إبراهيم الصميدعي..” وحقوق ” السجين السياسي”!!

إبراهيم الصميدعي..” وحقوق ” السجين السياسي”!!

حامد شهاب

يتساءل الكثير من زملاء الأسرة الصحفية ومن العاملين في حقول الإعلام والمحاماة والسياسة : هل يستحق زميلنا المخضرم ، إبراهيم الصميدعي، وهو كاتب ومحام وسياسي، أن يحصل على راتب ” سجين سياسي” ، فيما لو تقدم الرجل بطلب كهذا ، بالرغم من أنه لم يفكر بتقديم مثل هذا الطلب ولن يقدمه، لكن الموضوع المثار “إفتراضي “، وبخاصة بعد الأزمة الاخيرة التي حصلت له ، واضطر للابتعاد فترة عن الواجهات الاعلامية ، أم أن الأمر يتعلق فقط بمن سجنوا قبل عام 2003 ، وجلب عدد لا يستهان منهم وثائق مزورة ، عن أنهم كانوا ” سجناء سياسيين” أو مفصولين سياسيين، وهم في الحقيقة ، أما توفوا من مرض عضال أصابهم، كالجنون وغيره، أو أنهم تركوا الوظيفة أصلا قبل عام 2003 وفضلوا العمل في القطاع الخاص ، أو سافروا خارج البلد طلبا للرزق، واعتبر بعدها مفصولا سياسيا ، ومنهم معلمون ومدرسون ووظائف أخرى ، لأن الرواتب في وقتها كانت متدنية، بسبب الحصار ، أو لانهم تعرضوا لسجن محاكم كونهم إما عد البعض منهم من سارقي المال او مرتكب جناية او جنحة مخلة بالشرف!!

ألا يعد الكاتب والمحامي والسياسي العراقي إبراهيم الصميدعي ، وما تعرض له من سجن قبل فترة قصيرة، وفي ايام مختارة بعناية ، لكي لاينظر بشأنه ، من الخميس وحتى الجمعة والسبت كونها عطلا رسمية، في أوقات الحظر ، ممارسة مستغربة ، لمجرد أنه عبر عن وجهة نظره بشأن قضايا بلده ورؤيته للاسهام بحل ازماتها ، بل هو يستحق فعلا راتب ” سجين سياسي” يتجاوز المليون وربع المليون دينار ، وأن يحصل على منحة سكن المقررة بـ 85 مليون دولار ومخصصات أخرى لانعرفها، تمنح لهذه الشريحة ، ليكون بمقدوره تعويض نفسه عن الضرر المادي والمعنوي الذي ألم به بعد ” فاجعة سجنه” الاخيرة والتي تم فيها كما قيل تجييش أكثر من 25 سيارة أمن بين مدرعة وصفحة وناقلة اشخاص، واقتادوه عنوة من بيته، وتعرض كل ماتعرض له، من ” إهانات” من بينها سجنه في معتقل يضم كبار عتاد أصحاب السوابق والاجرام والارهاب في سجن المطار، كما أشار محاميه في وقتها ، ولولا علاقات الرجل الواسعة وتقديم مايقرب من 20 محاميا وزملاء من الاسرة الصحفية للدفاع عنه، بينهم الاستاذ مؤيد اللامي وآخرين لكان مصيره في خبر كان!!

كان لي الشرف أن أعمل مع الزميل إبراهيم الصميدعي عام 2005 في جريدة كانت تصدر بمنطقة الوزيرية قرب كلية الاداب ، بعد الاحتلال، وبمعية الدكتور هاشم حسن ، وكان الصميدعي مستشار الجريدة القانوني ، إضافة الى خبرته الصحفية الكفوءة ، وكان الرجل يتعامل بروح عالية من المرح والبساطة مع كل الزملاء، وهو كريم النفس، إذ يجلب لهم ” صواني القوزي والكباب” ، لكي يعبر عن كرمه اليعربي الذي إشتهر به الرجل، كونه ” إبن خير” وهو الذي رفض قبول اية وظيفة او منصب عال عرض عليه، وفضل العمل في المجال الصحفي في القطاع الخاص ، بعيدا عن العمل الحكومي، وعلاقته مع رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي كانت جيدة جدا ، وحتى مع بعض رؤساء حكومات وفي مناصب عليا من الرئاسات الثلاث ، ورفض أن يعمل مستشارا مع السيد الكاظمي برغم صدور أمر ديواني أو اداري، كما قال مرة، لأنه لايريد أن يؤدي ” التحية ” فقط، وليس بمقدوره أن يعبر عن الطريقة المثلى لحكم البلاد وكيف يخرج العراق من عنق الزجاجة، وهو الخبير بالشأن العراقي ، ولديه علاقات واسعة مع رجالات سلطة وحكم ومؤسسات صحفية عريقة، داخل العراق وخارجه ، بالاضافة الى كونه رجل قانون ومحام ضليع ، ويعرف كيف تدار أمور البلد، والطريقة المثلى التي ينبغي أن يدار بها ، بعيدا عن التدخلات الخارجة عن القانون وتلك البعيدة عن الولاء العراقي الصميمي للعراق وشعبه!!

