“أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون”

“أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون”

ان السؤال المتكرر الذي يساله الماديون والملحدون وبعض العلمانيون على مدى الزمان يدور حول نكران الذات الالهية ونكران الحياة الاخروية بعد الموت. اما القران الكريم فقد كرر الاجابة على هذه الاسئلة في كثير من اياته فضرب الامثال لخلقه. ساق للناس قصة خلق ادم وكيف عمل الله اسباب تكاثر ذريته بعد ان خلق حواء. كما فصل الايات الكثيرة الاخرى حول اعادة بعث الانسان بعد الموت. فالذي خلق الانسان اول مرة من تراب قادر على ان يعيد خلقه مرة اخرى.
السؤال المحوري الاخر اذن لماذا خلق الله الانسان وهل خلق عبثا دون هدف سامي. فنحن معشر البشر بين وقت الامتحان والتمحيص في الحياة الدنيا الى نيل النتيجة النهائية بعد الحساب يوم القيامة. ان النظام الدقيق في هذا الكون من شمس وقمر وافلاك اخرى ومن تعاقب الليل والنهار وخلق الذكر والانثى من انسان وحيوان ونبات لم يخلقها الله صدفة. كما ان المنطق والعقل واستمرارية النظام الكوني بدون تصادم منذ الالف السنيين توكد بان الصانع هو الله وليس الدهر او الطبيعة او اله اخر غير الله.
فطالما ان الله الحكيم العدل هو الخالق فان لكل فصيل من تلك المخلوقات له هدف وغاية ومسخر لاستمرارية الحياة ولم يخلق عبثا. ان عظمة خلق السماوات وما فيها من مجرات وكواكب ونجوم وافلاك والارض ببحارها واراضيها وانهارها وجبالها واوديتها وثرواتها المعدنية والزراعية والحيوانية كلها مسخرة لخدمة الانسان هذا المخلوق الضعيف. الذي يولد فلا يعرف شيئا ثم يكبر مع التحديات اليومية في التحصيل على الرزق والدراسة والعمل وتنتابه الامراض والعوارض فالموت جيلا بعد جيل. هذا الانسان هو المحور الذي اختاره الله لحمل الامانة فالقران الكريم يبدأ بحمد الله وينتهي بالناس.
ان اي انسان عاقل حصيف ذكي يرى بوضوح ان الحياة الدنيا ليست هي الهدف التي خلقنا الله من اجلها. لان نعيمها منقطع وان سعادة الانسان فيها مهما علا شانه متعثرة. تنتابها التحديات الخارجية من زواج وذرية وشركاء عمل. والتحديات الداخلية من مرض وتعب فموت. فلا سعادة ولا راحة فيها ولا تستحق الارتكان اليها. فلا يبقى منها كزاد الى الاخرة الابدية غير عمل الخير وصالح الاعمال.
لقد قال الله تعالى لنا باننا سنرجع اليه “منها خلقناكم واليها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى”. بعد هذه الرحلة التي ابتدات من خلق ادم وخلق له ذريته في عالم الغيب ثم خلق كل شخص وفق الوقت المعلوم في ارحام الامهات. فبالولادة والخروج الى الدنيا نبدأ رحلتنا المادية. التي ينبغي ان نجد ونجتهد ونعمل فيها لان دنيانا هذه رغم قصرها لكنها هي التي نقرر مآلنا ومصيرنا في الاخرة. تنتهي رحلة الدنيا بالموت ليتبعها عالم البرزخ. فالعودة النهائية مرة اخرى الى الله حيث يوم الحساب. انها المحطة الاخيرة لرحلة العوالم المتعددة لنرى فيها نتيجة اعمالنا في الحياة الدنيا.
وجود الخلق في هذه الارض اذن واضح الاهداف يمر فيه اي شخص برحلة طويلة ليس له في اغلبها حول ولا قوة. لكن الذي يقرر مصيره في المرحلة النهائية بعد يوم الحساب تلك السنوات المعدودة. وهي عندما يبلغ الانسان الحلم فيجري عليه القلم ويحاسب على كل اعماله حتى وقت وفاته. لقد وهبه الله في تلك الفترة حرية الاختيار لعمل الخير او الشر ليكون من اهل الجنة او النار. انها فترة التمحيص والاختبار والامتحان التي تقرر مصير حياته النهائية الابدية بعد يوم الحساب.
د. نصيف الجبوري

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here