في بغداد بحثا عن غرترود بيل “والدة” العراق الحديث

صورة ملتقطة في 18 أيار/مايو 2021 تظهر قبر البريطانية غرترود بيل التي أسهمت في وضع أسس العراق الحديث، في بغداد

صورة ملتقطة في 18 أيار/مايو 2021 تظهر قبر البريطانية غرترود بيل التي أسهمت في وضع أسس العراق الحديث، في بغداد أحمد الربيعي ا ف ب

العثور على المقبرة البروتستانتية حيث ترقد البريطانية غرترود بيل التي أسهمت في وضع أسس العراق الحديث، ليس بالأمر السهل في بغداد، فيما تحديد قبرها بحاجة إلى مساعدة ناطور الموقع الذي يعرف المكان عن ظهر قلب.

الكتابات على شاهد قبرها شبه ممحية، ولا أحد تقريبا في العراق يعرف اليوم من هي تلك الباحثة في علم الآثار والمستكشفة والمصورة والجاسوسة والكاتبة التي توفيت في عزلة العام 1926 عن عمر ناهز 57 عاماً.

إلا أن هذه المرأة أسهمت بنشاط في تأسيس العراق الحديث في مؤتمر القاهرة في العام 1921 إلى جانب ونستون تشرشل، حينما كانت وزيرة للمستعمرات، ما وسع الحيز الجغرافي للعراق الذي كان خاضعا للانتداب البريطاني، بضم كردستان والموصل شمالاً والحقول النفطية إليه.

تؤكد المؤرخة والكاتبة العراقية تمارا شلبي المتخصصة في حياة غرترود بيل، لوكالة فرانس برس أنها “فعلت الكثير لهذا البلد، ليس فقط كأحد مؤسسيه، بل كانت بشكل من الأشكال والدة العراق”.

حققت بيل التي كانت تتقن اللغتين العربية والفارسية وتنتمي إلى المجتمع الراقي في بريطانيا حينذاك، لنفسها مكانة خاصة في العالم الذكوري للإدارة الاستعمارية البريطانية فانضمت خصوصاً إلى المكتب العربي في القاهرة، أحد فروع الاستخبارات البريطانية.

ففرضت فيصل الأول ملكاً على العراق، ونتيجة معرفتها الجيدة بالعشائر، نجحت في حصد التأييد له. لكنها كانت تعتبر انجازها الأكبر، بناء متحف بغداد الذي افتتح بعد شهر على وفاتها.

إلا أن هذه المرأة التي عملت إلى جانب تي إي لورنس، الملقب بلورنس العرب، غير معروفة كثيراً في العراق.

– “ملكة الصحراء” –

تروي تمارا شلبي لوكالة فرانس برس “حينما جئت إلى العراق في العام 2005 (…) لاحظت أن من هم دون 60 عاماً، لا يعرفون عما أتكلم. وفي الفئة العمرية الأكبر، تذكّر بعض الرجال الكبار في السنّ ماذا فعلت” غرترود بيل، وهم يلقبونها بـ”خاتون”، الكلمة العثمانية التي كانت تلقب بها النساء من طبقة الملوك أو النبلاء.

#photo1تعزو شلبي، التي شاركت في إعداد كتاب بعنوان “غرترود بيل والعراق – حياة وإرث”، قلة معرفة العراقيين بتلك المرأة اليوم “لواقع أنها امرأة … لكن أيضاً بسبب الطريقة التي نُلقّن فيها التاريخ في العراق”.

وتضيف “لا يعرف العراقيون الكثير عن ماضيهم. عن الوطن والتاريخ، يقدمون لنا نسخاً دعائية وأحادية الجانب”.

عدّلت كتب التاريخ في العراق الذي يحتفي في آب/أغسطس بمئوية تأسيسه، مراراً عقب الثورات والانقلابات والتغييرات التي طرأت على نظام الحكم.

تشرح هايدي الطالبة الجامعية البالغة من العمر 23 عاماً أنها “تعلمت التاريخ الحديث للبلاد بين سني الثانية عشرة والخامسة عشرة. لقد تعلمنا تواريخ، لكن اسم غرترود بيل لم يذكر أبداً”.

في المقابل، خصصت كتب كثيرة لبيل في الغرب خلال السنوات الأخيرة، فيما أخرج الألماني فيرنر هيرتسوغ فيلماً عنها في العام 2015 باسم “كوين أوف ذي ديزيرت” (ملكة الصحراء)، لعبت فيه الممثلة نيكول كيدمان دور غرترود.

العثور على المقبرة التي ترقد فيها أشبه بالبحث عن كنز. فهي تقع في أحد أزقة وسط بغداد وينبغي القرع مرات عدة على البوابة الحديد ليفتح الناطور علي منصور البالغ من العمر 77 عاماً.

– “ميس بيل” –

ورث منصور مهمة حراسة المقبرة عن والد زوجته الذي كلفه البريطانيون فيها قبل أكثر من 60 عاماً. ويتلقى مبلغ 250 ألف دينار (170 دولاراً) من الكنيسة البروتستانتية كل شهر لقاء عمله.

على قبر غرترود بيل، وضعت بعض الورود الاصطناعية. يخبر علي منصور وكالة فرانس برس أن “بعض الزوار يضعون وروداً حقيقية، لكن أقوم بإزالتها بسبب الحرّ”.

ويضيف أنه تلقى العام الماضي دعوةً إلى السفارة البريطانية لحضور احتفال تكريمي لذكرى “ميس” بيل، كما يسميها العراقيون.

اهتمت تمارا شلبي بترميم القبر وزرعت حوله بعض الأشجار. ووضعت في المكان لوحة نحاسية صغيرة، كتب عليها “أعيد ترميمه من قبل تمارا شلبي امتناناً للمساهمة التاريخية لغرترود بيل في العراق. كانون الأول/ديسمبر 2005”.

في المقابل، يؤكد علي النشمي أستاذ التاريخ في جامعة المستنصرية في بغداد، أن “بيل كانت تخدم مصالح التاج، وليس مصالح العراقيين”.

لتكتمل خيوط رحلة البحث عن بيل، يجب زيارة متحف بغداد. من مكتبه، يدلّ رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث على لوحة خشبية حفرت عليها أسماء من سبقوه في المنصب. على رأس اللائحة كتب اسم غرترود بيل التي تولت المهمة من 1922 إلى 1926.

ويقول حسين “لم تنس أبداً. لقد أسست المتحف العراقي وساهمت في اللبنة الأولى لعلم الآثار في العراق”.

سرق تمثال بيل الذي شيده فيصل الأول من متحف بغداد عقب نهبه في العام 2003 بعد الغزو الأميركي للعراق. ويقول حسين “لم نجده قط”.

سك/لو/غ ر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here