والزميل إبراهيم الصميدعي ليست شخصية تقليدية ، أو محاطة بالسرية والكتمان، وقد كتبت عنه مقالا مطولا، بعنوان :” إبراهيم الصميدعي.. أنياب الديمقراطية تستبيح أحد قلاعها “، نشر في مواقع كثيرة ، بتاريخ 21 و22 اذار 2021 ، بعدما تعرض له من سجن واعتقال، وهو يخرج دوما في الفضائيات وعلى منابر الاعلام والاجتماعات والمؤتمرات ، ويعبر عن وجهة نظره لحكم البلاد بكل أريحية، وهو محلل سياسي مرموق ويؤشر ملاحظات غاية في الأهمية لأصحاب القرار ، ولا يذكر أحدا بسوء ، حتى من يعدهم من خصومه، ولغته مهنية ومهذبة ومؤدبة ويحافظ على سياقات الاحترام ، وكل كلمة يدلو بها محسوبات في الذرات، كسلسلة القلادة ، وكلامه بمثقال الذهب، ولم يخرج منه ما يشكل خرقا لقانون او تعديا على كرامات أي كان، او يشكل مثلبة، الا بالقدر الذي يوصف به الاشياء بمسمياتها، لا أكثر ولا أقل، وكونه صحفيا ومحاميا ورجل قانون يفترض أن تبلغ الجهات التي ينتسب اليها قبل ايداعه السجن ، ومنها نقابة الصحفيين ونقابة المحامين ، وهي تعليمات وردت ضمن ديباجة هذه النقابات بشأن منتسبيها، ومع هذا لم يسلم الرجل من الأذى ودخل السجن ، في ليلة محسوبة على أنها ” إهانة” قبل أن تكون مجالا لأن يدخل القضاء على مجرى القضايا المثارة ضده ، وهو الذي كان يأمل من القضاء أن ينصفه، كونه رجل قانون وكاتبا وصحفيا معروفا ومحللا سياسيا ذا مصداقية ومهارة عاليتين ، بالرغم من الرجل أشاد بالقضاء وبممارساته الايجابية أكثر من مرة، حتى أثناء محاكمته ، وهو يريده أن تكون العين المفتوحة على حيتان الفساد والخارجين عن القانون، ومن يبيعون الولاء لهذه الجهة او تلك بدراهم معدودة، وليس للمواطنين العراقيين الذين تحترق قلوبهم على مايتعرض له بلدهم من فساد وظلم وخروج عن سياقات القانون والعرف، وولاء للآخر ، ويباع العراق في المزاد العلني ، كما قال، ويمضي مصير البلد الى المجهول!!

أما مقترحنا بأن يمنح الزميل إبراهيم الصميدعي راتب ” سجين سياسي” فهو من باب معرفة طرق التمييز بين الأنظمة في كل العصور، وهل أن العدالة تطبق هذا القانون على كل من يتضرر سياسيا، مثل الصميدعي ، وآخرين على شاكلته، ويترتب على سجنه ضرر مادي او معنوي ، يصيب سمعته بين أهله وزملائه والناس بالأذى ، أم أن الصميدعي ليس عراقيا أو مواطنا غيورا لاسمح الله، ومن طائفة ليس من حقها أن يكون أحد من أبنائها يحتسب له حقوق والتزامات ، في إطار إثبات أن القانون يطبق على الجميع، وأنه ليس هناك مواطنون من الدرجات الخامسة أو العاشرة ، بل كلهم مواطنون عراقيون من الدرجة الأولى، وكل ينال حقه وفقا للاستحقاق القانوني، وفي اي نظام سياسي كان، لأن العدالة مفهوم واحد في كل الأزمنة والعصور، وليس هناك عدالة تقاس وفقا لرغبات هذه الجهة الحاكمة او تلك، أو هذا النظام السياسي أو ذاك، دكتاتوريا كان أم ديمقراطيا، عندها يشعر العراقيون أنهم سواسية كأسنان المشط أمام القانون، ولكي نثبت للجميع، أن العدالة فوق الميول والطوائف والاجتهادات والولاءات، عندها نطمئن أن العدالة ، شقت طريقها الصحيح ، الى حيث ينبغي أن تكون، وهو ما نأمله عند محاسبة اي فرد عراقي، يتعرض في المستقبل الى المساءلة، لاحقاق الحق، ولكي لايشعر البعض أن القانون يفصل كما يراد له أن يكون البعض، ووفقا للأهواء والأمزجة والرغبات، وكلنا أمل بأن يبقى القضاء العراقي هو المؤسسة الوحيدة التي تحافظ على كرامة المواطن العراقي ومن المساس به دون ذنب او جرم يرتكب، وقد أثبت القضاء العراقي توجهاته هذه في أكثر من مناسبة وقرار، وهو ما يشكل ارتباحا لدى العراقيين بأن لديهم مؤسسة ما زال يحكمها القانون والنظام وليس الأمزجة والأهواء والاملاءات ، وفق مقاسات الطائفة والانتماء والعقيدة!!

لقد قامت الدنيا ولم تقعد، قبل أيام، لأن القضاء أراد تطبيق قراراته ضد” متهم” ، والمتهم بريء، حتى تثبت إدانته، ولأن ” المتهم” على راسه ريشة كما يقال، ومن طائفة كبار القوم ، فقد جيشت الجيوش والعساكر واحتشدت الحشود، وكادت أن تحدث معركة رهيبة ، تستخدم فيها كل الأسلحة والقوات ونيران الحروب لتحرق الاخضر واليابس، ، الى أن ستر الله ، وانتهى ألامر ، حتى أن القضاء نفسه عد ممارسة من هذا النوع خروجا عن القانون وتعريضا لسمعة وهيبة الدولة داخليا وخارجيا ، للمخاطر، وفقدان المصداقية ..أما أن يسجن صحفي او محام وقانوني ضليع، فيتم إيداعه السجن، وكأن القضية أسهل من شرب الماء، بالرغم من أن الرجل كان يطالب بحفظ حقوق بلده، ولم يطالب بمكسب او مغنم خاص به، بل أراد ان تبقى سمعة بلده في الأعالي، لكي لايتحكم فيه السراق والمفسدون ومن أوغلوا في الدم العراقي، وهو يسكب، بلا رحمة على أرض العراق!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here