أهمية الثقافة في الحياة

أهمية الثقافة في الحياة : بقلم (كامل سلمان)

الإنسان الذي تقل عنده الثقافة يصبح فريسة سهلة للجهل كالجسم العليل الذي تقل عنده المناعة فيصبح فريسة سهلة للأمراض والجراثيم ، وهذه معادلة يمكن بذل الجهد لتقويمها وإعادة مسارها ولكن المشكلة إذا كان المجتمع هو العليل وهو يمتلك ثقافة خاطئة والمقصود بالثقافة الخاطئة الثقافة التي ليست فيها المناعة من الجهل والتخلف ، من هنا تبدأ المشكلة الأكبر لإن المجتمع يعتقد بإنه يمتلك ثقافة فعنده الالاف من المؤلفات التي تغزو المكتبات وعنده الرموز الثقافية المنوعة والكوادر الرصينة وكلها تعمل كمنظومة متكاملة لبناء ثقافة خاطئة فتكون العملية أشبه بالمستحيل لإخراج هذا المجتمع من هذه البؤرة المميتة والتي تكون نتيجتها ان يدفع المجتمع ثمن هذه الثقافة الخاطئة المتشعبة باستمرار حتى يصل الى حافة الهاوية ثم الانهيار التام وهو لا يدري بإنه ضحية لشيء خاطىء وأساس غير صحيح وهي الثقافة الخاطئة …
امام هذه المقدمة يحق لنا السؤال ماهي الثقافة الخاطئة وكيف نميزها عن الثقافة الصحيحة ، لكي تتم الإجابة على هذا التساؤل علينا ان نعرف اولا مالمقصود بالثقافة . يقولون الثقافة هي القدرة النقدية ويقولون ايضا الثقافة هي المعرفة ويقولون كذلك بإن الثقافة هي الوعي والإدراك ، كل هذه التعريفات صحيحة ولكنها لا تمثل الحقيقة الكاملة لمعنى الثقافة ، فالثقافة هي البناء العلمي للعقل البشري الذي يستطيع تقبل الصح ورفض الخطأ ولا تستطيع العواطف او المؤثرات من استمالة العقل وهذا هو أحدث تعريف متداول بين النخب الثقافية في المجتمعات المتقدمة بحيث يكون هناك أحضار للنتائج قبل العمل او أحضار للحصاد قبل الزرع ، هذا ماتعمل به المؤسسات التربوية في العالم المتحضر لبناء عقل الطفل في المراحل المبكرة من عمره بحيث انك لو جلست مع اي طفل في هذه المجتمعات وتحاول إقناعه بشيء خطأ ستجد الطفل يأخذ منك كل ماتقول بدقة كبيرة وتركيز عال وبجدية مطلقة ثم يضع كل كلامك امامه ثم يحصي النتائج المتوخاة مما قلته أنت فإذا كانت النتائج امامه غير ذات قيمة سيقوم برفض كل ماتقول مهما بذلت من جهود لإقناعه ، طبعا الطفل هنا يعتمد على عناصر اساسية مسبقة مغروزة في عقليته وهي ان البحوث العلمية الأكاديمية الاجتماعية المتوفرة نتائجها في عقليته هي غير قابلة للنقاش لإنها صحيحة مائة بالمئة ومع كل ما يمتلك من معطيات ثابتة يبقى عنده فسحة واسعة لاستخدام عقله النظيف وغير ملوث بأي أفكار مريضة .. ان عملية بناء عقل الإنسان لم يتولد بمجرد مجموعة مواعظ بل هي نتيجة جهود عظيمة وتجارب وبحوث ودراسات مستفيضة استمرت لسنوات طويلة ، ومع ذلك هناك آلية للتصحيح امام اي خطأ طارىء والتصحيح يتبعه تطوير وكل عامل في اي مجال وخاصة المجال التربوي يضع كل نتائج عمله بشكل وثائق وصور بشكل منظم ومستمر امام اللجان التطويرية التي تقود هذا المجال ، فهو عمل شاق وعميق ودقيق لإن العملية برمتها هي مصير انسان ومصير مجتمع ومصير دولة ومصير الإنسانية بأجمعها ، لذلك أصبح الإنسان في الدول المتحضرة يتجدد بشكل تلقائي بين فترة وأخرى ومن ثمرة هذا التجدد هو التطور الكمي الهائل في كل المعارف والعلوم والتكنولوجيا والإحصاء وغزو الفضاء وحتى المفاهيم هي بذاتها تتجدد ، بينما في الجانب الأخر نجد المجتمعات التي تحمل الثقافة الخاطئة أصبحت شبه ميتة وبان عليها التعفن والانحدار نحو الانهيار لإنها لا تدري بإن ثقافتها خاطئة ولأنها لا تسمح لنفسها الاستفادة من تجارب الأخرين وأسرار تطورهم ومتمسكة بقوة بما عندها من ثقافة مقيتة ، وهذه المشكلة لم تعد قضية بسيطة يمكن تجاوزها فهي اليوم تعرض مجتمع بأكمله للهلاك وهي أصبحت العلة الجوهرية لما يصيب المجتمع ، نعم الثقافة الخاطئة والمفاهيم الخاطئة بمثابة الحجر الذي يمنع سيل الماء في المجرى ، فهو يبشر بالانفجار والدمار ، المطالبة بالتغيير والاستفادة من خبرات من سبقونا يجب ان يكون المطلب الأول لكل انسان حريص على أهله وناسه ومجتمعه الذي تربى به ولكل مثقف وانسان واعي ولم يعد السكوت والقبول بالأمر الواقع يجدي نفعا ، المسألة ليست مسألة إلغاء او مسألة كراهية او رفض لموروث إجتماعي بل المسألة اكبر بكثير مما يذهب اليه عشاق الثقافة الخاطئة فقد أصبحنا نقترب من الهاوية والمؤشرات كلها تدل على السقوط ولن يسلم منه أحد ، قد لا يشعر الغالبية من الناس بكل هذه التصدعات ولا يعزوها الى الثقافة الخاطئة ولكن بمقارنة بسيطة بما يحدث من متغيرات في العالم سيكون كل شيء واضح للجميع ، انا أرى من الضروري جدا ان تتوجه النخب العلمية والثقافية الى المطالبة بالتجديد قبل فوات الاوان وكفى خداعا للنفس بإننا الأفضل والأقوى والأصلح وأن الانهيار سيصيب العالم ونحن سنكون سادة الارض ومن هذه المفردات الفارغة فهذه كلها خدع نفسية لم تعد ذات قيمة تذكر ، حتى الدول المتخلفة في افريقيا وامريكا اللاتينية واسيا أضحت اليوم تدرك أهمية الثقافة الصحيحة فهي بدأت تتطور بسرعة مذهلة ولكن للأسف الشديد فإن بعض صحفينا وكتابنا ينقلون الينا ماهو سيء فقط في هذه البلدان كي يبرروا تكاسلهم امام التغيير ، وأقولها السيء هو من يقارن نفسه بالسيء والأشياء السيئة ومن لم يستطع كشف مواطن الخلل ويتستر على كل خطأ بأي حجة كانت ويعمل على قبول الثقافة الخاطئة فهو لا يختلف عن اي مجرم قاتل سافك للدم وسيكون مسؤول امام الله وامام التأريخ بما كسبت يداه وبما اساء للمجتمع ، فهل من حجة او عذر مع مايعانيه الناس من موت وصعوبات العيش وتفشي الامراض وانحطاط التعليم وفقدان الأمن والأمان والتخلف والجهل والفساد ومازال الاصرار على الخطأ .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here