المعايير القانونية والإجتماعية …. معيار الوطنية مثالا

المعايير القانونية والإجتماعية …. معيار الوطنية مثالا
فارس حامد عبد الكريم
المعيار من الناحية الأخلاقية والقانونية هو في الواقع مقياس يتضمن نموذج لما ينبغي ان يكون عليه السلوك الإنساني في مواجهة وقائع الحياة المختلفة.
والمعيار القانوني قد يتمثل بقاعدة قانونية او مفهوم قانوني وهو في الواقع وسيلة لتمييز السلوك المخالف للقانون عن السلوك المتوافق مع القانون ففي إطار قياس الخطأ يلجأ الى معيار موضوعي هو معيار الرجل المعتاد،ومن تطبيقاته العملية معيار الطبيب المعتاد ومعيار المهندس المعتاد والمحامي و.. وقائد الطائرة والعجلة … والرجل المعتاد هو شخص من عامة الناس محاط بذات الظروف الخارجية للفاعل لا هو بالذكي جداً بحيث يصل بنا الى القمة ولا هو بالغبي بحيث ينحدر بنا الى الحضيض هذا الشخص عند التقييم نجرده من ظروفه الشخصية ، ويتخذ من قبل القاضي او رجل الادارة او عامةالناس مقياساً او نموذجاً لتقييم تصرفات الآخرين، فلو أُدعي ان طبيباً قد اخطأ فإن تحديد وجود الخطأ او عدمه يكون بالقياس الى تصرفات الطبيب المعتاد في ذات الظروف الخارجية فلو اتفقت معها فلا خطأ ولا مسؤولية وإن كانت ادنى منها تحققت مسؤوليته القانونية والمهنية وإن كانت اعلى منها استحق التقدير والثناء.
والمعايير في إطار زمان ومكان معيينين ثابتين نسبياً تسهيلاً لقابلية الحكم والتقييم.
ولكن تختلف ادواتهما بإختلاف الزمان والمكان حتماً حسب مقتضيات التطور الإنساني.
وتسبب اختلاف المعايير في مجال معين في مجتمع معين الى الفوضى وعدم امكانية التقييم الحقيقي للسلوك مما ينتج عنه الصراع والظلم والغبن.

