور يحس تشائما ملازما لانه لا يجد مغزى للحياة. وقليل من الاخلاق ينير بصيرتنا. فإن الصراحة مثلا تخدم الصحة النفسية, لاننا لا نتحمل مجهود الاخفاء الذي يتحمله المنافق الموارب. والرقي والتطور بالدراسة والخدمة العامة يملأن النفس الشعور بالسعادة. وهما يحركان النشاط ويصونان الصحة النفسية والجسمية. ولذلك فان الكذاب والغشاش والمنافق والماكر, كل هؤلاء يتعبون، لانهم يتحملون مجهودا في ستر اشياء لا يحتاج الى سترها المخلص الامين.

والمتدين الذي سكن الى ديانة حسنة وصل اليها بجهوده وليس بتقاليده, ينتقل في سلوكه من العاطفة الى الوجدان. فهو يفكر اكثر مما ينفعل، في حين ان الآخر الذي لم يسكن الى عقيدة حسنة يبقى على المستوى العاطفي و يكره اكثر مما يحب ويتعصب بلا روية.

التدين كالغناء واللحن. اما عاطفة واما عقل. فالرجل الذي ربى نفسه وارتقى يحب الاغاني والالحان العقلية التي لا تكاد ترتبط بالعاطفة. او هو يرى على الاقل ان هذه العاطفة ليست جنسية. فالاغاني والالحان عنده ليست اغانيج. ونحن حين نستمع الى موسيقى باخ او بيتهوفن, لانحس اية يقظة جنسية. ولكننا نحس هذه اليقظة عند ما نستمع الى الغوغاء من العامة من المغنين الذين يغنجون في المذياع كالنساء.

وهكذا الشأن في جميع الفنون, فانها تخاطب العواطف الرخيصة عند العامة, وتخاطب العقل عند الخاصة من المثقفين.

والمتدين المتعصب الذي فهم الدين بالعاطفة والمنفعة الذاتية لا بالعقل له عقائد جامدة كثيرا ما تؤدي الى الفساد الروحي . لكن المتدين الذي يعتمد على العقل انما ينمو بالمعارف والتفكير ولا ينقطع نموه طول الحياة.

ويراني القارئ اني هنا اؤكد على قيمة ثقافة التفكير واثرها في السعادة واعزو الشقاء الى مجال آخر , اضع امامه التفسيرات التي وضعها السيكولوجي الامريكي الكبير – ادلر – في تحليله لمفهوم السعادة :

1 – نحن في طفولتنا يعترينا عجز و نقص, كلاهما يعين لنا طراز السلوك يلازمنا طوال حياتنا, وهي بمثابة اهداف نسعي الى تحقيقها بنشاطنا.

2 – اذا كانت هذه الاهداف التي تكونت لنا في الطفولة بعيدة التحقيق, فاننا نشقى بها طوال حياتنا.

3 – وكلاهما السلوك والهدف تكونت لنا في زمن الطفولة على سبيل التعويض من نقص الطفولة وعجزها قبل اكتمال القوى العقلية ولذلك يترسخان ويصعب التخلص منهما .

4 – اذا كان هذا الهدف وهذا الطراز للسلوك مخالفين لقواعد المجتمع فاننا نشقى بهما .

5 – يحدث احيانا اننا ننقح الهدف او الطراز ولكن من الشاق جدا التخلص منهما لان جميع عواطفنا معبأة لخدمتهما.

6 – مجموع الوسائل التي نتخذها في تحقيق الهدف والطراز تكون شخصيتنا.

7 – كل انسان ينشد السعادة يحتاج المجتمع . لان حياته اجتماعية.

8 – كي نأتلف مع المجتمع ونسعد به يجب ان نكون مشمولين بثلاث مشكلات هي المشكلة الجنسية وما يتعلق بها من حب وزواج وتكوين اسرة والمشكلة الاجتماعية وتتم بالاتصال بالمجتمع والاهتمام بشؤونه وخدمته وترقيته والمشكلة الحرفية التي نكسب منها عيشنا . ( وقد اضفنا نحن من عندنا هنا مشكلة الفراغ ) .

9 – السعادة . هي ان يكون الانسان دؤوبا في سعيه نحو الكمال.

وليس المعنى من كل ما ذكرنا اننا لن نشقى اذا اتبعنا هذه القواعد ففي الدنيا شقاء لا يمكن استبعاده بأية قواعد او وسائل . كالام التي تفقد ابنها , او انسان تقع له حادثة تفقده احد اعضاء جسمه, او الحياة في مجتمع فاسد يؤمن بعقائد سيئة او يخضع لحكم طاغية جائر , فنحن هنا نشقى وليس لنا طريق للفرج. ولكن هذا الشقاء يمكن ان يخف اذا عالجناه بالعقل ويثقل اذا عالجناه بالعاطفة. وقد نستطيع ان نعالجه في الحالة الاولى اما في الحالة الثانية فلا — وقد قال شاعر المهجر نسيب عريضة:

ولم يسعد الناس الاّ في تشوقهم * * * الى المنيع، فإن صاروا به فتروا

* مقتبس بتصرف من كتاب (فن الحب والحياة) للعلامة سلامه موسى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here