إلا أن المعايير الأجتماعية ليست كآنضباط المعايير القانونية فإنضباطها يعتمد على مدى تطور وثبات المجتمع العاملة فيه.
ومن مظاهر التحضر والرقي والإنسجام المجتىعي المجتمعي وجود معايير ثابتة متفق عليها في السلوك الإجتماعي العام.
ففي المجتمعات المتحضرة هناك شبه اتفاق تام على ماينبغي ان يكون عليه السلوك العام، مثل:
احترام نظام التسلسل والأسبقية، احترام القانون والانظمة القانونية مثل احترام اشارات المرور، رفض الفساد والتبليغ عنه،
الإلتزام بالمواعيد الرسمية والشخصية، الإلتزام بالهدوء وعدم إحداث ضوضاء في الاماكن العامة، رفض مظاهر الاحتيال والتسول، المحافظة على النظافة العامة، عدم التدخل في شؤون الآخرين الخاصة، ….
ان مثل هذا الإتفاق يشكل وحدة المعيار الإجتماعي ووجوده يقلل من فرص التعارض والصدام الإجتماعي. ومن المؤكد ان ما تقدم يمثل تصرفات غالبة عامة ولا يوجد مجتمع مثالي.
إلا ان محتوى المعايير يختلف في الامم المتحضرة عن الامم الأقل تحضراً
فلو اخذنا معيار إجتماعي وهو معيار شرف الشخص فتراه يختلف بشكل واضح وبين من مجتمع الى إخر ومن زمان الى إخر.
ففي المجتمعات المتحضرة فان معيار الشرف يكون في مدى الالتزام بالقوانين والانظمة القانونية والضوابط الإجتماعية السائدة فمثلاً يوصف الموظف الذي لا يؤدي واجبه على اكمل وجه والمتهرب من دفع الضرائب او من يخرق اشارة المرور او من يتجاوز التسلسل او دوره في الإنتظار او من يقدم معلومات خاطئة عمداً لشركة التأمين مثلاً بانه غير شريف وينظر اليه نظرة احتقار وإشمئزاز .
اما في مجتمعنا الشرقي فالأمر مختلف تماماً اذ يرتبط الشرف الشخصي بعفة النساء حصراً. وإذا أخذنا العراق كنموذج، فقدكانت لدينا الى عهد قريب معايير للسلوك خاصة بالريف ومعايير للسلوك خاصة بالمدن الحضرية.
وكانت معايير متوازنة وثابتة نسبياً في البيئة التي تحتضنها.
إلا ان الهجرة من الريف الى المدينة عى نطاق واسع خلقت مشكلة معيارية خطيرة نتيجة صراع المعايير الريفية مع المعايير الحضرية وكانت النتيجة غلبة المعايير الريفية نتيجة الغلبة العددية فضلاً عن القهر الإجتماعي المتمثل باستعمال القوة والتهديد في فرض المعايير الريفية على ابناء المدن.
وشكل ذلك تراجعاً خطيراً في القيم الحضرية فإذا كانت المعايير الريفية مقبولة في بيئتها الام فإن انتقالها للمدن يشكل انتكاسة مؤسفة للتطور الحضري.
اما باقي التصرفات السلوكية كما ذكرنا من امثلة اعلاه فلا ينظر اليها عند مخالفتها على انها تجرح الشرف الشخصي بأي حال من الأحوال.
ولهذا السبب تنتشر لدينا مظاهر الخداع والإحتيال سواء في المجال الإجتماعي ومنها سلوكيات اصحاب المهن المختلفة او في المجال السياسي كإنتشار ظاهرة الفساد بشكل واسع.
والحال ان معيار الوطنية الحق يعتمد بشكل اساسي على النماذج السلوكية المتعلقة بالسلوك العملي اليومي والتي تمارسه شعوب الدول المتحضرة في مجتمعاتهم التي اعطينا عنها بعض الامثلة …
فالوطنية ليست خطب رنانة او مجرد مشاعر تكمن في النفس بل يجب ان تجد لها تطبيقاً على ارض الواقع…
والسبب يكمن في ان ثقافتنا المجتمعية والمدرسية لم تركز على الجوانب الخلقية في مجال السلوكيات العامة وبقي مفهوم الشرف محصوراً في نطاقه الذي اشرنا اليه.
في حين ان معايير السلوك تعتبر من المناهج الأساسية في مجال التربية والتعليم في المجتمعات المتحضرة وتلقى عناية خاصة وبهذا تنشأ الأجيال المتلاحقة على نماذج معيارية ثابتة نسيباً فتحقق الوحدة المعيارية الإجتماعية بغض النظر عن الدين او القومية أو المعتقد ومن المؤكد على هذا الحال لن تكون هناك فوضى معيارية، بل ان الدول الغربية سعت مؤخراً الى منع الاشخاص حتى من ارتداء الملابس التي ترمز الى قوميتهم او معتقدهم في المؤسسات العامة.

اما الفوضى المعيارية في مجتمعاتنا فهي الغالبة على سلوكيات وثقافة مجتمعنا وكذلك الحوار والجدل في الامور الحياتية والعامة فلازال الإختلاف قائماً حتى على بديهيات الامور ويأخذ من معايير السلوك قشورها الخارجية دون الإهتمام بجوهر الأشياء ومدى تطبيقها على الواقع العملي وحديث الناس ومنطقها غير عملها في الواقع الحياتي.
فمعيار الوطنية الحقة يتحقق أولاً بالحرص العالي على المصالح العليا للدولة والمواطن ففي اطار الدولة يتبنى الوطنيون نظام قانوني يسري على الجميع من دون استثناء وكذلك وضع الخطط والوسائل اللازمة لرفع شأن الدولة وهيبتها بين الأمم
والوطنية في مواجهة المواطن هو ما تحققه فعلاً من خطط تنموية وانجازات اجتماعية وحضارية وبنى تحتية وما تقدمه من مشاريع تنهض بالواقع الإجتماعي والعمراني والتعليمي والصحي …
نظام تربوي متطور موحد كفيل بتحقيق الوحدة المعيارية في المجتمع.
شباط 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here